داعش يسعى لإشعال فتنة طائفية بهجوم انتحاري على كنيسة في دمشق
دمشق - قتل 22 شخصا على الأقل الأحد جراء إقدام انتحاري على تفجير نفسه داخل كنيسة في دمشق، في هجوم غير مسبوق نسبته السلطة الانتقالية التي يشكل بسط الأمن أحد أبرز تحدياتها، الى تنظيم الدولة الإسلامية.
ويعد الاعتداء الذي نددت به الأمم المتحدة ودول عدة، الأول من نوعه في دمشق منذ إطاحة الحكم السابق في الثامن من ديسمبر/كانون الاول الفائت، ووصول السلطة الجديدة التي حضها المجتمع الدولي مرارا على حماية الأقليات وإشراكها في إدارة المرحلة الانتقالية.
وأوردت وزارة الداخلية السورية في بيان "أقدم انتحاري يتبع لتنظيم داعش الإرهابي على الدخول إلى كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة في العاصمة دمشق، حيث أطلق النار، ثم فجّر نفسه بواسطة سترة ناسفة".
وأسفر الهجوم، وفق ما نقلت وكالة سانا عن وزارة الصحة، عن مقتل 22 شخصا وإصابة 63 آخرين. وشاهد مراسلون أمام الكنيسة سيارات إسعاف تعمل على نقل الضحايا، بينما فرضت القوى الأمنية طوقا في المكان.
وداخل الكنيسة، بدت المقاعد مبعثرة مع بقع دماء وأيقونات متناثرة بين الركام، بينما دمر التفجير الهيكل الخشبي بالكامل.
وقال لورانس معماري بينما بدت معالم الغضب على وجهه أمام الكنيسة "دخل شخص من الخارج ومعه سلاح" قبل أن "يبدأ بإطلاق النار"، مضيفا "حاول شباب توقيفه قبل أن يفجر نفسه".
وفي متجر لحوم قبالة الكنيسة، أوضح زياد حلو (40 عاما) "سمعت صوت إطلاق نار في البداية، ثم صوت انفجار وتطاير بعدها الزجاج على وجوهنا". وأضاف "خرجنا وشاهدنا نيرانا تشتعل داخل الكنيسة، وبقايا مقاعد خشبية تطايرت حتى المدخل".
وأثار التفجير الانتحاري حالة من الهلع والذعر داخل الكنيسة التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس التي كانت تضم حشدا من المصلين بينهم أطفال وكبار في السن، وفق شهود عيان. ولا يزال عدد من الأشخاص في عداد المفقودين وتبحث عائلاتهم عنهم.
ويعد هذا أول هجوم انتحاري داخل كنيسة في سوريا منذ بدء النزاع عام 2011، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، إذ تضررت كنائس عدة أو تعرض محيطها لهجمات، لكن من دون أن يستهدفها هجوم مباشر.
ولطالما قدم الحكم السابق نفسه حاميا للأقليات التي طالتها هجمات عدة خلال سنوات النزاع تبنت تنظيمات جهادية عددا منها بينها تنظيم الدولة الإسلامية.
وتضمّ سوريا أقلية مسيحية انخفض عددها من نحو مليون قبل اندلاع النزاع عام 2011 الى أقلّ من 300 ألف، جراء موجات النزوح والهجرة، وفق تقديرات خبراء.
وبعيد توليها الحكم، حضّ المجتمع الدولي والموفدون الغربيون الذين زاروا دمشق السلطة الانتقالية ذات التوجه الإسلامي على حماية الأقليات وضمان مشاركتهم في إدارة المرحلة الانتقالية، وسط هواجس من إقصائهم لا سيما بعد وقوع أعمال عنف على خلفية طائفية، عدا عن انتهاكات في مناطق عدة.
ودعت بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ومقرها دمشق، السلطات الانتقالية السورية بعيد الهجوم الى "تحمل المسؤولية الكاملة تجاه ما حصل ويحصل من انتهاك لحرمة الكنائس وإلى تأمين حماية جميع المواطنين".
وأكدت الخارجية السورية في بيان أن "العمل الإجرامي الذي استهدف أبناء الطائفة المسيحية محاولة يائسة لضرب التعايش الوطني وزعزعة الاستقرار"، معتبرة إياه بمثابة "اعتداء على كامل الهوية السورية الجامعة".
ويشكل بسط الأمن أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطة الجديدة مع وجود مناطق لا تزال عمليا خارج نطاق سيطرتها الأمنية والتهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف.
وقال وزير الداخلية السوري أنس خطاب الأحد إن "هذه الأعمال الإرهابية لن توقف جهود الدولة السورية في تحقيق السلم الأهلي، ولن تثني السوريين عن خيار وحدة الصف في مواجهة كل من يسعى للعبث باستقرارهم وأمنهم".
وكان خطاب أفاد الشهر الحالي عن أن التنظيم "انتقل... من العمل العبثي الذي يسبب أذية فقط، إلى عمل مدروس لأهداف استراتيجية".
وتبنّى التنظيم أواخر مايو/أيار أول هجوم له ضد قوات السلطات الجديدة، وفق ما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان وموقع سايت المتخصص في تعقب أخبار الجماعات الجهادية، مع تعرّض دورية لقوات أمنية لتفجير لغم في محافظة السويداء (جنوب) ما أسفر عن قتيل.
وأعلنت السلطات السورية في مايو/أيار أنها ألقت القبض على أعضاء خلية تابعة للتنظيم قرب دمشق، واتهمتهم بالتحضير لهجمات. كما قتل عنصر من قوات الأمن وثلاثة من التنظيم في عملية أمنية للسلطات في حلب في الشهر نفسه.
وأدانت فرنسا "بأشد العبارات الاعتداء الإرهابي المشين"، بحسب بيان للمتحدث باسم الخارجية الفرنسية. وذكّرت باريس بـ"التزامها من أجل عملية انتقالية في سوريا تتيح للسوريين والسوريات، مهما كانت ديانتهم، العيش بسلام وأمن في سوريا حرة وتعددية ومزدهرة ومستقرة وسيدة".
وكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك على منصة اكس "هذه الأعمال الجبانة الرهيبة لا مكان لها في مجتمع التسامح والتعدد الجديد الذي ينسجه السوريون"، مضيفا "سنواصل دعم الحكومة السورية في نضالها ضد من يسعون إلى زرع عدم الاستقرار والخوف في بلدانهم والمنطقة برمتها".
ومن جنيف، دعا موفد الامم المتحدة الى سوريا غير بيدرسن السلطات إلى إجراء "تحقيق شامل"، مطالبا الجميع بـ"الاتحاد في رفض الإرهاب، والتطرف، والتحريض، واستهداف أي مكون في سوريا".
واعتبرت الخارجية التركية أن الهجوم "الغادر" يهدف إلى "إثارة الفوضى" في المجتمع السوري. ونددت وزارة الخارجية في كل من العراق والأردن المجاورين بالهجوم.
وفي مصر، أدان الأزهر "الجريمة الإرهابية النكراء"، مطالبا "الجميع بالتصدي لهذا الإرهاب الأسود بكل أشكاله، وبذل كافة الجهود من أجل استقرار المنطقة وحماية المدنيين وإنقاذهم من براثن العنف والطائفية المقيتة".