معركة صلاحيات بين المنفي والدبيبة تنذر باشعال صراع مسلح

خطر انزلاق ليبيا إلى تصعيد عسكري يظل قائما إذا استمر الجمود السياسي وتفاقمت التوترات وانعدم الحوار بين رئيس الحكومة ورئيس المجلس الرئاسي.

طرابلس – تبدو الخلافات بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة في الوقت الحالي في مرحلة تصعيد سياسي وتبادل للقرارات والإجراءات المضادة.

 ومع ذلك، فإن خطر الانزلاق إلى تصعيد عسكري يظل قائمًا إذا استمر الجمود السياسي وتفاقمت التوترات. ويعتمد تجنب هذا السيناريو على قدرة الأطراف الليبية والإقليمية والدولية على احتواء الخلافات وتشجيع الحوار والتسوية.

ويسود اعتقاد قوي بأنه اذا استمر الوضع الراهن على حاله فإن معركة الصلاحيات بين الطرفين قد تنزلق إلى مواجهات مسلحة نظرا لاعتماد كل منهما على ميليشيات مدججة بالسلاح حتى وان كان بعضها تابع لهيكل نظامي عسكري.

ويعتبر رهان أطراف الحكم في غرب ليبيا على شراء ولاءات الميليشيات المسلحة معضلة أمنية خطيرة وضعت العاصمة وجوارها تحت رحمة تلك الميليشيات وفتحت الباب في أكثر من مناسبة لنزاع مسلح على تأمين النفوذ.

وكان الدبيبة ذاته قد وعد بإخراج تلك الميليشيات إلى خارج العاصمة واقترح سيناريو مشابها لذلك الذي اعتمده العراق حين تم ادماج ميليشيات الحشد الشعبي التي تضم فصائل موالية لإيران شديدة التسليح، في المؤسستين العسكرية والأمنية، لكن مبادرات ووعود رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها لم يتم تنفيذها وبدت مجرد مناورة لاحتواء الغضب الشعبي والانتقادات الغربية.

ويشير قرار المجلس الرئاسي الليبي بتجميد قرارات الدبيبة إلى وقف تنفيذ مجموعة من القرارات التي أصدرها الأخير وخاصة تلك المتعلقة بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وتعيين شخصيات في مناصب عسكرية وأمنية.

ويعكس هذا القرار التوترات السياسية القائمة بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، حيث يسعى المجلس الرئاسي إلى تأكيد سلطته وصلاحياته في الشؤون الأمنية والعسكرية.

ويهدف القرار إلى الحفاظ على الاستقرار الأمني في ليبيا، خاصة بعد الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها طرابلس، وذلك من خلال منع أي تغييرات مفاجئة في المؤسسات الأمنية قد تؤدي إلى مزيد من التوتر.

ويعتبر هذا القرار أيضا محاولة من المجلس الرئاسي للحد من صلاحيات الدبيبة في المجالين العسكري والأمني وتأكيد أن هذه الصلاحيات تقع ضمن اختصاصات المجلس.

ورافق هذا القرار تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في أحداث العنف الأخيرة وهذا يعكس رغبة المجلس الرئاسي في معرفة ملابسات الأحداث وتحديد المسؤولين عنها.

وبعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها طرابلس وخاصة الاشتباكات التي اندلعت عقب مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي الشهير بـ"غنيوة"، اتخذ رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة عدة قرارات وإجراءات، من أبرزها:

إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري وتعيين العميد مصطفى الوحيشي خلفا له. كما أصدر قرارا بحل جهاز الردع وهو ما أثار اعتراض الجهاز واعتبره تجاوزا لصلاحيات المجلس الرئاسي.

وأكدت حكومة الوحدة اتخاذها إجراءات لبسط الأمن والاستقرار في العاصمة، مشيرة إلى أن المؤسسات النظامية قادرة على حماية الوطن. وأشاد الدبيبة بجهود وزارتي الداخلية والدفاع وكافة الأجهزة الأمنية في تعاملها مع الأحداث.

وتطور الخلافات بين رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى تصعيد عسكري يظل سيناريو محتملا ولكنه ليس حتميا في الوقت الحالي. وهناك عدة عوامل تدفع نحو هذا الاحتمال وأخرى تقلل منه.

ومن ضمن هذه العوامل أن استمرار حالة الجمود السياسي وعدم التوصل إلى حلول توافقية لتقاسم السلطة وتحديد صلاحيات المؤسسات المختلفة، يزيد من حدة التوتر بين الطرفين. فتجميد قرارات الدبيبة من قبل المنفي يعكس صراعا على النفوذ والسلطة.

ويعتمد كلا الطرفين بشكل أو بآخر على ولاءات فصائل مسلحة في طرابلس ومناطق أخرى. وهذه الميليشيات قد تنجر إلى صراع مسلح إذا ما تفاقمت الخلافات بين قياداتها السياسية.

وتاريخيا، لعبت التدخلات الخارجية دورا في تأجيج الصراعات في ليبيا. وأي دعم خارجي لطرف على حساب آخر يمكن أن يشجع على التصعيد العسكري. ولا توجد حتى الآن آليات مؤسسية وقانونية واضحة ومُتفَق عليها لحل الخلافات الكبيرة بين المؤسسات السياسية في ليبيا. وهذا الفراغ قد يدفع الأطراف إلى اللجوء إلى القوة كحل أخير.

والاشتباكات الأخيرة في طرابلس ومقتل شخصيات أمنية بارزة تزيد من حالة الاحتقان وعدم الثقة بين الأطراف، مما يجعل أي خطوة تصعيدية من أحد الطرفين قابلة للاشتعال.

وثمة عوامل تقلل من احتمالية التصعيد العسكري من بينها الضغوط الدولية، فالمجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والقوى الكبرى، يسعى بشكل عام إلى الحفاظ على الاستقرار ومنع عودة الصراع المسلح في ليبيا. وأي تصعيد كبير قد يواجه إدانة وضغوطًا دولية كبيرة.

كما يعاني الاقتصاد الليبي من تبعات سنوات الصراع وعدم الاستقرار وأي مواجهة عسكرية واسعة النطاق ستزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية وتضر بمصالح جميع الأطراف.

وعلى الرغم من التوترات الحالية، لا يزال هناك دائما إمكانية للحوار والتفاوض بين الأطراف الليبية للوصول إلى تسويات تحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار.

وقد لا تكون جميع الفصائل المسلحة متحمسة للانجرار إلى صراع جديد، خاصة إذا كانت ترى أنه لا يخدم مصالحها على المدى الطويل.

وعلى الرغم من العقبات، لا يزال هناك حديث عن إمكانية إجراء انتخابات في المستقبل. وقد تفضل بعض الأطراف التركيز على هذه العملية بدلا من التصعيد العسكري.