انخفاض أسعار النفط يدفع أرامكو لإعادة هيكلة أصولها لتوفير سيولة
الرياض - في ظل استمرار الضغوط على أسواق الطاقة وتراجع أسعار النفط الخام إلى مستويات لم تشهدها منذ سنوات، تبحث شركة أرامكو السعودية، عملاق النفط العالمي، سبلًا جديدة لتعزيز السيولة النقدية، وسط توجه استراتيجي أوسع لإعادة هيكلة الأصول وتحقيق الكفاءة المالية. ووفقًا لما أفاد به مصدران مطلعان، فإن أرامكو تدرس حاليًا بيع بعض أصولها في إطار مساعيها للتوسع دوليًا ومواجهة التأثيرات السلبية لانخفاض أسعار الخام.
وتُعد أرامكو المصدر الرئيسي لإيرادات المملكة العربية السعودية، وتلعب دورًا محوريًا في تمويل الميزانية العامة للدولة. ومع استمرار أسعار النفط دون المستويات التي تضمن التوازن المالي للمملكة، اضطرت الشركة إلى خفض توزيعات أرباحها بنحو الثلث هذا العام، ما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها في ظل بيئة اقتصادية متقلبة وأسعار نفط تتراوح مؤخرًا حول 60 دولارًا للبرميل، بينما يُقدّر صندوق النقد الدولي أن السعودية تحتاج إلى سعر يفوق 90 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها.
وأفاد المصدران بأن أرامكو طلبت من بنوك استثمارية تقديم مقترحات لجمع الأموال عبر بيع أصول، رغم تحفظهما على تحديد أنواع الأصول أو الجهات المصرفية المعنية. وأكد مصدران آخران أن الشركة تسعى في الوقت ذاته إلى تحسين الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف، ضمن استراتيجية أوسع للتأقلم مع التحديات الراهنة.
وتشير هذه الخطوات إلى توجه أرامكو المتزايد نحو تسييل بعض استثماراتها، في ظل رؤية اقتصادية أوسع تتبناها الحكومة السعودية، وهي "رؤية 2030"، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، عبر تنمية قطاعات أخرى مثل الصناعة والسياحة والتقنية والخدمات المالية. وتأتي دراسة بيع الأصول في هذا السياق كجزء من جهود أوسع لتنويع الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات الأجنبية.
رغم ذلك، تحرص أرامكو على الاحتفاظ بحصص أغلبية في الصفقات المتعلقة ببيع الأصول، كما حدث في صفقات سابقة شملت بنية تحتية لخطوط الأنابيب، حيث تم بيع الأصول مع الحفاظ على السيطرة التشغيلية والإدارية. وتمتلك الشركة محفظة استثمارية واسعة تشمل قطاعات تمتد من الطاقة إلى الطيران والبناء وحتى الرياضة، ما يمنحها مجالًا واسعًا لإعادة ترتيب أولوياتها وتوجيه استثماراتها نحو الأسواق الأكثر ربحية واستقرارًا.
وعلى الصعيد الدولي، كانت أرامكو قد كثّفت خلال السنوات الأخيرة من نشاطها الاستثماري العالمي، إذ شملت استثماراتها الدخول في مصافي تكرير في الصين، والاستحواذ على شركات تجارة وقود بالتجزئة في تشيلي، بالإضافة إلى الاستثمار في شركة أمريكية متخصصة في الغاز الطبيعي المسال. وتعكس هذه الخطوات رغبة واضحة في تقليل اعتماد الشركة على أسواق النفط الخام التقليدية وتعزيز مصادر الدخل المستدامة.
في السياق ذاته، أعلنت أرامكو مؤخرًا عن توقيع 34 اتفاقًا تمهيديًا بقيمة قد تصل إلى 90 مليار دولار مع شركات أميركية، عقب زيارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب إلى المملكة، ما يعكس عزم الشركة على المضي قدمًا في مساعيها لتوسيع شراكاتها الدولية.
ومع تفاقم العجز في الميزانية العامة للمملكة، تبدو إعادة تقييم أصول أرامكو وتحركاتها المالية جزءًا من استراتيجية أوسع للحكومة السعودية لاحتواء الضغوط الاقتصادية المتصاعدة، وضمان استدامة التمويل اللازم لمشاريع رؤية 2030 الطموحة، والتي تتضمن تطوير المدن الذكية مثل "نيوم" ومناطق اقتصادية خاصة.
ورغم التحديات، يظل مستقبل أرامكو مرتبطًا بتحولات سوق الطاقة العالمي، ومدى قدرة المملكة على تحقيق التوازن بين الحفاظ على ريادتها النفطية وبين بناء اقتصاد متنوع ومستدام.