المرشّح جو بايدن...

سيواجه الرئيس العجوز حواجز عدة في السنة ونصف سنة التي لا تزال تفصل عن موعد الانتخابات الرئاسيّة.

لن يكون سهلا على جو بايدن، الذي اعلن ترشيحه، الحصول على ولاية رئاسيّة ثانية وأخيرة. يعود ذلك إلى أسباب عدة في مقدّمها سنّه المتقدمة التي جعلته يبدو، في مرات عدة، كأنّه لا يمتلك كامل القدرة على التركيز.

من المتوقع اجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني – نوفمبر من السنة 2024. سيكون بايدن في الـ82 من العمر، إذ ولد في العشرين من تشرين الثاني – نوفمبر 1942.

ليس العمر وحده الذي سيلعب دورا ضدّ بايدن الذي يعتبر حاليا اكبر الرؤساء سنّا في تاريخ الولايات المتحدة. ثمّة عوامل أخرى لا تصبّ في مصلحة الرئيس الحالي وهو الرئيس الأميركي الـ46. من بين هذه العوامل وجود كمالا هاريس في موقع نائب الرئيس. لم تقدّم كامالا، وهي أوّل امرأة تشغل هذا الموقع، أي إضافة تذكر خلال وجودها إلى جانب الرئيس منذ مطلع العام 2021. على العكس من ذلك، لمعت بغيابها عن الساحة السياسية والأحداث الدوليّة وحتّى الداخليّة.

صحيح أنّ موقع نائب الرئيس موقع اقرب إلى الموقع الفخري في الولايات المتحدة، لكن الصحيح أيضا أنّ نواب الرئيس كانوا في الماضي يلعبون ادوارا معيّنة في خدمة المقيم في البيت الأبيض. على سبيل المثال وليس الحصر، كان ثمة وجود سياسي وثقل ما لجو بايدن نفسه في اثناء ولايتي باراك أوباما اللتين كان فيهما نائبا للرئيس.

ما سيقرّر في نهاية المطاف ما إذا كان جو بايدن سيحصل على ولاية ثانية هو الاقتصاد. تكفلت عبارة "إنّه الاقتصاد يا غبي" في منع جورج بوش الأب من الفوز بولاية ثانية امام بيل كلينتون في الانتخابات التي أجريت في تشرين الثاني – نوفمبر 1992. كانت النجاحات الخارجية التي حققتها إدارة بوش الأب من نوع استثنائي. ادار بوش الأب مع فريقه الأساسي المكون من جيمس بايكر (وزير الخارجيّة) وبرنت سكوكروفت (مستشار الأمن القومي) بنجاح، ليس بعده نجاح، مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الإتحاد السوفياتي. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ بوش الأب عرف كيف يخوض حرب تحرير الكويت في شباط – فبراير 1991 بعدما ارسل نحو نصف مليون جندي إلى المملكة العربيّة السعوديّة تمهيدا للمعركة النهائية في الكويت. اكتفى فريق العمل الأميركي (بوش - بايكر – سكوكروفت) بإعادة الكويت إلى أهلها. توقف الجيش الأميركي عند الحدود الكويتية – العراقية، علما أنّه كان في استطاعته الذهاب بكلّ سهولة إلى بغداد.

بعد حرب تحرير الكويت، بلغت شعبيّة بوش الأب ذروتها، لكنّ ذلك لم يصنع أي فارق. عندما جاء موعد الانتخابات الرئاسيّة، سقط امام بيل كلينتون الذي عرف كيف يدير معركته الإنتخابيّة والإستفادة من وجود مرشح ثالث (روس بيرو) أخذ نسبة من الأصوات من درب بوش الأب.

