'طوكوتم' مسرحية تعكس الواقع التونسي

المخرجة نورس العباسي تضيء في عملها المسرحي على مواطن تكرار العبث في مواجهة أوجاع الوطن.

تونس - احتضن فضاء دار المسرحي بباردو، الاثنين، العرض ما قبل الأول لمسرحية "طوكوتم" وهي من إخراج نورس العباسي وإنتاج جمعية محمد الحيدري للمسرح بباجة.

وتفصح المسرحية منذ العنوان عن مشروعها الفني المكثف بالرموز، حيث يحيل "طوكوتم" على إيقاع شعبي متواتر في الذاكرة التونسية، فيقال للتعبير عن التقدم البطيء والمرهق بما يحمله من دلالات نفسية واجتماعية. وهذا الإيقاع الذي يتردد في اللسان التونسي الشعبي يشكل في العرض بنيانا صوتيا ومعنويا يتقاطع مع تفاصيل الركح وتعبيرات الممثلتين ليحول الرتابة إلى سؤال مسرحي.

وتتميز المسرحية فنيا بركح شبه مظلم وحاوية نفايات وإضاءة خافتة وفوضى من الفضلات المبعثرة. هذه العناصر البصرية تشكل خلفية رمزية فلسفية تحيل على واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي ملوث عرفته تونس بعد ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.

وفي المسرحية يدفن الجمال تحت ركام القبح ويبحث الإنسان عن معنى وجوده في فضاء خال من الأبواب والمخارج، في تجسيد مأساوي لواقع تونسي يتخبط في العزلة والانتظار واليأس وهو ما يتقاطع فنيا مع فلسفة العبث كما استقاها العمل من نص "لا مفر" للفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر.

وشاركت في هذا العمل الثنائي سمر جوادي وآية جلالي، ضمن رؤية سينوغرافية صاغها أحمد العيساوي ومواكبة تقنية من مجدي الرحماني على مستوى الإضاءة والصوت وتحت إشراف فني لصفوان كشباطي وتوضيب عام للهادي جبري.

ووظفت المخرجة نورس العباسي التكرار بذكاء في تماه وانسجام مع دلالات العنوان "طوكوتم، فجاء التكرار في النص وفي الحركات الجسدية للمثلتين، وهو أسلوب يحاكي تيه الإنسان في عالم عبثي لا نهاية فيه ولا بداية. وهذا التكرار لم يكن عبثيا في حد ذاته وإنما هو بنية إيقاعية تصاعدية كسرت الرتابة عن العرض ورتبت الفوضى، فكانت كل إعادة بمثابة ارتقاء في توتر العرض وتعميق للمعاني. وقد بدا تكرار المشاهد والحركات والعبارات تأكيدا على قضايا واقعية واشتغال على اللامخرج وعلى دائرة الانتظار العبثي حيث يتكرر "العقاب" من دون أن يأتي تماما كما في النص الأصلي لسارتر ولكن بإسقاط تونسي خالص.

وقدمت سمر جوادي وآية جلالي لمدة ساعة من الزمن أداء تمثيليا متقنا وتوظيفا دقيقا للجسد والصوت في التقاط التفاصيل الصغيرة للألم التونسي الجماعي. وقد تقاطعت حركاتهما المتشنجة والمرتبكة في خضم النفايات مع حوارات مقتضبة أو صارخة لتحول العبث إلى مرآة للواقع وتذكر المتفرج بأننا نعيش في بلد يتكرر فيه المشهد ذاته... بلا مفر.

ولم تغفل المسرحية عن استحضار القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية بأسلوب فني راق وغير مباشر، من البطالة إلى التهميش ومن الفقر إلى العزلة ومن العنف الرمزي إلى التردي البيئي، وكلها قضايا حشرت في الركح كما تحشر في حاويات القمامة لتذكر بأن الحل لا يأتي من فوق وغنما من إعادة تأمل القاع، وفق ما نشر بوكالة تونس أفريقيا للأنباء.