الجزائر تفتح باب المساومات.. تسليم معارضين مقابل الغاز لفرنسا

قبل زيارة ماكرون الأخيرة وبعدها أُثيرت تساؤلات حول ثمن طي صفحة الخلافات بين باريس والجزائر وما إذا كان الأمر يتعلق بصفقة ما جرى بحثها في الغرف المغلقة وبعيدة عن أعين الإعلام.
الجزائر تحكم بالمؤبد على زعيم حركة القبائل الانفصالية المقيم في باريس
استضافة معارضين جزائريين كانت من أسباب التوتر مع فرنسا
هل يجازف ماكرون بمبادئ الحقوق والحريات مقابل الغاز الجزائري؟

الجزائر - أصدرت محكمة جزائرية أمس الاثنين حكما بالمؤبد ومذكرة توقيف دولية بحق رئيس 'الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبايل' المعروفة اختصارا باسم 'الماك' وهي حركة تدعو لانفصال منطقة القبائل، بينما يأتي هذا الحكم بعيد زيارة قام بها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون للجزائر بعد أشهر طويلة من التوتر والخلافات، ما فتح الباب لتأويلات أساسها صفقة محتملة بين النظامين قائمة على 'الغاز مقابل تسليم المعارضين'.

وكان عنوان الزيارة تعزيز العلاقات  الثنائية وطي صفحة الخلافات والتأسيس لمرحلة جديدة على أساس تعاون أوسع، بينما كانت أعين باريس على الغاز الجزائري في خضم أزمة طاقة بدأت تدق أبواب أوروبا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وقطع موسكو الغاز على دول الاتحاد الأوروبي التي فرضت عقوبات على روسيا.

وقبل الزيارة وبعدها أُثيرت تساؤلات حول ثمن إعادة تطبيع العلاقات بين باريس والجزائر وما إذا كان الأمر يتعلق بصفقة ما جرى بحثها في الغرف المغلقة وبعيدة عن أعين الإعلام.

وجاءت الإجابة سريعة على تلك الحيرة مع إصدار الجانب الجزائري حكما بالمؤبد بحق زعيم الماك الذي كان قد أسس في العام 2002 الحركة الانفصالية في باريس قبل أن يعلن في 2010 عن تشكيل حكومة منفى (من باريس أيضا) تضم تسعة وزراء ونصب نفسه رئيسا دولة القبائل.   

ويعتقد أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد طرح شروطا على نظيره الفرنسي لتحسين العلاقات تتضمن تسليم مطلوبين للجزائر بينهم زعيم 'الماك' الملاحق منذ عقود وكذلك شخصيات أخرى تتهمها السلطات الجزائرية بالإرهاب من بينها زعيم حركة رشاد الإسلامية وعدد من أعضاء الجماعة وآخرين من 'الماك'.  

وفي تفاصيل الحكم على زعيم 'الماك' المثير للجدل والذي سبق له أن زار إسرائيل وعبر عن دعمه لها وقارن وضعها بوضع القبائل، جاء في الحكم الإدانة أن مهني أنشأ "منظمة إرهابية" وإدارة تنظيم إرهابي.

وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية فإن الحكم أصدرته محكمة الدار البيضاء شرق العاصمة بحق فرحات مهني غيابيا عقب محاكمة عدد من أعضاء الحركة الموقوفين بتهم "إنشاء وتسيير منظمة إرهابية والمساس بسلامة ووحدة الوطن".

وفي أغسطس/آب الماضي، أصدرت النيابة العامة مذكرات توقيف دولية بحق مهني وعدد من أعضاء حركته في قضية أخرى تخص اتهام السلطات لهم بالوقوف وراء مقتل شاب في منطقة القبائل صيف عام 2021 بدافع خلق فتنة بين المواطنين.

و'ماك' حركة جزائرية ذات توجه انفصالي تأسست عام 2002 ويرأسها "مهني" وهو متواجد في فرنسا رفقة معظم قادتها.

وتدعو الحركة إلى استقلال محافظات يقطنها أمازيغ شرقي الجزائر. وأعلنت في 2010 تشكيل حكومة مؤقتة لهذه المنطقة وصنفتها الجزائر في مايو/أيار الماضي "منظمة إرهابية".

وقبل أسابيع دعا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون باريس إلى تسليم "مهني"، لكن لم يصدر رد من السلطات الفرنسية.

ويسلط الطلب الجزائري الضوء على أي مدى يمكن أن تذهب وباريس في تحسين العلاقات، بينما يبقى تسليم المطلوبين إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بملف الذاكرة والحقبة الاستعمارية، مفاتيح لأبواب العلاقات المعقدة والمتشابكة.

ولم يصدر عن باريس منذ زيارة ماكرون الأخيرة للجزائر، ما يفيد أن فرنسا مستعدة لتسليم مطلوبين لقاء الحصول على امتيازات اقتصادية من الشريك الجزائري الذي بات يشهر ورقة الغاز كورقة مساومة في قضايا مثل قضية مهني وآخرين.

وليس واضحا ما إذا كان ماكرون سينخرط مسار المساومات أو أنه صرف النظر عن شحنات غاز من الجزائر مقابل تسليم المطلوبين.

وفرنسا كغيرها من دول أوروبا تواجه وضعا صعبا بسبب أزمة الطاقة التي تؤثر على كافة المناحي وتهدد بانفجار الجبهة الاجتماعية في عدة دول أوروبية، بينما شهدت عواصم غربية في الفترة الأخيرة احتجاجات اجتماعية وشكلت في توقيتها إنذارا مبكرا للحكومة الأوروبية في حال عجزت عن معالجة أزمة الطاقة.

وتهدد أزمة الطاقة بتوقف كثير من المصانع وتقلص إمدادات الكهرباء للمواطنين مع ارتفاع قياسي في فواتير الطاقة وهو أمر لا يتحمله المواطن الأوروبي.

ولا يستبعد البعض أن ترضخ فرنسا للابتزاز الجزائري لضمان شتاء آمن لمواطنيهان لكن سيكون ذلك مجازفة وتعدي على مبادئ الجمهورية.

وفي الوقت ذاته يثير الحكم القضائي بحق مهني إشكالا قانونيا بغض النظر سلمته فرنسا أم لم تسلمه، فالجزائر سحبت منه الجنسية وبالتالي لا يخضع للقانون الجزائري.

ومهني المقيم في منفاه بباريس منذ عقود، يعتبر مواطنا فرنسيا بعد أن سحبت منه الجزائر جنسيتها بما يعني أنه في حال تقرر تسليمه فهذا يعني تسليم باريس مواطنا فرنسيا.   

وفي تناقض مثير، ترفض الجزائر انفصال منطقة القبايل وتعتبر الخوض في هذا الأمر تدخلا سافرا في شؤونها، بينما تدعم في الوقت ذاته النزعة الانفصالية التي تقودها جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية.

ويعبر النظام في الجزائري الذي يصفه خصومه بأنه واجهة لحكم الجنرالات، علنا وفي المحافل الدولية عن تأييده لتقرير المصير لما تسميه الشعب الصحراوي لحسم النزاع المفتعل في الصحراء.