إيران تبحث عن دعم روسي في مواجهة التصعيد الأميركي الإسرائيلي

زيارة عراقجي الى موسكو للقاء المسؤولين الروس وفي مقدمتهم بوتين تهدف لبحث الضربات الأميركية والإسرائيلية على المواقع النووية حيث سيتم تناول ملفات هامة وخطيرة.
ايران لا تزال غير راضية عن حجم الدعم الروسي في ظل التصعيد الحالي
من المستبعد أن يضحي بوتين بتقاربه مع ترامب لارضاء ايران

طهران/موسكو - كثّفت إيران تحرّكاتها الدبلوماسية عقب الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت منشآت نووية داخل أراضيها، في وقت دخلت فيه الحرب المستعرة بينها وبين إسرائيل يومها الحادي عشر. وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن توجهه إلى موسكو لإجراء مشاورات "بالغة الأهمية" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطوة تعكس رغبة طهران في حشد الدعم الروسي وتنسيق المواقف لمواجهة التصعيد الغربي.
وقال عراقجي في تصريحات للتلفزيون الإيراني نُشرت عبر وكالات إعلام روسية: "في ظلّ هذه الظروف المستجدّة والخطيرة، لا شكّ في أن مشاوراتنا مع روسيا ستكون بالغة الأهمية."
وكان الوزير الإيراني قد وصل إلى موسكو مساء الأحد، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، التي أكدت أن جدول أعمال الزيارة يتضمّن لقاءات مع الرئيس بوتين وعدد من كبار المسؤولين الروس، للبحث في "التطوّرات الإقليمية والدولية في أعقاب العدوان العسكري من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على إيران"، حسب تعبيرها.
وفي أول رد فعل روسي رسمي، أدانت موسكو بشدة الضربات الأميركية، ووصفتها بأنها "غير مسؤولة وخطيرة"، معتبرة أنها تمثل تهديدًا إضافيًا للاستقرار في الشرق الأوسط. لكن مستوى الرد الروسي ظل محصورًا حتى الآن في التصريحات السياسية دون إجراءات عسكرية واضحة، ما أثار بعض الانتقادات داخل الأوساط الإيرانية.
غير أن إيران، رغم هذه التحفظات، لا تزال تعوّل على الدور الروسي، خصوصًا في المجال السياسي والدبلوماسي. وتراهن طهران على أن دعم موسكو في مجلس الأمن والمحافل الدولية قد يساهم في كبح التصعيد الأميركي–الإسرائيلي، أو على الأقل في منح إيران غطاء دبلوماسي يسمح لها بمزيد من التحرك دون مواجهة عزلة مطلقة.
وفي تصعيد لافت، نشر الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف منشورًا على منصة "إكس"، أكّد فيه أن المنشآت النووية الإيرانية لم تتعرض لأضرار كبيرة جراء الضربات الأميركية، قائلاً إن "تخصيب المواد النووية والإنتاج المستقبلي للأسلحة النووية سيتواصل".
وأضاف مهددًا "هناك عدد من الدول مستعدة لتزويد إيران مباشرة برؤوسها النووية الخاصة."، وهي تصريحات أثارت جدلًا واسعًا، وفسرها مراقبون على أنها رسالة ضغط روسية موجهة للغرب، وليست بالضرورة تعبيرًا عن موقف عملي.
ويأتي هذا التنسيق الإيراني–الروسي في وقت لا تزال فيه علاقات موسكو مع تل أبيب تمر بمرحلة دقيقة. فعلى الرغم من أن روسيا أقامت عبر السنوات الماضية علاقات جيدة مع إسرائيل، لا سيما مع وجود جالية روسية كبيرة فيها، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن ثم موقف موسكو المناوئ للحرب الإسرائيلية في غزة، خلق شرخًا تدريجيًا في هذه العلاقة.
وكان الرئيس بوتين قد عرض في وقت سابق لعب دور الوساطة بين إيران وإسرائيل لتفادي المزيد من التصعيد، لكن الاتحاد الأوروبي رفض المبادرة معتبرًا أن موسكو ليست طرفًا محايدًا، خصوصًا في ظل دعمها العلني لإيران وانتقاداتها المتكررة للسياسات الإسرائيلية.
وفي تصريح حديث، حاول بوتين التخفيف من وطأة الفتور الدولي تجاه مبادرته، مشيرًا إلى أن ما قدّمه لا يتعدى "مجرد أفكار" لتسوية النزاع، وليست مبادرة متكاملة.
وفي ظل التوترات المتفاقمة، تستمر موسكو وطهران في تعميق تعاونهما الاستراتيجي، خصوصًا بعد توقيع معاهدة شراكة استراتيجية شاملة في يناير/كانون الثاني الماضي، تضمنت مجالات التعاون العسكري والتكنولوجي والاقتصادي.
لكن رغم توقيع الاتفاق، لا يشمل التعاون أي التزامات دفاع مشترك على غرار الاتفاقيات الروسية مع دول مثل كوريا الشمالية. وهذا ما يفسّر التحفظ الروسي عن دعم عسكري مباشر لإيران، رغم التقارب الكبير منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي صاحبه تبادل واسع للمصالح، بما فيها تكنولوجيا الطائرات المسيّرة والسلاح قصير المدى، وهو ما تنفيه طهران رسميًا حتى اليوم.
وتشير زيارة عراقجي إلى موسكو وتفاعلات القيادة الروسية إلى أن إيران لا تزال تراهن على الورقة الروسية، لكن هذه الورقة محكومة باعتبارات موسكو الخاصة، سواء في علاقاتها مع الغرب أو مع إسرائيل. وبينما تصعّد واشنطن وتل أبيب الضغوط عسكريًا، يبدو أن طهران ترد عبر مسارات دبلوماسية مزدوجة، توازن فيها بين الغضب الشعبي والحاجة لتهدئة مدروسة.