أبيي أحمد يبدأ ولاية ثانية يسيطر عليها شبح الحرب

رئيس وزراء أثيوبيا يواجه تحديات كبيرة أبرزها النزاع الدامي في شمال البلاد الذي يثير قلق الأسرة الدولية.
النزاع في شمال البلاد يعكر صفو الصحوة الديمقراطية في أثيوبيا
حكومة "الازدهار" المقبلة تواجه تحديات أمنية وسياسية على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي
قلق دولي من المسار المضطرب للأوضاع في أثيوبيا بعد تفاؤل ساد خلال ولاية أبيي أحمد الأولى

أديس أبابا - أقيمت الاثنين مراسم تنصيب رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد لولاية ثانية مدّتها خمس سنوات. وعلى عكس ولايته الأولى التي استقبل فيها بترحيب داخلي ودولي ونال بعد وقت قصير من بدايتها جائز نوبل للسلام، يبدأ أبيي أحمد ولايته الجديدة على وقع الصراع في إقليم تيغراي وعودة النزاعات العرقية وتوتر في العلاقات الخارجية خاصة مع الشركاء الدوليين.

حقق حزب أبيي "الازدهار" فوزا ساحقا في انتخابات 21 يونيو، وهو ما اعتبره مسؤولون فدراليون تأييدا شعبيا للإصلاحات الديمقراطية التي أطلقها منذ تولى السلطة سنة 2018. إلا أن الانتخابات جرت في أجواء سياسية وإنسانية مضطربة، فقد قتل عشرات الآلاف في النزاع في إقليم تيغراي حيث يواجه مئات الآلاف ظروفا أشبه بالمجاعة، بحسب الأمم المتحدة، وهو أمر يلطّخ سمعة رئيس الوزراء الحائز جائزة نوبل للسلام سنة 2019.

وخلال الانتخابات ولاسيما في منطقة أوروميا التي ينحدر منها رئيس الوزراء، قرر بعض أحزاب المعارضة مقاطعة الاقتراع مشيرة إلى أن مرشحيها أوقفوا وخربت مكاتبها. ولم تشمل الانتخابات إقليم تيغراي وأرجئ الاقتراع حول 83 مقعدا برلمانيا آخر بسبب مشكلات أمنية أو لوجستية.

ونظمت السلطات الأسبوع الماضي انتخابات شملت 47 من هذه المقاعد في ثلاث مناطق. ولا ينتظر صدور نتائج هذه الانتخابات قبل العاشر من أكتوبر ولا يتوقع أن تؤثر على موازين القوى في البرلمان. ولا يتوقّع أن يؤثر تنصيب أبيي أحمد على الهجوم الذي تشنّه القوات الحكومية ضدّ المتمردين في الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيغراي التي كانت تسيطر على الحياة السياسية في البلاد قبل وصوله إلى السلطة.

وقال مكتب رئيس الوزراء الذي يتّهم المتمردين بالتسبب بالحرب في نوفمبر 2020 من خلال مهاجمة ثكنات للجيش الفدرالي، إن بعض إجراءات التهدئة مثل العودة عن تصنيف الجبهة "جماعة إرهابية" يمكن أن تحصل فقط بعد تشكيل الحكومة.

ومنذ ذلك الحين امتدّت المعارك لتشمل منطقتي عفر وأمهرة المجاورتين في حين غرق إقليم تيغراي بما تصفه الأمم المتحدة بحصار إنساني بحكم الأمر الواقع ما يغذّي المخاوف من حصول مجاعة واسعة الانتشار على غرار ما حصل في إثيوبيا في الثمانينات.

أمل مشرق

عين أبيي أحمد رئيسا لوزراء أثيوبيا بعد سنوات من التظاهرات المناهضة للائتلاف الحاكم بقيادة جبهة تحرير شعب تيغراي ووعد بالتخلي عن الحكم الاستبدادي السابق من خلال تنظيم انتخابات أكثر ديمقراطية غير مسبوقة في البلاد.

