أزمة الاتحادية العراقية العليا ترتد توترا بين الرئاسة و'ائتلاف الدولة'

الرئيس العراقي يعترض على تدخل ائتلاف إدارة الدولة في الشأن القضائي بالدعوة إلى اجتماع لمناقشة التنازع بين قرارات المحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية.

بغداد - اعترض الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد، على دعوة ائتلاف إدارة الدولة إلى عقد اجتماع تداولي لمناقشة التنازع بين قرارات المحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، معتبرا أن هذا "التوجه يتعارض ومبدأ استقلال السلطة القضائية"، في ظل أزمة  سياسية حادة بسبب استقالة عدد من أعضاء المحكمة الاتحادية.

واعتبر في وثيقة صادرة عنه في 19 من يونيو/حزيران الجاري، أن دعوة ائتلاف إدارة الدولة "تفتح المجال واسعاً للتدخل في الشأن القضائي"، مقترحا توجيه دعوة لانعقاد مجلس القضاء الأعلى لمناقشة مسألة التنازع بالقرارات بين المحكمتين.

ويأتي موقف رشيد في ظل حدوث "أزمة" استقالات جماعية داخل المحكمة الاتحادية العليا  بسبب قضية "خور عبد الله". والخميس الماضي تقدم ستة من أعضاء المحكمة الاتحادية باستقالاتهم من عضوية المحكمة، بسبب "الضغوطات الحكومية" التي تُمارس على المحكمة بشأن قضية خور عبد الله.

وأفاد عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب النائب رائد المالكي، إن تسعة من أعضاء المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بينهم ستة أعضاء أصلاء وثلاثة احتياط، قدموا استقالاتهم بسبب ما وصفه بـ"الضغوط" التي تُمارَس على المحكمة بشأن قضية خور عبد الله.

وقال المالكي في تصريح صحفي صادر عن مكتبه الإعلامي، إن "الحكومة وجهات أخرى تريد للمحكمة الاتحادية أن تكون أداة طيعة بيدها لتنفيذ ما تراه بحجة حماية المصالح العليا"، مؤكداً أن "هذا الوضع لا يمكن السكوت عليه".

وأضاف أن "القيادات الشيعية المتصدية أثبتت فشلها في بناء دولة مؤسسات تحترم سيادة الدستور والقانون"، مشيراً إلى أنه "سيتم التشاور مع بقية النواب لاتخاذ موقف موحد من هذه القضية، التي تمثل سابقة خطيرة".

وتتكون المحكمة الاتحادية من 9 قضاة رئيسيين من ضمنهم رئيس المحكمة الاتحادية، إلى جانب 4 قضاة احتياط، ولا يمكن للمحكمة البت في القرارات إلا بمشاركة 9 من القضاة، وهو ما يجعل الاستقالة الأخيرة لـ 9 من قضاة الاتحادية معطلة للمحكمة وعملها.

وكشف عضو اللجنة القانونية النيابية، النائب محمد عنوز  السبت، عن تقديم رئيس المحكمة الاتحادية العليا طلباً رسمياً لعقد لقاء موسع بين السلطات الثلاث، بهدف معالجة الإشكالات التي تواجه عمل المحكمة، وذلك على خلفية استقالة ستة من أعضائها نتيجة الضغوط التي تتعرض لها.

وقال عنوز إن "رئيس المحكمة الاتحادية وجّه طلباً إلى مجلس النواب لعقد لقاء موسع بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لمناقشة أزمة المحكمة ومعالجة الخلل الحاصل في عملها"، مشيراً إلى أن "استقالة ستة من أعضائها، بينهم قضاة احتياط، جاءت نتيجة الضغوط المتزايدة، خاصة في ما يتعلق بالحسم في عدد من القضايا الحساسة، ومنها دعوى اتفاقية خور عبد الله".

وأضاف أن "الوضع داخل المحكمة الاتحادية غير مستقر، لا سيما بعد قرار محكمة التمييز الأخير الذي أثار الكثير من الجدل القانوني والسياسي"، محذراً من أن "بلوغ الأزمة إلى هذا الحد يعكس خللاً بنيوياً في النظام السياسي العراقي، ويدق ناقوس الخطر بشأن استقلال القضاء".

