انهيار قياسي للريال يفاقم متاعب الحكومة اليمنية
صنعاء - يعيش اليمن على وقع أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، تتفاقم يومًا بعد يوم نتيجة تداخل عوامل داخلية وإقليمية، في ظل استمرار الحرب التي أنهكت البنية الاقتصادية للدولة، ووسط تصاعد التوترات الإقليمية التي تلقي بظلالها على أحد أكثر بلدان المنطقة هشاشةً.
وسجّل الريال اليمني، السبت، انهيارًا جديدًا هو الأسوأ في تاريخ البلاد، إذ بلغ سعر الدولار الواحد 2730 ريالًا في تداولات السوق بمدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة، وفق مصادر مصرفية. كما تجاوز سعر الريال السعودي 725 ريالًا، في مستوى غير مسبوق يعكس عمق الأزمة النقدية التي تعصف بالبلاد.
المستوى الجديد في تدهور العملة المحلية يأتي بعد أسابيع فقط من بلوغ الدولار حاجز 2600 ريال يمني مطلع مايو/أيار، ويمثل بذلك تراجعًا بأكثر من 100 في المائة مقارنة بسعر صرفه في أبريل/نيسان 2025، حين كان الدولار يعادل نحو 1100 ريال عند تشكيل مجلس القيادة الرئاسي. والأخطر من ذلك، أن قيمة الريال الآن فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها مقارنة بسعر الصرف نهاية 2014، حين كان الدولار يعادل 215 ريالًا فقط.
ويأتي هذا الانهيار وسط تحذيرات أممية من تداعيات اجتماعية واقتصادية كارثية، خصوصًا أن أكثر من 80 في المائة من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، ويعتمد الملايين منهم على المساعدات الإنسانية الدولية لتأمين قوتهم اليومي.
الانهيار الاقتصادي يتزامن مع استمرار توقف تصدير النفط، الذي يعد المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022. وقد جاء هذا التوقف بعد سلسلة هجمات شنّها الحوثيون على موانئ تصدير النفط في محافظات حضرموت وشبوة، في ظل رفضهم السماح بتصدير النفط دون اتفاق على تقاسم الإيرادات بين الحكومة والحوثيين، وصرف رواتب الموظفين في جميع أنحاء البلاد.
هذا الانسداد السياسي ترك الحكومة دون موارد حقيقية لتغطية النفقات، وأجبرها على اللجوء إلى طباعة مزيد من العملة المحلية دون غطاء نقدي، ما أدى إلى تسارع التضخم وتراجع قيمة الريال.
وفي السياق الأوسع، يربط مراقبون بين التدهور المالي في اليمن وتصاعد التوترات الإقليمية، لاسيما بعد اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل، واحتمالات توسع الصراع ليشمل جبهات متعددة في المنطقة. وبالنظر إلى ارتباط الحوثيين الوثيق بإيران، فإن أي تصعيد إقليمي يُخشى أن ينعكس مباشرة على الأوضاع في اليمن، سواء عبر عودة الهجمات العسكرية، أو باستخدام الساحة اليمنية كورقة ضغط في المعركة الجيوسياسية الأوسع.
ويحذر خبراء من أن استخدام اليمن كورقة في صراع إقليمي قد يعيد البلاد إلى أجواء المواجهة المسلحة، مما يهدد بنسف التهدئة الهشة التي استمرت منذ أبريل/نيسان 2022، ويقوّض الجهود الأممية لإطلاق عملية سياسية شاملة تنهي سنوات الحرب والانقسام.
وفي ظل غياب أفق اقتصادي واضح، وتدهور مستمر للعملة، وعجز حكومي متزايد عن دفع الرواتب وتوفير الخدمات الأساسية، تزداد المعاناة اليومية لليمنيين. أسعار الغذاء والدواء ترتفع باطراد، فيما تتقلص قدرة السكان على الشراء، ويزداد الاعتماد على الحوالات الخارجية من اليمنيين في الشتات، والتي باتت تمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا.
لكن حتى هذا الشريان بات مهددًا، في ظل القيود المصرفية، وتهريب العملات، وصعوبة ضبط السوق السوداء التي باتت تتحكم في الاقتصاد اليمني إلى حد كبير.
ويرى اقتصاديون أن وقف الانهيار الاقتصادي في اليمن يتطلب أولًا التوصل إلى اتفاق سياسي يضمن استئناف تصدير النفط، وتوحيد البنك المركزي، ووضع حد لازدواجية السلطات المالية بين صنعاء وعدن. كما يحتاج البلد إلى دعم إقليمي ودولي عاجل، خاصة في ظل التأثيرات السلبية التي قد تفرضها الحرب الإيرانية الإسرائيلية على دول الجوار، بما فيها اليمن.
ومع استمرار الغموض الإقليمي، يبدو اليمن في مهب أزمات متراكمة، حيث تتقاطع الجغرافيا السياسية مع الاقتصاد، في مشهد ينذر بمزيد من الانهيار ما لم تتدخل أطراف إقليمية ودولية لاحتواء الوضع، وتجنيب هذا البلد المنكوب مزيدًا من الانزلاق نحو هاوية لا قاع لها.