التوازن يغيب عن جدول التظاهرات الفنية في المغرب

الأنشطة الثقافية والسينمائية تتزاحم في شهر واحد وتغيب في شهور أخرى ما يثير تساؤلات حول التنظيم والتخطيط والتنسيق.

الرباط - تعد التظاهرات الفنية والسينمائية في المغرب جزءا لا يتجزأ من الحياة الثقافية والاجتماعية في المملكة و تشهد تنوعا كبيرا وانتشارا واسعا في مختلف المناطق، ومع ذلك يلاحظ دائما تكدس الأنشطة الفنية والثقافية في فترات محددة من السنة، بينما تكون غائبة في فترات أخرى، وهذا ما يثير عدة تساؤلات حول كيفية تنظيمها وتنسيقها جهويا.

تعتبر المدة بين 17 نيسان/ أبريل إلى 19 أيار/ ماي 2024 فترة تتزاحم فيها الأنشطة الثقافية في المغرب، إذ تتكدس العديد من الفعاليات الفنية والثقافية المهمة خلال هذه الفترة، وتتضمن هذه الفعاليات مهرجان تطوان السينمائي في دورته ال29، والدورة الثامنة للملتقى الدولي للشعر المنظم من قبل مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون، والمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، وليلة "شاعر ومترجمه" في دورتها الثالثة بمراكش، بالإضافة إلى المهرجان العالمي للشعر الذي ينظمه بيت الشعر في المغرب، والمعرض المغاربي للكتاب بوجده، وفعاليات الدورة العاشرة من مهرجان "كاب سبارتلي" السينمائي الدولي، ومهرجان مكناس للدراما التلفزية في نسخته ال13، ومهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط في دورته ال29، ومهرجان الريف للفيلم الأمازيغي، ومهرجان خريبكة الدولي للسينما، ومهرجان الدار البيضاء للسينما المستقلة.

فجميع هذه الأنشطة تبرمج خلال شهر واحد، ما يثير تساؤلات حول ما يحدث في بقية الشهور؟ ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها سوء التخطيط وعدم وجود برامج ثقافية موزعة بتوازن على مدار الشهور، إذ يشير هذا إلى نقص في التنسيق بين المؤسسات الثقافية والفنية، وغياب استراتيجيات متكاملة لتوزيع الفعاليات على مدار العام بالتساوي، كما أن بعض الفعاليات تقام في فترات معينة نتيجة لظروف محددة مثل الطقس الملائم أو الأعياد الدينية أو الثقافية، ما يؤدي إلى تكدس الفعاليات في تلك الفترات، بالإضافة إلى ذلك، الدعم المالي والموارد المتاحة لتنظيم الفعاليات يمكن أن يكون عامل آخر يؤثر في إدارة توقيت التنظيمات، فصرف الدعم المالي المخصص لهذه الأنشطة في وقت واحد يمكن أن يزيد من قدرة المنظمين على تنظيم الفعاليات في وقت متزامن.

ويجب إعادة النظر في تطوير استراتيجيات ثقافية وفنية مستدامة تهدف إلى توزيع الأنشطة بشكل يسهم في إبراز الثقافة والفن المغربي بشكل مستمر ومتجدد، وفي خلق فرص ظهور المواهب الجديدة والمتنوعة في مختلف المجالات الفنية والثقافية، فعلى سبيل المثال، في حال تزامن برنامج المهرجان مع آخر، يجد بعض الأطراف تحديات في متابعة الأعمال المبرمجة في قاعات مختلفة وفي وقت متزامن، ما يجعل الجمهور أو الصحافة المعنية تواجه صعوبات في اختيار الأفلام المشاهدة ومتابعة كل العروض المقدمة، وهذا الوضع يؤدي إلى تفضيل بعض الأفلام على حساب الأخرى، وبالتالي تفوت الأعمال الفنية الرائعة فرصة التعريف والاهتمام الجماهيري رغم جودتها وإبداعها.

وتعتبر هذه الظاهرة ظالمة للأعمال المنافسة على الجوائز في المهرجانات السينمائية، حيث يسعى كل فيلم سينمائي أو وثائقي لجذب انتباه واهتمام الجمهور، بينما تؤثر هذه العملية على التوازن والتنوع الفني وتتسبب في إهمال أعمال قد تكون مهمة، لذا؛ فمن الضروري أن تحافظ المهرجانات السينمائية على التوقيت المناسب للبث وتحترم كل الأعمال المشاركة دون تفريط أو إفراط، لضمان العدالة وإنصاف الأطراف المتسابقة، وكذلك احترام البرنامج المقدم للجمهور في الكتالوج، فلا يعقل أن تتم برمجة فيلم على الورق في التاسعة وقد تم عرضه في الواقع مع السابعة، أو يتم وضع مكان العرض في الشرق والفيلم معروضا في الغرب.

ويجب التركيز على جوانب التخطيط والتنظيم في هذه المهرجانات السينمائية نظرا لدورها الحيوي في تشكيل ثقافة الأفراد والتعبر عن آرائهم ومشاعرهم، ويمكن أن يؤثر سوء التنظيم على جودة هذه التظاهرات ويسبب الفوضى خلال الأنشطة كتأخير العروض أو نقص الخدمات الأساسية، وهذه العوامل تقلل من رغبة الحضور في المشاركة مستقبلا، مما يستدعي تحسين التنظيم والتخطيط لضمان تجربة إيجابية للجمهور وتعزيز الحوار الثقافي والفني معه.

ويؤدي التخطيط السيئ إلى اختيار مواعيد غير مناسبة للأنشطة السينمائية، ما يسبب تضاربا مع أحداث أخرى مهمة أو مواسم فنية أخرى، وينقص من جاذبية الحدث ويؤثر سلبا على عدد الحضور والتفاعل مع الأعمال المعروضة، بالإضافة إلى ذلك، من المهم التأكد من وجود خطة محكمة للترويج للأعمال المعروضة، حيث تلعب هذه الخطة دورا كبيرا في جذب الجمهور وتحفيزه على المشاركة، إذ يتسبب الترويج غير المتناسق في عدم وصول المعلومات اللازمة إلى الفئة المستهدفة، ويسبب انخفاض الحضور وفقدان الفرصة لتأثير إيجابي أو تفاعل فعال مع النشاط السينمائي ككل.

ويدخل في نفس السياق سوء اختيار لجان التحكيم في المهرجانات السينمائية، إذ يمكن أن يضر بمصداقية المهرجان ويقلل من قيمته الفنية، فعندما يتم تتكون اللجان من أشخاص لا يمتلكون الخبرة الكافية في مجال السينما أو يتأثرون بالعوامل الخارجية مثل الصداقات أو المصالح المتبادلة، فإن النتائج تكون غير موضوعية وتؤدي إلى منح تكريمات غير مستحقة، كما أن سوء اختيار ضيوف المهرجان دون وجود مشاركة فنية يعتبر تبذيرا يفاقم المشكلة، إذ ينبغي أن تكون المهرجانات فرصة لتكريم ودعم المواهب الفنية الناشئة والمتميزة التي لها أعمال، وليس فقط فرصة للترفيه والاستمتاع مع ضيوف مسقطين.