وشدد عنوز على ضرورة الإسراع في إقرار قانون المحكمة الاتحادية، الذي لا يزال معلقاً منذ إقرار الدستور العراقي وحتى اليوم، مؤكداً أن إقرار هذا القانون بات ضرورة وطنية لضمان استقرار السلطة القضائية ومنع التدخل في قراراتها.

وبسبب القوانين الخاصة بتنظيم عمل المحكمة الاتحادية، فإن استقالة القضاة ستقدم إلى رئيسها والذي بدوره يقدمها لرئيس مجلس القضاء الأعلى، ومن حق الأخير الموافقة عليها أو التريث بالموافقة لحين معرفة الأسباب والدوافع أو إحالتها لهيئة الإشراف القضائي للبت في الطلب.

 وفي حال نفذت الاستقالة وتم الموافقة عليها، فتعرض على رئيس الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بذلك، ثم يصار إلى تقديم مرشحين جدد لسد الشواغر في مقاعد قضاة المحكمة، والذين يتم تقديمهم واختيارهم من قبل رؤساء مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية والإشراف القضائي والإدعاء العام، وبعد ذلك يتم عرض المرشحين الذين يتم اختيارهم إلى رئيس الجمهورية، لإصدار مرسوم جمهوري بهم تمهيدا لمزاولة أعمالهم.

لكن القوانين المنظمة لعمل المحكمة الاتحادية، لا تتضمن تفاصيل خاصة باستقالة قضاتها واختيارهم ضمن مدة زمنية محددة، إذ إن المحكمة تعمل وفقا قوانين سُنّت قبل كتابة الدستور العراقي عام 2005، ومن ثم عدلت بطريقة مؤقتة، الأمر الذي يدفع الأمور الحالية نحو فراغ دستوري، ومشكلة قانونية، خاصة مع توقف سير العديد من الملفات بمصادقة المحكمة الاتحادية وأبرزها نتائج الانتخابات، بحسب بعض القانونيين.

ولم يقدم قضاة المحكمة الاتحادية أسبابا محددة وراء طلب الاستقالة، ولكن مصادر قضائية أفادت بأن الاستقالات تأتي على خلفية خلافات متراكمة بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، بسبب الشد والجذب وإلغاء القرارات وتفعيل أخرى، بقضايا متفرقة من بينها قضايا خلفت مشكلات في العلاقة، مثل العفو العام الذي ألغت العمل به المحكمة الاتحادية، فيما أرجعته إلى العمل سلطة مجلس القضاء الأعلى، ثم قضية النزاع على خور عبد الله بالبصرة مع الكويت، وأخيرا قضية قانون التقاعد.

وفي منتصف أبريل/ نيسان الماضي، قدم كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقيين طعنين منفصلين إلى المحكمة الاتحادية العليا، طالبا فيهما بالعدول عن قرارها القاضي ببطلان قانون تصديق اتفاقية خور عبدالله مع الكويت، مستندين في دفوعهما إلى الدستور العراقي واتفاقية فيينا لعام 1966.

واعتبر الطعنان أن الاتفاقية تتعلق بتنظيم الملاحة وليس بترسيم الحدود، وتشكل جزءاً من التزامات العراق الدولية التي لا يجوز التراجع عنها.

وحددت المحكمة 22 أبريل/نيسان الماضي، موعدا للنظر في الدعوتين، ثم أرجأته إلى 30 منه، ثم عادت لترجئه إلى 22 يونيو/حزيران الحالي، لتعود وتقرر تأجيل الجلسة إلى 25 يونيو/حزيران.

وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد أقرت في الرابع من سبتمبر/أيلول 2023 بعدم دستورية القانون 42 لسنة 2013 وهو قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله.

وذكرت المحكمة في بيان مقتضب آنذاك أنها "أصدرت قرارها بعدم الدستورية لمخالفة أحكام المادة (61/ رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على (تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".

وكان رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم محمد عبود العميري قد أكد خلال لقائه الرئيس جمال رشيد في منتصف شهر حزيران/يونيو، على ضرورة إيجاد حل نهائي لصرف المستحقات المالية لموظفي اقليم كردستان، وحسم هذا الملف الإنساني وفقا للدستور والقانون وقرارات المحكمة الاتحادية غير أن أزمة الاستقالات داخل المحكمة قد يعيق ذلك.