في كلّ الأحوال، ستكون امام بايدن سلسلة من التحديات يظلّ الاقتصاد أهمّها، لكنّ الأمر الذي لا يمكن الإستهانة به هو الحرب الأوكرانيّة. لا يتحمّل الرئيس الأميركي وادارته أي فشل في أوكرانيا حيث يبدو فلاديمير بوتين مصمما على خوض حرب طويلة من أجل البقاء في الكرملين. تواجه الولايات المتحدة في أوكرانيا رئيسا روسيا لا يمتلك أي شعور انساني أو أي علاقة بالقانون الدولي. يبدو فلاديمير بوتين وحشا مستعدا للكذب يوميا والإدعاء، حتّى، أن أوكرانيا تعتدي على روسيا، كي لا يخسر الحرب. يعرف الرئيس الروسي أن خسارة الحرب ستكلفه الكثير، بما في ذلك مستقبله السياسي.

سيكون على بايدن اثبات أنّ لا مجال للتراجع في أوكرانيا. ما على المحكّ، في ظلّ الحرب الأوكرانيّة، مصير أوروبا كلّها. جعلت أوكرانيا فلاديمير بوتين يرتمي في الحضن الإيراني ثمّ في الحضن الصيني كي يحصل على موارد تؤمن له متابع سياسة الأرض المحروقة. سيكون على بايدن، أيضا، إظهار أنّه قادر على اتباع سياسة تحدّ من نفوذ الصين من دون صدام مباشر معها. كيف ذلك؟ كيف يمكن تطويق الصين التي تعمل مع غير طرف، بما في ذلك فرنسا، من اجل المسّ بالمركز العالمي للدولار ومكانته؟

سيتوجب على بايدن، من اجل طمأنة الحلفاء، اتخاذ مبادرة ما في الشرق الأوسط في الخليج، إضافة إلى ما يقوم به في أوكرانيا. عليه عمل ذلك لتأكيد أنّ الولايات المتحدة ما زالت القوة العظمى الوحيدة في العالم. عليه جعل الآخرين يتذكرون أن الترسانة العسكرية الأميركيّة ما زالت ما زالت الأقوى وأنّها أداة ضغط على الأعداء والحلفاء... بما في ذلك إسرائيل، التي باتت تحكمها عصابة ارهابيّة. آخر ما يهمّ هذه العصابة السلام والإستقرار في الشرق الأوسط والخليج ومواجهة المشروع الإيراني.

يبقى ما تواجهه الولايات المتحدة على الصعيد الداخلي. يشمل ذلك الوثائق السرّية المسرّبة التي تكشف وجود ثغرات في الإدارة الأميركيّة. ليس معروفا، أقلّه إلى الآن، كيف تسرّت هذه الوثائق التي تستفيد منها روسيا التي تبيّن أن معظم أجهزتها ومؤسساتها مخترقة اميركيا... في العمق؟

يبقى أيضا ما العمل بدونالد ترامب الذي لن يكون مشكلة للحزب الديموقراطي فحسب، بل للحزب الجمهوري أيضا. ما يزال باكرا التكهن بما اذا كانت الإتهامات الموجهة إلى الرئيس السابق، الذي استخدم المال لإسكات نجمة أفلام اباحية اقام معها علاقة، ستقضي على مستقبله السياسي أم لا؟ يوجد رأيان في هذا الشأن. ثمّة من يرى ترامب في السجن يوما وثمّة من يؤمن بأنّه يمتلك القدرة على الإلتفاف على الإتهامات الموجهة إليه وتوظيفها في مصلحته. في نهاية المطاف، لا يمكن الإستهانة بالرئيس الأميركي السابق الذي يهابه منافسوه في داخل الحزب الجمهوري الذي يبحث عن مرشح للسنة 2024.

سيواجه الرئيس العجوز حواجز عدة في السنة ونصف سنة التي لا تزال تفصل عن موعد الانتخابات الرئاسيّة. الأمر الوحيد الأكيد أنّه ليس بالبساطة التي يعتقدها كثيرون، خصوصا في ضوء الخبرة السياسية التي يمتلكها منذ صار عضوا في مجلس الشيوخ في العام 1972 وكان لا يزال في الـ29 من العمر.