تراجع الثقة في البنوك يدفع اللبنانيين إلى التعويل على شركات تحويل الأموال
بيروت - كانت البنوك التجارية اللبنانية يوما ما تعتبر ركيزة للاستقرار والثقة، لكن اليوم، لا يزال الكثير من اللبنانيين يرون البنوك رمزا للخسارة والخداع، حتى مع شروع قادة البلاد في إصلاحات لإنعاش النظام المالي المنهار.
وبعد مرور سنوات على الانهيار المالي الذي تعرضت له البلاد في 2019، لا تزال هناك قيود على مدخرات ملايين اللبنانيين الذين تلاشت ثقتهم تقريبا في القطاع المصرفي.
ومع تراجع الثقة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، يتجنب الكثير من اللبنانيين تماما التعامل مع البنوك حاليا، ويديرون شؤونهم المالية عن طريق تطبيقات التكنولوجيا المالية وخدمات تحويل الأموال ويلجأون إلى شركات، مثل "ويش" للتكنولوجيا المالية أو "أو.إم.تي" لتحويل الأموال بدلا من البنوك.
وقال مارسيل معوض وهو يقف خارج أحد فروع أو.إم.تي مملوك له "بدنا 50 سنة حتى ترجع الناس تآمن بالبنوك، فيصير شي تغيير، هلا ما في تغيير، حكي حكي حكي، قرطوا (يحرم من) مصريات المودعين، قرطوا العالم، قرطونا معهم والله العظيم".
وأضاف "عم نحمل بلوصيات بجايبتنا، معنا كروت الأو.إم.تي وكارت الويش، معنا كروتتنا، بنسافر بره بنستعمل كارت الأو.إم.تي، ما فرقاني معنا". وذكر اللبناني روجر عزام أنه اعتبر البنوك شيئا من الماضي.
وقال "عم بستعمل ويش أو أو.إم.تي، هما ليسلا تابعين للبنك، البنك شغلته شيء وهن شيء، هما أصبحا مثل حوالات تستعملها الناس فيما بينها، والبنك لحتى أرجع أتعامل معه بدي يعطيني الثقة وطول ما أنا طيب أصلا ما راح أرجع أشتغل وياهن، أخذوا مني تعبي كل سنين عمري يعني أكيد ما راح أرجع أتعامل معاهن، أنا بالنسبة إلي خلاص، كيف واحد لما يموت بيحطوله ورقة نعوي (نعي) أنا البنوك صارت ورقة نعوي بحياتي".
ويلجأ كثير من اللبنانيين الآن لهذه الشركات للدفع مقابل الخدمات العامة، مثل فواتير المياه أو رسوم تسجيل السيارات، والخدمات التجارية، مثل خطوط الهاتف، وحتى المشتريات العادية من متاجر الأدوات المنزلية أو خدمات البث. وتوفر هذه الشركات بطاقات مما يجعل البطاقات المصرفية من الذكريات.
وبدأت "ويش" تطوير منصتها الرقمية في 2018، أي قبل الأزمة المالية بعام. وعندما أغلقت البنوك أبوابها بعد ذلك بعام وفرضت ضوابط غير رسمية على رؤوس الأموال، كانت المنصة جاهزة بالفعل لاستيعاب زيادة الطلب.
وقال جورج فارس نائب رئيس شركة ويش "بلشنا أول شي جهزنا البنية التحتية في 2018.. 2019 صار إللي صار بلبنان كنا نحنا اليوم بكوفيد عم نقدر نكون بواسطة الرقمنة يلي عنا إياها قائمة على البنية التحتية بعدين وقت صارت عنا الاضطرابات في قلب لبنان كمان كنا عم نتطور وعم نعطي خدمات أكتر للعملاء صار بيقدر يحول معاش، بتقدر الشركة تعمل تجميع للأموال، بيقدر يشتغل على الإنترنت، واتطورت أكتر في عام 2025 بالشراكة مع شركة فيزا العالمية ياللي نحنا وياها كنا أول محفظة إلكترونية في المنطقة بيكون في عندها شراكة مع شركة فيزا".
