هجمات إسرائيل تذهب أبعد من مجرد تحجيم قدرات إيران النووية
القدس - لا تبدو الهجمات الإسرائيلية على إيران مجرد عمليات تكتيكية، بل هي على الأرجح جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي في الشرق الأوسط بما يخدم مصالح الدولة العبرية على المدى الطويل، سواء بتعزيز مكانتها أو بتقويض نفوذ خصومها.
وبشكل عام، يمكن القول إن إسرائيل تسعى دائما إلى تعزيز أمنها ومكانتها في المنطقة، والهجمات على إيران، وإن كان لها أهداف مباشرة تتعلق ببرنامج طهران النووي أو قدراتها العسكرية، إلا أنها تندرج ضمن رؤية إسرائيلية أوسع لتشكيل "شرق أوسط جديد" أو على الأقل التأثير بشكل كبير على دينامياته.
وتعتبر إسرائيل إيران أكبر تهديد لأمنها، سواء بسبب برنامجها النووي، أو دعمها لوكلاء إقليميين مثل حزب الله وحماس والفصائل العراقية واليمنية، أو سعيها لمد نفوذها في المنطقة. والهجمات المباغتة والمستمرة تهدف بشكل مباشر إلى تقويض هذه القدرات والنفوذ.
كما تسعى إسرائيل إلى إضعاف "محور المقاومة" الذي تقوده إيران والذي يهدد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة وقد اختبرت قبل الهجمات الأخيرة على ايران قدرة وكلائها وخاصة حزب الله ونجحت في تحجيم دوره ونفوذه وقامت أيضا باختبار قدرات طهران حين هاجمت في خضم الحرب على الجماعة الشيعية اللبنانية قدرة الجمهورية الإسلامية على الرد.
لكن هذه المرة كانت الهجمات أعنف وأكثر دقة في خطوة تبدو محسوبة بناء على تخطيط استمر لفترة طويلة تماما كما خططت لسنوات لتفجيرات وسائل تواصل حزب الله (البيجر) وهي التفجيرات التي شكلت انعطافة في مسار الحرب قبل أشهر.
ويبدو أن إسرائيل نجحت خلال السنوات القليلة الماضية في اختراق أكبر للأجهزة والدولة الإيرانية وهو ما مكنها من تصفية قادة في الصف الأول للحرس الثوري والجيش الإيرانيين، إذ تشير التقديرات الأولية إلى مقتل 14 من كبار الجنرالات بينهم قائد الحرس الثوري ونائب رئيس هيئة الأركان وكذلك علي شمخاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي وهي رسالة واضحة ومعلومة الوصول لقادة النظام الإيراني مفادها أن لا خطوط حمراء في تصفية رموز وقادة النظام وأن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي هدف حتى لو كان خامنئي ذاته.
تثبيت مكانة إسرائيل كقوة إقليمية
ومن خلال هذه الهجمات، ترسل إسرائيل رسالة واضحة إلى خصومها مفادها أنها مستعدة وقادرة على العمل بقوة لحماية مصالحها، حتى داخل العمق الإيراني. وهذا يعزز قدرتها على الردع.
وتسعى في الوقت ذاته إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة من خلال عدم الاعتراف بـ "الخطوط الحمراء" أو "المناطق الآمنة" لأي طرف. وهذا يهدف إلى خلق واقع جديد حيث يمكن لإسرائيل أن تضرب أهدافًا استراتيجية في أي مكان تراه ضروريًا.
وهناك تقارير تشير إلى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يرون في هذه الهجمات وسيلة للضغط على النظام الإيراني وربما تعزيز فرص سقوطه أو على الأقل إضعافه بشكل كبير من الداخل. وهذا يندرج في إطار أهداف "الشرق الأوسط الجديد" التي قد تتضمن تغييرات ديموغرافية وجيوسياسية في المنطقة.
ويبقى الهدف الأبرز والأكثر تكرارا للهجمات الإسرائيلية هو منع إيران من امتلاك سلاح نووي. وتعتبر إسرائيل هذا تهديدًا وجوديًا وتؤكد أنها لن تسمح بذلك بأي ثمن.
ومصطلح "الشرق الأوسط الجديد" استخدم في سياقات مختلفة وغالبًا ما يشير إلى رؤية أميركية-إسرائيلية لإعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالحهما. وتتضمن هذه الرؤية إضعاف الدول المركزية: من خلال تفكيك القدرات العسكرية لدول مثل العراق وسوريا وإيران. وإعادة تشكيل الهويات بالعمل على تشكيل مناطق فريدة محددة بهويات دينية وعرقية (مثل خطة ينون) وتعزيز الهيمنة الإسرائيلية بمحاولة تثبيت الدولة العبرية كقوة إقليمية عظمى عبر التطبيع والتحالفات الاستراتيجية.
والهجمات الإسرائيلية على إيران، خاصة إذا كانت واسعة النطاق وتستهدف قيادات ومنشآت حساسة، يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في موازين القوى الإقليمية، مما يمهد الطريق لسيناريوهات "شرق أوسط جديد". ومع ذلك، فإن هذه العملية معقدة وتتأثر بالعديد من العوامل الداخلية في الدول الإقليمية، وردود فعل القوى الكبرى، ومدى قدرة إسرائيل على إدارة التداعيات.
وقال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ الأحد، إن الهجوم الإسرائيلي على إيران يهدف إلى الدفاع عن السلام العالمي وليس عن إسرائيل فقط، وذلك خلال زيارة له إلى مدينة بات يام جنوب تل أبيب، حيث لقي عدد من الأشخاص حتفهم في هجوم صاروخي إيراني خلال ليلة السبت، مضيفا "هدفنا هو تغيير الواقع في الشرق الأوسط، فلا يمكن لإمبراطورية الشر مواصلة الهجوم تلو الآخر وأن ترسل وكلاءها وإرهابها وصواريخها، وبالطبع، أن تطور قدرات نووية وهي أخطر قدرات تهدد البشرية."
وتابع أن إسرائيل تدافع عن نفسها، لكنها تدافع أيضا عن الشرق الأوسط، وعن الإنسانية ذاتها، وعن السلام العالمي، موجها نداء إلى قادة مجموعة السبع المقرر أن يجتمعوا في كندا غدا الاثنين، دعيا فيه إلى التعاون مع تل أبيب "لإزالة الأسلحة النووية" الإيرانية، حتى يتمكن الشرق الأوسط من الانتقال إلى السلام والحوار والتعايش والتقارب.
وكان التوتر الإقليمي قد تصاعد بشكل حاد منذ أن شنت إسرائيل يوم الجمعة هجوما عسكريا واسع النطاق استهدف منشآت نووية إيرانية وقادة عسكريين وبنى تحتية في قطاع الطاقة. وردت إيران بإطلاق موجات من الطائرات المسيرة والصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي.