التقارب بين باريس والرباط يُرجئ زيارة تبون لفرنسا إلى أجل غير مسمى

الإعلام الجزائري يهاجم فرنسا معتبرا أنها تسير بخطوات معاكسة للمسار الذي تطمح إليه الجزائر، مع إدراك باريس حساسية قضية الصحراء في "العلاقات الثنائية قيد الترميم".

الجزائر – تصطدم زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بمنغصات جديدة كشفت عنها وسائل الإعلام المحلية المقربة من السلطة، والتي أعربت عن اتجاه معاكس لباريس في تسوية الأمور العالقة مع الجزائر، وأن البلدين لم يصلا إلى مرحلة الأمان بعد في علاقاتهما الثنائية. في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الفرنسية المغربية تطورات على كافة الأصعدة مع رغبة فرنسا في الاستثمار في الصحراء المغربية. وهي أسباب تثير قلقا وانزعاجا بالغا للجزائر.

وكشفت صحيفة “الشروق” المقربة من السلطة الجزائرية، بأن فرنسا تسير بخطوات معاكسة للمسار الذي تطمح إليه الجزائر، علما أن “باريس تدرك حساسية قضية الصحراء في العلاقات الثنائية قيد الترميم”، حسب تعبير “الشروق” التي أضافت أن فرنسا قد “تهدم” ما تم بناؤه في الفترة الأخيرة.
وخلال الزيارة التي قادته إلى المغرب في نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، أكد وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، على “دعم فرنسا الواضح والمستمر” لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه النظام المغربي في العام 2007 ”.

واعتبرت الصحيفة الجزائرية أن ما قاله وزير التجارة الخارجية الفرنسي يؤشر على أن باريس تسير على خط مستقيم وباتجاه تصاعدي، يتجه عكس طموحات السلطات الجزائرية، التي انخرطت منذ مدة رفقة نظيرتها الفرنسية في مسار تصحيح العلاقات الثنائية التي تعرضت للكثير من المطبّات خلال السنوات القليلة الأخيرة.

ويلجأ النظام الجزائري في العديد من الأوقات للتعبير عن مواقفه عبر القنوات والمنابر الإعلامية الرسمية، وتشير الانتقادات التي توجهها الصحافة الجزائرية لفرنسا تعليقا على ما صرح به الوزير الفرنسي المكلف بالتجارة الخارجية في المغرب، حول الاستثمار في الصحراء، إلى وجود غضب لدى النظام الجزائري من تلك الخطوة.

وقد تؤدي هذه الخطوة الفرنسية، إلى تأجيل زيارة تبون إلى باريس، وهي الزيارة التي قالت تقارير إعلامية جزائرية ودولية، إن من المرتقب أن تحدث في الشهور القليلة المقبلة.

الانتقادات التي توجهها الصحافة الجزائرية لفرنسا تعليقا على ما صرح به وزير التجارة الفرنسي حول الاستثمار في الصحراء المغربية تشير إلى وجود غضب لدى الجزائر من تلك الخطوة.

وفي حالة إذا لم تحدث الزيارة في الشهور المقبلة، فإنه من المحتمل أن تتأجل بصفة نهائية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية، التي تم تسبيق موعدها إلى شهر سبتمبر/أيلول المقبل بدل الموعد الرسمي السابق الذي كان محددا في ديسمبر/كانون الأول.

وكانت زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا قد تأجلت أكثر من مرة منذ العام الماضي دون أن تحدث، بسبب خلافات بين باريس والجزائر في العديد من القضايا، ولا يبدو أن هناك أفق للقيام بهذه الزيارة التي ينتظرها تبون بفارغ الصبر.

والشهر الماضي أعلن الإليزيه أن الرئيس الجزائري عبد سيقوم بزيارة دولة لفرنسا، "بين نهاية أيلول/سبتمبر وبداية تشرين الأول/أكتوبر"، وذلك إثر مشاورات هاتفية بين تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وقالت الرئاسة الفرنسية إن هذه الزيارة التي سبق أن ارجئت مرارا، ستجري "في موعد يتم تحديده" خلال الفترة المذكورة. وكانت الزيارة مقررة أولا بداية أيار/مايو 2023، لكنها أرجئت إلى حزيران/يونيو من العام نفسه، في ظل خشية الجزائريين من أن تؤثر فيها سلبا تظاهرات الأول من أيار/مايو احتجاجا على إصلاح قانون التقاعد في فرنسا، بحسب مصادر متطابقة.

ومذاك، لم يؤكد الرئيس الجزائري مجيئه الذي يهدف إلى ترسيخ تحسن العلاقات بين البلدين  بعد سلسلة من الأزمات الدبلوماسية. في المقابل، قام تبون بزيارة دولة لروسيا لم تنظر إليها باريس بارتياح. وفي كانون الأول/ديسمبر، أكدت الجزائر أن ظروف الزيارة الرئاسية لا تزال غير متوافرة، لافتة إلى وجوب معالجة خمسة ملفات قبل إتمامها، بينها تنقية الذاكرة والتعاون الاقتصادي والتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.

ويراهن الجزائريون، وفق مصادر ذات صلة بالزيارة، على انتزاع تنازلات من الرئيس ماكرون في خمسة مطالب يطرحونها؛ بعضها محل تحفظ من طرف فرنسا. وقد أكد وزير الخارجية أحمد عطاف في نهاية 2023، أن هذه الملفات التي وصفها بـ"الثقيلة"، عطلت تنفيذ مشروع الزيارة، التي كان يفترض أن تتم في مايو /أيار من السنة الماضية، حسب اتفاق بين الرئيسين. وتحدث عطاف بالترتيب عن الذاكرة وحرية التنقل والتعاون الاقتصادي، ومشكلة الصحراء، وتبعات التجارب النووية الفرنسية في الصحراء، ومعها قضية أرشيف الثورة.

وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان توجه في تشرين الثاني/نوفمبر إلى الجزائر حيث استقبله تبون. وتناول البحث خصوصا "مكافحة الجريمة المنظمة" و"الهجرات" و"تداعيات الأزمة" في الشرق الأوسط.

وتأمل الجزائر في الحصول على اعتذار صريح من الرئيس ماكرون عن جرائم الاستعمار، "أو على الأقل إظهار خطوات شجاعة» منه بهذا الخصوص، ترضي فئة مهمة في المجتمع، وتحظى بتقدير كبير لدى السلطات، هي فئة المجاهدين ممن بقوا أحياء، وأبناء الشهداء، لكن الجزائر تدرك جيداً أن "مسألة الاعتذار"، و"إعلان التوبة عن جرائم الاستعمار"، قضية لا يمكن لأي رئيس فرنسي أن يتصرف فيها بمفرده.

وكان ماكرون حسم هذا الجدل في بداية 2023 خلال مقابلة مع مجلة فرنسية، حينما أكد أن "أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول: نحن نعتذر وكل منا يذهب في سبيله... إن عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب".

وألقى هذا الموقف مزيداً من الفتور على العلاقات الثنائية، وبينما كان الجزائريون يأملون في أن تكلل زيارة تبون المرتقبة بتسلمه سيف وبرنس الأمير عبد القادر، الموجودَين في «قصر أمبواز» (وسط فرنسا)، حيث كان أسيراً في منتصف القرن الـ19، رفض الفرنسيون ذلك بحجة أن الخطوة تتطلب إصدار قانون، حسب الوزير عطاف. وأوضحت المصادر نفسها أن تبون كان يراهن على العودة من باريس بأغراض قائد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار، سعياً لتحقيق مكاسب سياسية داخلية خلال الانتخابات القادمة.