اختراق طبي على حافة إنهاء معاناة الصلع الوراثي
مدريد – في تطور طبي لافت قد يغيّر مستقبل علاج الصلع، أعلن باحثون في مستشفى "سان كارلوس السريري" بالعاصمة الإسبانية عن نجاح تجربة علمية واعدة لعلاج الثعلبة الأندروجينية، أو ما يُعرف بالصلع الوراثي، باستخدام مزيج من الخلايا الجذعية المشتقة من الأنسجة الدهنية وجزيء الطاقة الحيوية أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP).
وتُعد هذه الحالة من أكثر أنواع تساقط الشعر شيوعًا في العالم، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو 80 مليون أميركي يعانون من شكلٍ من أشكال الثعلبة، منهم 50 مليون رجل و30 مليون امرأة. وبينما يتميز الصلع الذكوري عادةً بتراجع خط الشعر وظهور بقع صلعاء، فإن النساء غالبًا ما يواجهن ترققًا ملحوظًا عند خط الفَرق من دون فقدان كامل للشعر.
والدراسة، التي نُشرت في مجلة Stem Cell Research and Therapy، استخدمت نموذجًا تجريبيًا على الفئران يعاني من تساقط الشعر. وقد جاءت النتائج مفاجئة:
- 100 بالمئة من الذكور شهدوا إعادة نمو للشعر، نصفهم استعادوا الشعر بالكامل، والنصف الآخر بدرجة عالية من الكثافة.
- أما الإناث، فقد سجلت نسبة 90 بالمئة استعادة مكثفة أو كاملة للشعر.
يقول الدكتور إدواردو لوبيز بران، رئيس قسم الأمراض الجلدية بالمستشفى، إن هذا العلاج المزدوج يعمل عبر "تنشيط آليات التجدد الذاتي للشعر من خلال توظيف القدرة الإصلاحية للخلايا الجذعية، مدعومة بالطاقة التي يوفرها ATP، مما يسمح بإعادة تنشيط بصيلات الشعر وتعزيز نموه".
إعادة تنشيط بصيلات الشعر وتعزيز نموه
ويضيف: "النتائج الأولية تمنحنا الأمل في تقديم علاجات جديدة تلبي تطلعات المرضى، وتجعل من استعادة الشعر أمرًا ممكنًا بطرق أكثر أمانًا وفعالية مقارنة بالخيارات المتوفرة حاليًا".
تحوّل في الأفق
يمثّل هذا الاكتشاف بارقة أمل في مجال طبي ظلت فيه العلاجات تقليدية ومحدودة الفاعلية لعقود. فالأدوية المعروفة مثل "مينوكسيديل" و"فيناسترايد" تعطي نتائج متوسطة ومؤقتة، فضلًا عن آثار جانبية مزعجة. كما أن جراحة زراعة الشعر، رغم تطورها وانتشارها، تتطلب في الغالب عدة جلسات وتدخلات، ناهيك عن تكلفتها المرتفعة وخطر فشلها في بعض الحالات.
وبحسب الدكتور صموئيل لام، جرّاح تجميل الوجه وخبير زراعة الشعر في ولاية تكساس الأميركية، هناك "اتجاه مقلق" يتمثل في إجراء عمليات زرع الشعر من قبل أطباء غير مختصين لا يجرون فحوصًا معمقة لحالة المريض، خصوصًا في تركيا، التي أصبحت مركزًا عالميًا لهذا النوع من العمليات بسبب تكلفتها المنخفضة، ولكن هذا الاتجاه يمتد أيضًا إلى الولايات المتحدة بشكل ملحوظ.
تحديات قادمة
ورغم الإيجابية الكبيرة في نتائج التجربة على الفئران، فإن التحدي الأكبر يظل في الانتقال إلى التجارب البشرية، التي تتطلب سنوات من البحث والتجريب لضمان الأمان والفعالية. ويؤكد لوبيز بران أن الخطوة المقبلة هي إعداد بروتوكولات للتجارب السريرية على البشر، مع مراعاة التنوع الجيني والهرموني بين الأفراد.
كما يُشير خبراء إلى ضرورة مراقبة الآثار الجانبية المحتملة على المدى البعيد، خصوصًا أن تحفيز نمو الشعر يتطلب تدخلًا على مستوى الخلايا والبصيلات، مما قد ينطوي على تفاعلات معقدة غير متوقعة.
الذكاء الاصطناعي في خدمة الطب التجميلي؟
يجدر بالذكر أن هذا التقدم العلمي يأتي في ظل توجه عالمي متزايد نحو دمج الذكاء الاصطناعي في أبحاث الطب الحيوي، ما يتيح تحليل النتائج وتطوير النماذج بسرعة وكفاءة أكبر. ويتوقع مراقبون أن يؤدي ذلك إلى تسريع الوصول لعلاج دائم وفعّال للصلع، لا سيما إذا تم توظيف البيانات المستخلصة من التجارب الحيوانية بشكل ذكي في نماذج المحاكاة البشرية.
ويُعد هذا الاكتشاف واحدًا من أكثر التطورات إثارة في مجال علاج تساقط الشعر خلال السنوات الأخيرة. وإذا نجحت التجارب السريرية القادمة، فإن العالم قد يكون على أعتاب عصر جديد تُصبح فيه معاناة الصلع الوراثي جزءًا من الماضي، ويُمكن لملايين الأشخاص استعادة مظهرهم الطبيعي وثقتهم بأنفسهم، دون الحاجة إلى جراحات مكلفة أو أدوية ذات آثار جانبية مقلقة.