وذكر فارس أن المنصة تسهل معاملات الجاليات اللبنانية في الخارج. واستطرد يقول "اليوم وصلنا تقريبا لكل شيء اسمه خدمة المحافظ الإلكترونية نخدم أكثر من مليون عميل هم موجودين بيتعاملوا مع ويش من 110 بلدان، نحن اليوم مرخصين من البنك المركزي بلبنان كمحفظة إلكترونية وكمان مثل ما قلنا كشركة تحويل أموال، من البنك إلى التكنولوجيا المالية هذا هو التحدي".
وأضاف "بتنزلي تطبيق ويش، وفي خلال دقيقتين أو ثلاثة صار في عندك حساب موجود على المحفظة الإلكترونية تقدري تبلشي تستعملي البطاقة تبعك على الإنترنت لأننا نعمل بالرقمنة بالكامل، وفي أي وقت فيكي تطلبي البطاقة توصلك عند باب بيتك".
وتعمل عشرات البنوك التجارية في لبنان الذي يزيد عدد سكانه قليلا عن أربعة ملايين نسمة. وأدى الانهيار المالي إلى حرمان العديد من كبار السن اللبنانيين من إمكانية الحصول على معاشاتهم التقاعدية، وعجز بعض المصابين بأمراض مزمنة عن دفع تكاليف الرعاية الطبية بعد تجميد ودائعهم. ودفع الغضب الشعبي بعض اللبنانيين إلى اقتحام بنوك لإجبار الموظفين على صرف مدخراتهم نقدا.
وتعهد الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام وحاكم مصرف لبنان الجديد كريم سعيد بتطبيق إصلاحات طال انتظارها لإعادة النظام المالي إلى مساره الصحيح. ويقول خبراء إنه لا بديل عن قطاع مصرفي سليم رغم ضعف ثقة المواطنين.
وقال المواطن أحمد كيال "ليس لدي حساب مصرفي، ولم أفتح حسابا مصرفيا من قبل، ولا أريد أن يكون لدي حساب مصرفي لأنه لا يمكن الوثوق بهم منذ فترة طويلة في الحقيقة وليس الآن فقط، وحتى قبل كل الأحداث التي وقعت مع البنوك (في إشارة إلى الانهيار المالي في 2019) والحرب وكورونا وكل شيء، لا يمكن أن تثق بهم على أي حال، هذا بالإضافة إلى أنهم يأخذون منك أموالا إضافية (في إشارة إلى رسوم البنوك) إذا احتفظت بأموالك هناك، وفي المقابل توفر لك خدمة ويش ماني وأو.إم.تي الضرائب وسهولة السحب والإيداع ويمكنك دفع أي شيء، لديهم بطاقة مادية وأخرى رقمية، وبالتالي هي أفضل من البنوك".
وذكر محمد شمس الدين محلل السياسات من شركة "الدولية للمعلومات" للاستشارات البحثية إن البنوك أساسية للتنمية الاقتصادية.
وقال "أكيد الخدمات إللي عم تقدمها هاي الشركات، مثل السحب، مثل بطاقات السحب، مثل وضع قوائم زفاف (في إشارة إلى إرسال أموال إلى متجر كهدية للمتزوجين) أو غيرها ما بتخليها تحل محل البنك لأن المصرف عنده دور كتير مهم بالتنمية الاقتصادية لاسيما تلقي الودائع ودفع فوائد عليها وأيضا تأمين قروض وتسليفات، هايدي الشركات ما بتقدر تعملها، وبالتالي ما بشوف أنها قادرة تحل محل القطاع المصرفي".
وأضاف "لحد الآن لم يكن هناك خطة أو تصور كيف بدها الناس تسترجع الودائع إللي حطتها بالمصارف، وبالتالي لحد الآن مني شايف نحنا على أبواب إصلاح أو على أبواب مرحلة تمكن اللبنانيين من استعادة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، فنحنا اليوم بحاجة يمكن لمزيد من التشريعات، مزيد من الممارسات على الأرض إللي بتعطي المواطن نوع من الثقة بهايدي المصارف".