المسرح البلدي فضاء مفتوح على احتفالات واحتجاجات التونسيين

'كازينو تونس البلدي' يعد رمزا لحرية التعبير في البلاد، فهو منبر لخطابات زعماء السياسة وقادة التحركات الاحتجاجية الاجتماعية على حد السواء.

تونس - لو عاد بنا الزمن إلى العهود القديمة لقلنا إننا داخل "الأغورا" (ساحة) في أثينا، حيث يتحدث الفلاسفة وأهل السياسة والحكماء في شؤون المدينة. لكننا حقيقة في مدارج المسرح البلدي بتونس العاصمة، الذي شيّده المهندس المعماري الفرنسي جان إميل رسبلندي في عام 1902.

هذه المدارج الجميلة، المفتوحة على شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، تحولت إلى منبر لخطابات زعماء السياسة وقادة التحركات الاحتجاجية الاجتماعية.

ولا يعتبر المسرح البلدي أو كما كان يعرف "كازينو تونس البلدي" المسرح الرئيسي بتونس العاصمة فحسب، بل أهم المسارح في تونس، وهو يقع بشارع الحبيب بورقيبة.

كان المسرح البلدي في بدايته خاصا بالجاليات الأوروبية، والأوساط القريبة من الحكم آنذاك. لكن مع مرور الزمن، بدأ المسرح ينفتح تدريجيا أمام العامة وخاصة بعد الاستقلال، حيث عمل المسرحي علي بن عياد في هذا الاتجاه في أوائل الستينات، إذ كان مديرا لفرقة مدينة تونس، وقام بجلب الجمهور العريض للمسرح.

ومن على مدارج المسرح البلدي، قال وائل نوّار عضو مؤسس في مجموعة "قاوم" من أجل بديل اشتراكي (يسار) "يمكن أنا أكثر شخص أتى إلى هذا المكان مع مجموعة من الرفاق للقيام بتحركات في مواضيع مختلفة".

وأوضح "علاقتي بمدارج المسرح كانت على مرحلتين، الأولى مرحلة الحصول على مربع الحرية وبدأت في عهد" الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

في 14 يناير/كانون الثاني 2011، أطاحت ثورة شعبية بالرئيس التونسي آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011)، وامتدت الاحتجاجات إلى دول عربية أخرى، فأسقطت الأنظمة الحاكمة في مصر وليبيا واليمن.

وتابع نوّار "كان حلمنا أن نوصل المسيرات إلى شارع الحبيب بورقيبة. نقف على مدرجات هذا المسرح الكبير لنقول إننا ضد بن علي ومع الحرية والديمقراطية. ونجحنا في بعض المسيرات الكبيرة، ولكن عموما لا يتركوننا ندخل شارع الحبيب بورقيبة".

وعن المرحلة الثانية، قال "بعدها جاءت الثورة ودخل كل الشعب التونسي إلى شارع بورقيبة أمام وزارة الداخلية وأمام المسرح، وأصبح رمزا لمربع الحرية، ومن هنا أتت رمزية المسرح".

وأشار إلى أن "التحركات في الأحياء الشعبية وكل المطالب تُطرح هنا... الناس يأتون من كل مكان إلى قلب المدينة ليقولوا هذه مطالبنا".

وشدد وسيم بن مسعود الأمين العام للاتحاد العام التونسي للطلبة على أن "المسرح مكان رمزي بالنسبة لنا"، مضيفا "نحن كاتحاد وكطلبة جميعا بعد الثورة التونسية اعتدنا كل سنة الاحتفال في هذا المكان بعد خروج نتائج الانتخابات الطلابية".

وتابع أن "الاتحاد وجميع المنظمات الطلابية تنزل إلى هذه المدارج للاحتفال بانتصار نقابي أو الفوز بنتائج انتخابات المجالس العلمية أو للاحتجاج، وهو المكان الرمزي وسط شارع الثورة الحبيب بورقيبة"، قائلا "نحتفل بانتصاراتنا الدائمة في انتخابات المجالس العلمية منذ 10 سنوات هنا".

