'الهود' فكرة جيدة وتنفيذ فني ضعيف وحرية لم تُستثمر

عرض فرقة مسرح الشباب ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي يندرج ضمن انفتاح في المملكة انعكس إيجابيا على فن المسرح كتابة وإخراجا وتمثيلا.

الانفتاح الذي شهدته المملكة العربية السعودية منذ تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في مختلف الفنون التعبيرية والبصرية، انعكس إيجابيا على فن المسرح كتابة وإخراجا وتمثيلا، وهذا ما أكد عليه عرض "الهود" الذي قدمته فرقة مسرح الشباب ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، وهو من تأليف راشد الشمراني وإخراج معتز العبد الله، وشاركت في تمثيلهربما للمرة الأولى ثلاث فنانات هن: ريم بساطي، ودينا العنزي وعهود النفيعي، وناقش ربما أيضا للمرة الأولى فكرة الاستبداد الذي يمارسه الآخر الدخيل على ابن البلد، ومحاولاته السيطرة على مقدرات وأرزاق أهل البلد، وأن الخلاص من هذا الدخيل يبدو أمرا ليس هينا في ظل تراجع الوعي الجمعي.

العرض الذي انطلق من صرخة مدوية في ظلام الخشبة، ختم أيضا بنفس الصرخة حيث توضحت دلالتها، فأهل البلدة صيادون يقيمون في أكواخ تطل على البحر الذي يعد مصدر رزقهم الرئيسي، يرتدون لباس البحر وهو لباس يؤشر إلى منطقة جازان وفرسان بالممكة العربية السعودية، حيث يرتدي الرجل الذي يعيش على الساحل ويزاول مهنة الصيد الصدرية أو الفنيلة البيضاء والإزار، الذي يسمىالفوطة أو الحوك، أهل البلدة تلك يغنون ويضحكون ويرقصون ويعشقون بملء قلوبهم، ويمارسون طقوسهم ببهجة، هؤلاء الطيبون يحكم قبضته عليهم دخيل تميز عنهم بصدرية سوداء وقوة بدنية وأساليب تعتمد الدجل والشعوذة والابتزاز وسيلة للإقناع والسيطرة، وصوت جهوري مفزع إذا أمر أو غضب.

صرخة الفتاة التي دوت في ظلام الخشبة قبل أن تضاء على بداية العرض لنرى الفتاة وهي تتساءل عن غياب حبيبها، ثم تشاركها صدقتين إحداهما تحب أيضا والأخرى تبحث عن حبيب، هذه الصرخة لم تخرج دلالاتها عن كون تلك الفتاة فقدت حبيبها الوطني الشريف ليتزوجها الشرير الدخيل غصبا وضد إرادتها، وترد كلمة "الاغتصاب" عرضا ولمرة واحدة.

والفكرة للأسف رؤيتها مشتتة وغير مترابطة في سياقي درامي واضح يحمل إشاراتها وينبئ عما تتهدفه من رسالة إلى المتفرج، لكنها بالنهاية يمكن أن نرى أنها ترمي إلى الاستبداد الجاهل القائم على الخزعبلات وتلاعبه بمقدرات الناس وسرقتها، فهذا الدخيل الشرير الجاهل "أبوشداد" يرى أنه من يمنح الحياة لأهل البلد، فيحول بينهم والبحر، فلا يذهبون للصيد دون إذنه، بل إنه يحدد لهم يوم الصيد وعدد السمك الذي يصطادونه، فهو يعرف مواعيد وجود السمك، ولابد للصياد أن يذكر اسمه 7 مرات حتي يأتيه السمك.

يقف في مواجهة هذا الشرير الذي تصور له خزعبلاته أنه إله، "يحيي" ابن البلدة والذي يتبادل مع الفتاة "سلمي" الحب، ويفند خزعبلاته وأكاذيبه أمام أهل البلد الذين بدوا غير قابلين للنصح، بل راضخين لما يأمرهم به "أبو شداد" ويحذرهم ويخوفهم منه.. لكن الأمر ينتهي بغياب "يحيي" وزواج أبو شداد/ اغتصابه لـ "سلمى" دون أن نرى حراكا في مواجهته.

العرض السعودي 'الهود'
'الفكرة للأسف رؤيتها مشتتة وغير مترابطة في سياقي درامي واضح'

سينوغرافيا العرض لم تتكامل مع القضية التي يطرحها، ولم تتمكن من توفير هرمونية وانسجام متآلف بين ما هو سمعي وبصري وحركي، سقط منها الزمان والمكان، بل جاءت فقيرة في ديكورها الذي لم يتجاوز كوخين متاعدين أمام شاطئ البحر وقرب الوسط درج للوقوف أو الجلوس عليه والتجمع حوله، كما لم تستغل فضاءات الخشبة والصوت والإضاء، وتجلت فيها العديد من الثغرات منها ضعف الصوت الممثلين بما فيهم الراوي الذي التزم جانب مقدمة خشبة المسرح قبل حتى أن يبدأ العرض بما يقرب من 15 دقيقة، وتحرك بنهايته، بل لم يكن صوته ضعيفا فقط إنما أيضا طريقة إلقائه كانت ركاكة يصعب تلقيها ومن ثم فهمها، هذا على الرغم من أنه يبدو أن لما ألقاه الراوي دورا مهما في فهم دلالات ما يحمل العرض.

وفي الإطار ذاته كانت حركة المجاميع ـ أهل البلد ـ لم يكن لها حضورا حركيا فاعلا. وهنا نتحدث عن السينوغرافيا باعتبارها كل ما هو بصري ومشهدي على الخشبة من جسد وديكور وإكسسوارات وماكياج وأزياء وتشكيل وصوت وإضاءةوغيره.

الموسيقى والأغاني والرقصات وطقس الختان لـ "يحيي" التي تخللت العرض، ربما تنتمي إلى مدينة جيزان وهي العاصمة الإدارية لمنطقة جازان الواقعة في أقصى الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية وتقع تحديداً غرب المنطقة على ساحل البحر الأحمر، لكن لا يمكن القول أنها ألقت الضوء أو دعمت الفكرة الأساسية، هذه فضلا عن أن أداء الممثلين مفردين وفي مجاميع لم يكن جيدا بل كان مفتعلا، وكشف عن عدم تمكن وضعف شديد في التكوين التمثلي له.

ويبقى السؤال حول معنى عنوان "الهود" ودلالته، والتي لم نجد في بحثنا عنه ما يشير إلى دلالة قريبة أو بعيدة بالفكرة الأساسية للعرض، فالمعنى الذي وجدناه كالتالي "الهَوْدُ: التَّوْبَةُ، والرُّجوعُ إلى الحَقِّ، وبالتحريكِ: الأَسْنِمَةُ،جمعُ هَوْدَةٍ"، و"الهود: الرجوع برفق، ومنه: التهويد، وهو مشي كالدبيب"، اللهم إذا كان هناك إسقاط لدلالة اسم "هود" نبي الله على الفكرة ودلالاتها انطلاق من أن نبي الله هود وقصته مع قومه "قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ"، وحيث كان هود محذرا وموجها وناصحا أمينا مع أهله لاتباع الحق، فكذلككان يحيي بطل العرض مع أهل بلده محاولا أن يثبت لهم ضلالات "أبوشداد" وأن بإمكانهم التوجه للبحر والحصول على خيراته.. وحتى إذا كان الأمر كذلك يظل العرض ضعيفا.