حملة يقودها تلاميذ في المغرب للحد من الهدر المدرسي

المبادرة تقوم على مبدأ الاستعانة بتلاميذ لإقناع متسربين بالعودة الى مقاعد الدراسة.

الرباط - يفتخر سعيد وضحى وهدى بنجاحهم في إقناع ثمانية تلاميذ بالعودة إلى الدراسة، في حملة لمكافحة التسرّب المدرسي الذي يطال قرابة 280 ألف طفل سنويا في المغرب.

يدرس التلاميذ الثلاثة في إعدادية جوهرة التي تستقبل أبناء الأرياف القريبة من مدينة تيفلت في ضواحي الرباط.

ويقول مدير المدرسة سعيد تموح إن بعض التلاميذ يعجز عن مواصلة الدراسة لأسباب ترتبط في الغالب بالفقر والوضع الاجتماعي الهش وأحيانا صعوبات في التعلّم.

ولمحاربة هذه الظاهرة، تستعين وزارة التربية الوطنية بالتلاميذ أنفسهم ليتواصلوا مع المنقطعين عن الدراسة قصد "استرجاعهم بدل أن يضيعوا مستقبلهم"، كما تقول ضحى الغزولي (15 عاما).

وتضيف التلميذة التي تغطي رأسها بقبعة تحمل شعار الحملة "من الطفل إلى الطفل"، "الحمد لله استرجعنا ثمانية من 17 من أصدقائنا.. سنعيد الآخرين أيضا".

ويتابع زميلها سعيد الرفاعي (15 عاما) "طبيعي أن تحزن عندما ترى أصدقاءك يضيعون.. من الضروري أن تعمل على إرجاعهم للدراسة لينقذوا مستقبلهم".

ويشكل الهدر المدرسي تحديًا آخر، إذ تشير المعطيات الرسمية إلى أن حوالي 331 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويًا، مع ارتفاع هذه النسبة في المناطق القروية إلى 5.9 في المئة. ويُعزى هذا الوضع في جزء كبير منه إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى عدم جاذبية المناهج الدراسية التي لا تراعي حاجيات المتعلمين ولا تشجع على الابتكار.

وتبلغ حالات الانقطاع عن الدراسة لأقلّ من 18 عاما مستويات كبيرة في المغرب تناهز 276 ألفا سنويا، غالبيتهم في المستوى الإعدادي (نحو 160 ألفا)، وفق المسؤول عن مدارس الفرصة الثانية بوزارة التربية الوطنية حساين أوجور.

ومن المشاكل الأخرى التي يعانيها قطاع التعليم العمومي، الاكتظاظ في المدارس وتراجع المستوى مقارنة مع التعليم الخصوصي، رغم العديد من برامج الإصلاح في العقود الماضية.

ويساهم التسرّب المدرسي في تغذية الفوارق الاجتماعية، وهي معضلة أساسية في المملكة، فنقص التعليم مسؤول بنسبة 47.5 في المئة عن حالات الفقر، بينما يبلغ معدل الأمية 24.8 في المملكة التي يقارب عدد سكانها 37 مليونا.

وعلى الصعيد العالمي، يحرم نحو 250 مليون طفل من اكتساب المعارف الأساسية للقراءة والكتابة، وفق اليونيسف.

وفي قرية مجاورة لمدينة تيفلت، تشرح هدى وضحى مشاركتهما في الحملة لمساعدة تلميذة جارة لهما.

وتوضح هدى النشبة (16 عاما) "راجعنا معها بعض المواد الصعبة، وعرضنا عليها فيديوهات للأنشطة الترفيهية في المدرسة.. الحمد لله أنها اقتنعت بعد مجهودات كبيرة".

ويلتحق العائدون بمدارس "الفرصة الثانية" لمتابعة حصص دراسية وأخرى في التكوين المهني (صباغة، حلاقة، طبخ…)، فضلا عن أنشطة ترفيهية.

غير بعيد عن إعدادية جوهرة، تدير جمعية السلام بشراكة مع وزارة التربية الوطنية، مدرسة أبي القاسم الشابي للفرصة الثانية حيث يحاول 110 تلميذة وتلميذ "طي الصفحة"، بتعبير أمين عثمان (17 عاما) الذي عاد للدراسة هنا بعد عامين.

وفي إحدى القاعات، كانت بعض التلميذات يستمتعن بتزيين دمية في حصة لمهنة الحلاقة، وفي قاعة أخرى يتدرّب تلاميذ على الصباغة، بينما يتابع آخرون في فصل مختلط حصة للغة العربية، في أجواء لا تختلف عن المدارس النظامية.

وعند نهاية الموسم، يجتاز تلاميذ الفرصة الثانية امتحانات قد تؤهلهم للعودة إلى الدراسة النظامية، أو الالتحاق بمراكز التكوين المهني.

وبحسب أوجور، يلتحق نحو 70 في المئة من المستفيدين بمراكز التكوين المهني، ونحو 20 في المئة يعودون إلى التعليم النظامي.

وبعدما عاد الى الدراسة العام الماضي بمساعدة أصدقاء له، اختار أمين عثمان بدوره أن يشارك في حملة هذا العام من خلال لقاءات في دار الشباب في المدينة للتواصل مع فتيان وفتيات يعرفهم وآخرين التقاهم مجددا. ويقول بخجل لكن بفخر، إنه تمكّن من إقناع ثلاثة منهم باستئناف الدراسة.

ومن هؤلاء آية بنزكي (18 عاما) التي كانت غادرت المدرسة قبل عامين بسبب "صعوبات في الدراسة". وتقول إنها عرفت "بالمبادرة عن طريق الصدفة"، وبعد تردّد، اقتنعت باستغلال الفرصة، وتحلم الآن بالحصول على البكالوريا.

وتقول جيهان الرافعي (17 عاما) بدورها إن الحملة تقدّم "فرصة لا تعوّض"، مضيفة "شعرت بالندم والفراغ بعد مغادرة الدراسة.. كنت بحاجة لمن ينصحني".