فور توليه منصبه في 2018، افتتح أبيي أحمد عهدا جديدا، أولا باعتباره رئيس وزراء من عرقية أورومو، وأول شخص من أصل مسلم يرأس حكومة في إثيوبيا. لم تتوقف الصورة عند هذا الحد بل تجسد ملمحها الأكبر، في مجموعة من الإصلاحات الطموحة التي جاء بها آبي أحمد وصولا إلى إبرام اتفاق سلام تاريخي مع إريتريا، العدو القديم لإثيوبيا، في غضون أشهر من توليه رئاسة الوزراء الأمر الذي قاده إلى نوبل للسلام.

تحولت إثيوبيا من دولة افريقية ضعيفة إلى دولة ترى نفسها مهيمنة إقليمية، وهي السياسة كانت واضحة منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي، لكن الأخير ركز فقط على محيطه القريب ويرتبط اسمه بسد النهضة الذي أثار أزمة مع مصر، في حين اختار آي أحمد أن تكون همينة أثيوبيا مختلفة، بحيث تقوم على الاستفادة من موقعها الجغرافي ومن علاقاتها الإقليمية ومن محيطها العربي الأفريقي.

لكن، الحرب الأخيرة ضد الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيغراي، غيرت الكثير من المعطيات وعكّرت صفوة الصحوة الديمقراطية في إثيوبيا. وبدأ من تفاءلوا بصعود آبي أحمد إلى رئاسة الحكومة الإثيوبية يراجعون مواقفهم، حيث تسببت سياساته في عودة شبح الحرب الأهلية في بلاده، بعد أن أمر الجيش بالتدخل عسكريا في إقليم تيغراي.

وكتب ديكلان والش في صحيفة نيويورك تايمز عن "المسار المضطرب الذي حير المراقبين الدوليين الذين يتساءلون كيف أخطأوا فيه"، مشيرا إلى أن أبيي أحمد "انتقل من بطل نوبل إلى قائد حرب، بعد أن كان منذ وقت قصير أملا مشرقا للبلد والقارة".

الدول الغربية تعرب عن "خيبة أمل" حيال أبي أحمد ما قد يؤثّر على علاقات إثيوبيا مع الدول الأجنبية الكبرى خلال ولايته الثانية

وقال وليام دافيسون المحلل لدى مؤسسة انترناشونال كرايسيس غروب، "يبدو أن الموقف يقوم على القول إن أي تغيير في النهج حيال النزاع مع قوات تيغراي لا يمكن أن يحصل إلا بعد تشكيل الحكومة". وأضاف أن الشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة التي هدّدت بفرض عقوبات هادفة مرتبطة بالنزاع "ستراقب الوضع عن كثب لرصد أي تغير في المواقف".

خيبة أمل

تفاقم تدهور العلاقات مع الأسرة الدولية الأسبوع الماضي مع إعلان وزارة الخارجية الإثيوبية طرد سبعة مسؤولين في وكالات تابعة للأمم المتحدة بينها صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إنه "صُدم" بالقرار الذي أعطى المسؤولين 72 ساعة للمغادرة فيما تقدمت المنظمة الدولية باحتجاج رسمي إلى إثيوبيا بعدما اعتبرت القرار غير قانوني.

أما الدول الغربية فأعربت عن "خيبة أمل" حيال أبيي أحمد ما قد يؤثّر على علاقات إثيوبيا مع الدول الأجنبية الكبرى خلال ولايته الثانية.

وبالإضافة إلى أزمة سد النهضة العالقة، زادت القضايا الحدودية العالقة في المنطقة الصومالية من مناخ الاستياء والخوف وعدم الاستقرار الاقتصادي.

ويقول كامرون هادسن المحلل في مؤسسة اتلانتيك كاونسل "سيعود الغرب على الأرجح إلى نهج استراتيجي يعرفه يقوم على الضغط عندما يكون ذلك ممكنا والتدخل عند اللزوم والبقاء في موقع المراقبة بحثا عن بدائل أفضل" خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة إستراتيجية في القرن في الأفريقي مثل إثيوبيا.