الجيش اللبناني يعتقل زعيم داعش في لبنان

العملية الأمنية أدّت إلى ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر الحربية، إضافة إلى أجهزة إلكترونية ومعدات لتصنيع الطائرات المسيّرة.

بيروت – في سياق متصاعد من التوترات الأمنية في المنطقة، أعلن الجيش اللبناني الثلاثاء عن توقيف أحد أبرز قادة تنظيم الدولة الإسلامية في لبنان، بعد عملية استخباراتية معقّدة نفّذتها مديرية المخابرات. وقال الجيش في بيان رسمي إن الموقوف هو المواطن (ر.ف.)، المعروف بلقب "قسورة"، والذي تولّى قيادة تنظيم داعش في لبنان خلفاً لـ(م.خ.) المعروف بـ"أبو سعيد الشامي"، الذي أوقف في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأشار البيان إلى أن العملية الأمنية أدّت إلى ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر الحربية، إضافة إلى أجهزة إلكترونية ومعدات لتصنيع الطائرات المسيّرة، ما يشير إلى خطورة المخطط الذي كان يتم الإعداد له. ووفقاً لمصادر أمنية، فقد كان "قسورة" يخطط لتنفيذ عمليات نوعية تستهدف منشآت أمنية ومدنية حساسة، في محاولة لإحياء نشاط التنظيم داخل الأراضي اللبنانية.

وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه الإقليم اضطرابات متزايدة تعيد إلى الواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية، الذي ورغم هزيمته عسكرياً في العديد من المناطق منذ عام 2017، لا يزال قادراً على إعادة تنظيم صفوفه والضرب في أماكن تعاني من الهشاشة الأمنية. إذ تستغل التنظيمات المتشددة، وعلى رأسها داعش، حالات الفوضى والحروب الأهلية والنزاعات الطائفية للعودة إلى المشهد، كما هو الحال في سوريا والعراق ولبنان.
ففي سوريا، شهدت الأيام الأخيرة هجوماً انتحارياً مروّعاً استهدف كنيسة في محافظة السويداء، وأسفر عن مقتل 25 شخصاً. وقد نسبت السلطات الهجوم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، في حين أعلنت جماعة غير معروفة تُدعى "سرايا أنصار السنة" تبنيها للهجوم، ما يعكس استمرار نشاط الخلايا الجهادية التي غالباً ما تتغيّر تسمياتها مع احتفاظها بنفس النهج والأهداف.
ولا يخفى أن هذه الجماعات باتت تلجأ إلى استراتيجية "الخلايا النائمة"، التي تُنشط في اللحظة المناسبة لتنفيذ عمليات نوعية، وهي طريقة يعتمدها تنظيم الدولة الإسلامية منذ سنوات. وقد أظهرت التحقيقات مع الموقوف "قسورة" وجود روابط بينه وبين شبكات خارجية تعمل على تغذية هذه الخلايا بالتمويل والمعلومات والدعم اللوجستي.
ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها لبنان، إلا أن الأجهزة الأمنية، خصوصاً مديرية المخابرات في الجيش، أثبتت يقظة عالية في مواجهة التهديدات الإرهابية، عبر تنفيذ عمليات استباقية نوعية أسهمت في تقويض البنية التحتية للتنظيمات المتطرفة في الداخل اللبناني. وتُعد عملية توقيف "قسورة" دليلاً إضافياً على الجهود الحثيثة التي تُبذل لمنع هذه الجماعات من استغلال حالة من الهشاشة الأمنية بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله واسرائيل لتحقيق مكاسب ميدانية.
وكان لبنان قد خاض معارك دامية ضد تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات متطرفة أخرى، خصوصاً في منطقة عرسال الحدودية بين عامي 2013 و2017، قبل أن يتمكّن الجيش بالتعاون مع "حزب الله" من دحرها في معركة "فجر الجرود". ورغم ذلك، لا تزال خلايا التنظيم تحاول إعادة نشاطها، مستفيدة من الأوضاع المتدهورة في الجوار السوري، ومن تراجع الرقابة في بعض المناطق النائية.
ويُجمع محللون أمنيون على أن خطر تنظيم الدولة الإسلامية لم ينتهِ بهزيمته الجغرافية، بل تحوّل إلى تهديد أمني غير تقليدي، يتمثل في هجمات مباغتة، وتجنيد عناصر جديدة، ونشر الفكر المتطرف عبر الإنترنت. وهذا ما يجعل من التعاون الإقليمي وتبادل المعلومات الاستخباراتية ضرورة قصوى، لا سيما في دول كلبنان وسوريا والعراق، التي تشكّل أراضيها بيئة خصبة لاختباء العناصر الإرهابية بسبب هشاشة أنظمتها الأمنية في بعض المناطق.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى التحدي الأكبر هو منع التنظيمات من إعادة التمركز، وخصوصاً في المناطق الخارجة عن السيطرة المركزية، والعمل على تجفيف منابعها المالية والفكرية، بالتوازي مع الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنع تفشي الخطابات المتطرفة بين الفئات الهشة اجتماعياً.