مبادرة أممية جديدة لكسر الجمود السياسي في ليبيا

المبادرة الأممية تأتي في سياق توتر سياسي متصاعد، بعد مراسيم أصدرها المجلس الرئاسي وأثارت تنديدا من قبل مؤسسات تشريعية على غرار البرلمان.
المقترح الأول هدف لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل متزامن
المقترح الثاني تضمن البدء بانتخابات تشريعية فقط لتشكيل برلمان جديد يمهد للرئاسية
المقترح الثالث تضمن إنشاء مجلس تأسيسي يضيغ قاعدة دستورية وحكومة انتقالية تشرف على الانتخابات

طرابلس - بدأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خطوات تنفيذ المرحلة الأولى من مبادرتها السياسية الجديدة، عبر تقديم ثلاث مقترحات رئيسية إلى الأطراف الليبية المتصارعة، في محاولة جديدة لكسر الجمود السياسي الذي يخيم على البلاد منذ سنوات، ويمهد الطريق نحو انتخابات طال انتظارها.
وفي تحرك لافت، قامت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا، هانا تيتيه، بتسليم نسخ من المقترحات إلى كل من رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، خلال لقاءين منفصلين جريا الأحد في العاصمة طرابلس. ووفق مصادر دبلوماسية، تعتزم تيتيه استكمال جولتها بلقاء رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وقائد "الجيش الوطني الليبي"، المشير خليفة حفتر، في بنغازي خلال اليومين القادمين، لتسليمهما نسخًا مماثلة.
وتأتي هذه المبادرة الأممية في سياق توتر سياسي متصاعد، بعد مراسيم أصدرها المجلس الرئاسي بدعم من حكومة الدبيبة، تضمنت إلغاء قانون المحكمة الدستورية الذي كان البرلمان قد أقره سابقًا. وفي رد فعل مباشر، أعلن مجلس النواب عن عزمه تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، في خطوة أثارت المزيد من الانقسامات.
وتشمل المقترحات الأممية المقدمة ثلاثة سيناريوهات رئيسية، تتعامل مع الإشكاليات التي حالت دون إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية منذ عام 2021.
ودعا المقترح الأول إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل متزامن، لكن من دون ربط نتائج أحدهما بالآخر، وهو ما يُنظر إليه كمحاولة لتجنب الشلل السياسي الناتج عن الطعون المتبادلة في النتائج.
اما المقترح الثاني فتضمن البدء بانتخابات تشريعية فقط، لتشكيل مجلس نواب جديد تكون مهمته الرئيسية التحضير للانتخابات الرئاسية لاحقًا.
أما المقترح الثالث، وهو الأكثر جذرية، فدعا إلى حل كافة المؤسسات السياسية القائمة، وإنشاء مجلس تأسيسي يتولى صياغة قاعدة دستورية جديدة وتشكيل حكومة انتقالية تتولى الإشراف على تنظيم الانتخابات.
ورغم تباين السيناريوهات الثلاثة، فإنها جميعًا تتفق على ضرورة التوصل إلى أرضية دستورية موحدة، كشرط مسبق لأي عملية انتخابية قادمة.
وتطرقت المقترحات إلى الشروط المثيرة للجدل المتعلقة بترشح العسكريين وحاملي الجنسيات المزدوجة. ووفقًا لما تسرب من الوثائق، اشترطت الخطة استقالة العسكريين بشكل نهائي قبل الترشح، في حين ألزمت مزدوجي الجنسية بالتخلي المسبق عن جنسياتهم الأخرى، ما يعكس استمرار النهج التقليدي في معالجة هذه المسألة الشائكة، التي تسببت في تعطل المسار الانتخابي سابقًا.
ورغم شمول المقترحات للجوانب الدستورية والانتخابية، إلا أنها لم تتضمن تصورات واضحة بشأن قضايا أمنية وعسكرية جوهرية، مثل وضع الجماعات المسلحة، أو آلية دمجها، أو توزيع الدوائر الانتخابية، وهي نقاط اعتُبرت حاسمة في تعطيل الانتخابات خلال السنوات الماضية.
كما تجنبت الوثائق الخوض في تفاصيل تشكيل حكومة موحدة، وهو الملف الذي عاد إلى الواجهة بقوة مؤخرًا، في ظل استمرار الانقسام بين حكومتي طرابلس وبنغازي، وسط غياب رؤية جامعة بشأن آلية توحيد السلطة التنفيذية.
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة أنها ستنشر في الأيام المقبلة ملخصًا تنفيذيًا للمقترحات على منصاتها الرسمية، في خطوة تهدف إلى تحفيز النقاش العام وفتح المجال أمام مشاورات سياسية ومجتمعية واسعة، تشمل مختلف الأطراف الليبية.
وبحسب بيان سابق للبعثة، فإن هذه الخطوة تأتي ضمن مبادرة متكاملة انطلقت في ديسمبر الماضي، قادتها لجنة استشارية مكوّنة من 20 شخصية قانونية ليبية بارزة، عقدت أكثر من 20 اجتماعًا في طرابلس وبنغازي، وتفاعلت مع لجنة 6+6 والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه المواقف الرسمية من هذه المقترحات غير معلنة بشكل واضح، تبدو البعثة الأممية مصممة على استكمال جهودها، رغم حجم التحديات وتعقيدات المشهد الداخلي الليبي. فبين انقسامات داخلية حادة، وتضارب في شرعية المؤسسات، يبقى المسار الأممي رهين توافقات سياسية هشة، قد تنجح في إعادة إطلاق العملية الانتخابية، أو تواجه مصير سابقاتها من المبادرات.
ومع استمرار الانسداد السياسي، يترقب الشارع الليبي ما ستؤول إليه هذه الجولة الجديدة من التحركات الأممية، وسط آمال ضعيفة بإنهاء حالة الانقسام، وإعادة بناء دولة موحدة قائمة على شرعية انتخابية ومؤسسات ديمقراطية حقيقية.