أما عبدالرؤوف بالي عضو نقابة الصحفيين التونسيين السابق، فقال إن "هذه الظاهرة انطلقت منذ يناير/كانون الثاني 2011، وفي السابق كان ممنوع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة".

وشدد بالي على أن كل التظاهرات في زمن بن علي، التي أرادت الوصول لشارع الحبيب بورقيبة، تم "الاعتداء عليها"، متابعا "ما بعد 14 يناير/كانون الثاني 2011، أصبح شارع الحبيب بورقيبة هو الشارع الرمز في تونس للتحركات الاجتماعية، وبالخصوص مدارج المسرح البلدي التي تحولت إلى منصة للخطابة".

أصبحت تحركات "كل قيادات التحركات السياسية والاجتماعية وحتى الفنية والثقافية مركزة على تخصيص حيز كبير لمدارج المسرح البلدي، خاصة عندما تكون هناك خطب أو تجمعات لرفع شعارات معينة"، وفق بالي، مضيفا "طيلة 13 سنة، تحصّل المسرح البلدي على تلك الرمزية، حيث إنه في أغلب الأحداث لا نتحدث عن الشارع الرمز، شارع الثورة أو شارع الحبيب بورقيبة، بل أصبحنا نتحدث عن المسرح البلدي ومدارج المسرح البلدي".

وتابع "نحن بصدد خلق رمزية جديدة لهذا الفضاء، حيث خرج من طابعه الثقافي الذي بُني من أجله وأصبح رمزا سياسيا والشعار الأبرز لكل التحركات الاجتماعية والسياسية في تونس".

وأكد بن مسعود مشاركا بالي الرأي بشأن المسرح البلدي، أنه "منبر الجماهير بصفة عامة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والاتحاد (العام للطلبة) دائما يوجد هنا مثل كل المنظمات الأخرى، وهذا يمثل رمز الحرية بالإضافة إلى رمزيته للفن كمسرح"، مضيفا أن "الجميع الآن ينزل إلى المسرح البلدي للتضامن مع القضية الفلسطينية".

وبالنسبة لتركز التحركات المؤيدة للشعب الفلسطيني في مدارج المسرح البلدي، قال بالي "للأسف هذا صحيح، فمن المفترض أن التظاهرات الداعمة لفلسطين والمناهضة للجرائم الصهيونية في غزة، تتجه إلى السفارات الداعمة لإسرائيل.. وسفارة فرنسا لا تبتعد كثيرا عن مكان المسرح البلدي".

وبحسب نوّار، فإنه "للأسف المسرح مثل أشياء أخرى... فقد رمزيته، وتحول إلى مربع متحكم فيه.. تجد حواجز حديدية هنا وهناك في محيط ساحة المسرح البلدي ورجال أمن في كل مكان وكاميرات في كل زاوية.. أصبح مكان تشعر فيه بالاختناق".

لكن بن مسعود يخالف نوّار الرأي قائلا "لا تزال لمدرجات المسرح البلدي جاذبية وشاهدنا خلال العدوان الإجرامي على إخوتنا في غزة أن كل الاحتجاجات التلميذية والطلابية والعمالية والسياسية، وحتى التي لا تؤطرها أي جهة، تقصد المسرح البلدي".

غير أن نوّار رأى أن "كثيرا من الناس يأتون إلى المسرح لتلك الجاذبية، ولا يزالون يعتبرونه رمز الحرية والثورية ومكان التقاء الجميع، ولكن هناك أناس آخرون يرونه منطقة مرفهة للممارسة السياسية الآمنة والخطاب الاستعراضي"، مضيفا بأنه "إلى حد الآن يجذب المسرح المسيرات الطلابية، وإلى حد اللحظة لو يقع حدث قوي في تونس يتطلب الاحتجاج، سيجتمع الجميع في المسرح البلدي الذي تحوّل إلى نقطة جذب".