الكرة الذهبية بين لغة الأرقام ولغة الأوهام!

منذ ظهوره الأول بألوان البلوغرانا، خطف 'البرغوث' الاضواء، أطاح بالأرقام، شتت هيكلية المهارات، ونحت اسمًا جديدًا في خانة أساطير كرة القدم، وليس اسمًا فحسب، بل مكانة لا يدانيه فيها أحد.
ريام الربيعي
بغداد

مما لا يخفى على أحد، أن اللاعب الأرجنتيني ليونيل أندريس ميسي، هو ليس مجرد لاعب، ولد في الأرجنتين، فإصطبغ بصبغة التميّز الكروي وحمل جينات الإبداع الذي تزجه هذه البلد في أبناءها، إنما ولد ليونيل، ليكون الاستثناء الذي تشهده كرة القدم على مر تاريخها.

فمنذ ظهوره الأول بألوان البلوغرانا، خطف ميسي الاضواء، أطاح بالأرقام، شتت هيكلية المهارات، ونحت اسمًا جديدًا في خانة أساطير كرة القدم، وليس اسمًا فحسب، بل مكانة لا يدانيه فيها أحد، وحتمًا سيصاب المتتبع بالعجز وهو يحاول أن يتصور أنه في يوم من الأيام سيأتي من يزيح ليونيل ميسي من عرش فرادته ويسحب من تحت أقدامه بساط استثنائيته.

ميسي الذي الذي جلس بكفة، لتجلس كرة القدم بمن فيها في الكفة الأخرى، يقطع العام تلو الآخر محطمًا الأرقام القياسية، بين الجوائز الفردية والأخرى الجماعية، وليست الكرة الذهبية بمنأى عن سطوته، فهو الذي كان أصغر من نالها، وأكثر من نالها، والذي نالها لهذا العام (2023) ليكون أكبر من نالها أيضًا، وليست الغرابة هنا، الغرابة تكمن في أولئك الذين يتحدون المنطق، وينكرون الحقائق، إما جهلًا، أو كيدًا، وليس أحد الأمرين أفضل من الآخر.

بعد أن تُوّج ليونيل ميسي بجائزة الكرة الذهبية الممنوحة من قبل مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية، ليلة الثلاثاء، الموافق الثلاثين من أكتوبر/تشرين الثاني من العام الحالي 2023، والذي كان المرشح الأبرز لها، عطفًا على ما قدمه من موسم مهم ومثمر سواء مع ناديه السابق، نادي باريس سان جيرمان، أو مع منتخبه، منتخب الأرجنتين الذي حصل على لقب بطولة كأس العالم، التي أقيمت في قطر في العام 2022، والتي كان لميسي كبير الأثر في حصول المنتخب الأرجنتيني على لقبها ليكون اللقب الثالث لراقصي التانغو، خصوصًا بعد البداية الصادمة للمنتخب بخسارته بهدفين مقابل هدف أمام المنتخب السعودي، المباراة التي تحمل ميسي الجزء الأكبر من الضغوط التي ترتبت على إثرها، ففضلا عن كونه اللاعب الذي تتجه إليه الأنظار بمثل هكذا مناسبات، كان هو أيضًا قائد المنتخب، بالإضافة إلى عامل العمر الذي قد لا يسعفه بنسبة كبيرة لخوض كأس عالم جديدة يحقق فيها حلمه وحلم بلاده، الكأس التي ظلت عصية عليه حتى وهو في أقصى درجات توهجه ولمعانه الكروي، ليبتسم له الحظ له أخيرًا في قطر، بعد جهد جهيد لإحراز اللقب.

هذه الملحمة التي سطرها ميسي ورفاقه، وما قدمه من موسم كروي رائع رغم بعض الشوائب التي شابته، وهو أمر وراد الحدوث بطبيعة الحال، لم تكن كافية لإقناع الخصوم بأحقية ميسي في نيل الكرة الذهبية الثامنة في مسيرته، بل أن البعض يقيس الأمور في مقياس أرقام الرياضيات فحسب، دون النظر لقيمة الأرقام والالقاب، متناسيًا، وغاضًا البصر عن لاعبين سبق وأن نالوا الكرة الذهبية بأرقام ومواسم جاءت أقل بكثير من موسم وأرقام ميسي، منها على سبيل المثال نيل الكرواتي لوكا مودريتش الكرة الذهبية الوحيدة في مسيرته، على حساب كل من ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ومحمد صلاح وحتى زميله السابق في النادي، الفرنسي فاران والذي كانت أرقامه أفضل من مودريتش بل وتوج مع المنتخب الفرنسي بلقب بطولة كأس العالم وقتها.

وليس هذا فحسب، فأرقام الفائز بجائزة الفتى الذهبي لعام 2023، وهو الإنكليزي جود بيلنغهام، لم تكن جيدة قياسا مع بعض منافسيه، بما قدمه من موسم سابق، حتى أنه لم يحرز أي لقب مع ناديه السابق دورتموند، منهم لاعب برشلونة الإسباني اليخاندرو بالدي، والالماني جمال موسيالا، بالإضافة إلى مناسبات أخرى سابقة، نال فيها بعض اللاعبين جوائز وكانوا هم الأقل استحقاقًا لها، لكن أصحاب الأهواء والميول وكذلك ركب المهرجين وكتيبة المغتاضين، وسرب المنجرفين مع التيار، لديهم دائمًا تفسيرات تخصهم، ونظريات تتغير مع المزاج، فتتحول الأرقام إلى أوهام متى ما شاؤوا، لتتناسب مع لاعبهم المفضل مهما كان مستواه، أو تطيح بمن لا يحبون مهما كان مستواه!!

في النهاية يبقى ليونيل ميسي رقمًا فريدًا، يضع من يستنكر عليه نيل الجوائز تباعًا، في موضع الجاهل بكرة القدم، ويعرّضه للسخرية دون شك.