السينما المستقلة في مصر تلوذ بـ'زاوية' في مواجهة تيار تجاري جارف

بين مهرجاناتها المتنوعة ودعمها للمخرجين الشباب، القاعة الاستثنائية تنجح في الحفاظ على حضورها الثقافي رغم التضييقات، معتمدة على جمهورها المخلص والدعم المحدود من شركة "أفلام مصر العالمية".

القاهرة - فيما أغلقت الكثير من دور السينما في مصر أبوابها وتفضل الصالات القليلة المتبقية عرض الأفلام التجارية التي تميل للإثارة أو الكوميديا، تقدّم سينما "زاوية" في وسط القاهرة بديلا للمشاهدين وصناع الأفلام المستقلة.

وبين مهرجانات "زاوية للأفلام القصيرة" و"أيام القاهرة السينمائية" و"بانوراما الفيلم الأوروبي"، أصبحت سينما "زاوية" أشبه بـ"المنزل"، كما تقول الممثلة الشابة لجين البالغة 24 عاما.

تقف لجين في طابور طويل لشراء تذكرة لمشاهدة "اسمي دهب"، وهو فيلم قصير تم تصويره في كينيا ويُعرض في إطار مهرجان زاوية للأفلام القصيرة، ويحكي عن الفتاة "دهب" التي تسعى لتحقيق آخر أمنيات أخيها الصغير الذي قتله الجوع.

ومع تنوع الأفلام التي تُعرض في "زاوية"، بين أفلام قصيرة وطويلة، محلية وعالمية، مستقلة أو مقبولة تجاريا، أو أفلام كلاسيكية عُرضت على الشاشة الفضية قبل سنوات، يظل سعر التذكرة ثابتا عند 100 جنيه مصري (دولاران).

منذ 2014، تقدّم "زاوية" نفسها تحت شعار "سينما للأفلام اللي مابتنزلش سينما"، في إشارة إلى دعمها للمخرجين الشباب الذين لا يجدون منفذا إلى صناعة السينما المصرية التقليدية التي تحكمها الاعتبارات التجارية.

ويقول صانع الأفلام ماجد نادر لوكالة فرانس برس "كثيرا ما يقولون إننا محظوظون بصناعة السينما الضخمة في مصر وبوجود بنيتها التحتية، ولكن الحقيقة أن هذه الصناعة لا تقوم إلا على أساس تجاري" بما يترك مساحة صغيرة جدا للسينمائيين المستقلين.

فتحت "زاوية" أبوابها للمرة الأولى في سنوات ما بعد ثورة 2011 التي أسقطت الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وشكلت داعما لانطلاق موجة من الفن والثقافة المستقلة في مجالات عدة.

وبحسب مؤسس "زاوية" يوسف الشاذلي، "كانت هناك طاقة ما، وكان الناس يرغبون في أن ينتجوا ويبدعوا، ليس فقط في مجال السينما، بل في كل الفنون".

ولكن على مدار السنوات العشر الماضية، شهد المشهد الثقافي المصري تضييقا وتراجعا، ما أجبر الكثير من المساحات المستقلة على الإغلاق. وربما لم ينقذ "زاوية" سوى إقبال محبي السينما على شراء تذاكرها بالإضافة إلى استقرار مالي ما تمنحه لها الشركة الأم وهي "أفلام مصر العالمية" التي أسسها المخرج المصري يوسف شاهين عام 1972.

 الاعتراف الوحيد

في عام 2016، أطلقت "زاوية" النسخة الأولى من مهرجان الأفلام القصيرة الذي سرعان ما أصبح مساحة نادرة لصانعي الأفلام الشباب الذين قد لا يجدون منصات أخرى لعرض أعمالهم الأولى.

مايكل يوسف (24 عاما) لم يعتبر نفسه مخرجا "إلا بعد أن عرضت +زاوية+ فيلمي القصير". وبعد أن كان يوسف قد تخلى عن حلم صناعة الأفلام واتجه للعمل بالإعلانات، أعادت له "زاوية" حلمه القديم.

ويرى مدير السينما محمد سعيد أن وجود "زاوية" شجع محبي السينما وهواة صناعة الأفلام على المزيد من الإنتاج "لأنه أصبح هناك سينما تعرض أفلامهم".

ويقول سعيد إن الهدف من إنشاء "زاوية" كان دعم السينما المستقلة في مواجهة السينما التجارية الأكثر انتشارا.

ولا يقتصر دعم "زاوية" للمخرجين الشباب على كونها منصة لعرض الأفلام، فحين كان صانع الأفلام المستقل مصطفى جيربي بحاجة إلى موقع تصوير لفيلمه الأول، فتحت له "زاوية" أبوابها.

ويقول جيربي إن "زاوية منحتنا صالة العرض بلا مقابل"، في حين يكلف تأجير الصالة ليوم كامل 100 ألف جنيه مصري (2000 دولار).

تحتوي سينما "زاوية" على صالتين للعرض بهما أكثر من 500 مقعد، وتقع في شارع عماد الدين الذي كان قبل أكثر من قرن وجهة فنية رئيسية في قلب القاهرة، حيث المسارح وصالات الترفيه والملاهي التي قدمت أهم فناني مصر والمنطقة العربية.

وقبل أن تتحول إلى "زاوية"، كانت صالة العرض المملوكة كذلك لشركة "مصر العالمية" تعرض الأفلام التجارية التقليدية لسنوات طويلة تحت اسم "سينما كريم".

ويصف شهاب الخشاب، الكاتب ومدرّس الأنثروبولوجيا البصرية في جامعة أكسفورد ببريطانيا، تلك المنطقة بوسط القاهرة بأنها "مميزة ولها خصوصيتها وتبدو عليها ملامح الحياة الفنية والثقافية".

ورغم نجاحها في مواجهة القيود التي تفرضها صناعة السينما التجارية وسيطرة الدولة على الإنتاج الفني في مصر، تظل "زاوية" ملتزمة بقوانين الرقابة الفنية المصرية التي تفرض قواعد صارمة على أي عمل فني يُعرض للجمهور.

ويقول الشاذلي إنه تعلم مع الوقت أن يتوقع ما قد تسمح به الرقابة وما سيطاله مقص الرقيب، "حتى أننا نتفاوض على كل مشهد" للسماح بعرضه.

ويرى الشاذلي أن هناك "الكثير من المواهب في كل مكان حول +زاوية+"، ولكنه يتساءل "هل هناك فرص على قدر المواهب الموجودة؟ هذه هي الإشكالية التي ينبغي علينا مواجهتها".