عودة طوعية للاجئين سوريين من لبنان على وقع تحسن أمني نسبي
بيروت - شهدت الأيام الأخيرة تسارعًا في وتيرة العودة الطوعية لعدد من اللاجئين السوريين من لبنان إلى وطنهم، في مؤشر يُعزى جزئيًا إلى تحسن نسبي في الوضع الأمني داخل بعض المناطق السورية، لاسيما بعد تراجع حدة التوترات في الساحل السوري والمناطق ذات الغالبية الدرزية، إلى جانب تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، والتي جعلت ظروف اللجوء أكثر صعوبة.
فقد عاد، خلال اليومين الماضيين، نحو 150 عائلة سورية من مناطق مختلفة في البقاع الشمالي إلى الداخل السوري، في إطار عمليات العودة الطوعية التي ينظمها الجيش اللبناني بالتنسيق مع الأمن العام. وتمت عملية نقل 100 عائلة من وادي حميد في بلدة عرسال إلى منطقة القلمون الغربي عبر معبر الزمراني، في حين انتقلت 50 عائلة أخرى عبر معبر جوسيه باتجاه مدينة القصير وريف حمص.
وتأتي هذه التحركات بعد استئناف الأمن العام اللبناني، أواخر أبريل/نيسان الماضي، تنفيذ خطط "العودة الطوعية" التي كانت قد توقفت مؤقتًا. وتُجرى عمليات العودة هذه بشكل أسبوعي، وتشمل بشكل رئيسي اللاجئين المقيمين في المناطق الحدودية كعرسال والبقاع الشمالي، وهي مناطق لطالما استقبلت أعدادًا كبيرة من النازحين منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011.
ويعتقد أن العودة الأخيرة تعكس تبدلاً في المزاج العام بين اللاجئين، لا سيما في ظل الإشارات التي تصل من الداخل السوري حول تحسن نسبي في الأمن ببعض المناطق التي شهدت في السابق مواجهات عنيفة، مثل الساحل السوري الذي عرف تصعيدًا محدودًا مؤخرًا، وكذلك مناطق جبل العرب التي خفت فيها حدة التوترات بين الدولة والمكونات المحلية.
لكنّ الدافع الاقتصادي يبدو أكثر إلحاحًا لكثير من اللاجئين. فمع الانهيار الاقتصادي في لبنان، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور القدرة الشرائية، لم يعد كثير من السوريين قادرين على تأمين الحد الأدنى من مستلزمات العيش. ويأمل البعض أن توفر العودة إلى سوريا، رغم كل الصعوبات، فرصًا أفضل على ضوء ما يُروج له من وعود رسمية داخلية بتسهيلات معيشية وخدماتية، وتخفيف محتمل لبعض العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، والتي كان لها أثر بالغ على الأوضاع المعيشية.
وفي هذا السياق، ناقشت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، هند قبوات، مع نظيرتها اللبنانية، حنين السيد، ملف اللاجئين السوريين، على هامش مؤتمر لجنة "الإسكوا" في بيروت منتصف أبريل، حيث تم التطرق إلى سبل تسريع العودة الطوعية وتحسين ظروفها، وضمان التنسيق بين الجانبين لتأمين عودة كريمة وآمنة.
من جهتها، أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن أكثر من 21 ألف سوري نزحوا إلى لبنان خلال شهر مارس فقط، نتيجة لتصاعد التوترات في مناطق الساحل السوري، ما يُظهر أن موجة النزوح لا تزال مستمرة في بعض المناطق، حتى في الوقت الذي تتجه فيه مجموعات أخرى إلى العودة الطوعية.
وبين الضغوط المعيشية في لبنان، والتحولات الأمنية في الداخل السوري، تبدو حركة اللاجئين بين البلدين مرشحة للاستمرار بوتيرة متباينة، وسط حاجة ماسة إلى مقاربة أكثر شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية والأمنية والسياسية لهذه الأزمة الممتدة.