تصعيد لغاية سياسية، وحماس تعاملت بنضج

درس حرب 2021 كان بليغا: لا مساعدات وإعمار بعد الآن والعالم في حرب وعلى شفى كارثة غذاء.
الدخول في حرب 2021 أحد أكبر الأخطاء التي تدفع ثمنها غزة حتى اليوم
كيف لحماس التي نقلت المواجهة من الشيخ جراح إلى غزة أن تسكت هذه المرة

لم يكن مستبعدا أن تقوم دولة الاحتلال بتصعيد خاطف تكشر فيه الحكومة الانتقالية التي يقودها لابيد عن أنيابها بعد أن فشلت حكومة بينيت في أن تقدم شيئا في الملف الأمني. لم يكن التصعيد الأخير مجرد عملية موجهة ضد الجهاد الإسلامي فحسب، بل كان أيضا عملية حشد انتخابي لمعركة تشرين الثاني/نوفمبر المقبلة والتي مهد لها لابيد ليضاعف حظوظه أمام المنافس الشرس نتنياهو وذلك من خلال الترويج لنجاحه الأمني ضد التهديد القادم من غزة، ومن الجهاد الإسلامي تحديدا بالسرعة القصوى وبأقل الأضرار. وهو ما يدفعنا الى اعتبار ما قد حصل في الأسبوع الماضي كان رسالة موجهة للداخل الإسرائيلي أكثر منها للجهاد الإسلامي. لقد عودنا السياسيون الإسرائيليون على لعب الورقة الأمنية في كل مرحلة تشهد فيها إسرائيل تغييرا في المشهد السياسي لأن التأثير بالورقة الأمنية وبملف الوضع في غزة هو القاسم المشترك لاهتمامات الشارع الإسرائيلي على اختلاف أطيافه وانتماءاته وهي البضاعة الوحيدة التي يمكن تسويقها للإسرائيليين بدون كساد.

من خلال التصريحات التي رافقت التصعيد، اتضح أن لابيد لم يكن يفكر في أن يستمر الوضع لأكثر من 3 أيام، لتجنب المخاطرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. داخليا كان الأفضل هو الخروج من المواجهة بدون تسجيل خسائر بشرية ينجر عنها انقلاب الرأي العام ضد هذه الخطوة التصعيدية التي رفعت من حالة الطوارئ وأعادت الإسرائيليين إلى الملاجئ. أما خارجيا فلضمان الحفاظ على مستوى العلاقات ادارة بايدن وعدم احراجها أمام الرأي العام الأميركي عندما تتجاهل ما يجري في غزة من استهداف لمدنيين، وتعلق عما يجري في حق الأوكرانيين وتصف بوتين بمجرم حرب.

أما في الجهة المقابلة أثارت ردة فعل حماس أثناء التصعيد الذي حصل بعدم دخولها المواجهة العديد من علامات الاستفهام. كيف لحماس التي نقلت المواجهة من الشيخ جراح إلى القطاع أن تسكت هذه المرة والصواريخ تسقط على غزة وتخلف ضحايا؟ هل كان ثمة اختلاف وجهات نظر بين سرايا القدس وكتائب القسام؟ أم أن حركة حماس تفكر بطريقة أخرى؟

تعاملت حماس بسياسة ضبط النفس أثناء أحداث اقتحام الأقصى من قبل مستوطنين خلال شهر رمضان الماضي واكتفت بالتهديد والوعيد من دون تقديم مؤشرات عن دخولها في تصعيد، ولم ترد أيضا على الضربة العسكرية التي استهدفت موقعين لها فور مغادرة بايدن لدولة الاحتلال في تموز/يوليو الماضي. ربما كان التفسير الأقرب لردة فعل حماس هو أنها أدركت أن الدخول في مواجهة عسكرية في ظل هذا الوضع الاقتصادي الكارثي هو دخول في لعبة لابيد الانتخابية بدون فائدة، لا بل سيزيد الطين بلة ويلغي الآلاف من تصاريح العمل ويزيد من إجراءات الحصار المفروض بالشكل الذي يجعل الأمور تحسب ضدها داخل القطاع وتحملها مسؤولية تدهور الوضع بدل البحث عن حلول للخروج منه.

لقد كان الدخول في حرب 2021 أحد أكبر الأخطاء التي تدفع ثمنها غزة إلى حد اليوم. يومها، لم تستقرأ حماس الأحداث جيدا وراهنت على حلفائها وتوقعت أن تدخل حقائب المال كالعادة وأن يأتي الدعم المادي من الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل كـ "صك للغفران"، ولم تتوقع دخول العالم بما فيه غزة في أزمة اقتصادية جديدة عنوانها الغاز والقمح. استفادت حماس من أخطائها السابقة وخرجت بموقف يتسم بالعقلانية وعدم التهور، وبدرس ما قد تكون عليه الأمور بعد الحرب وكيف سيتعامل الشارع مع ذلك. لقد استشعرت أيضا أن الجبهة الشعبية لا تتحمل المزيد من الضغط وأنه من الواجب عدم الذهاب بالأمور في اتجاه ضيق قد يرهن حتى بقائها في السلطة وهي تعلم أن شعبيتها انخفضت بعد موجة الغلاء وزيادات الضرائب والرسوم الأخيرة.

أيا كان السبب فالحقيقة الواضحة أن غزة المحاصرة والتي لا تملك من أمرها شيئا، لا تستطيع تحمل تكلفة جديدة لمواجهات لن تحمل إلا الدمار ولن يتقاسمه أحد معها لا من داخل فلسطين ولا من خارجها ولن تكون ملايين قطر او برامج المساعدات سوى مسكنات غير قادرة على استئصال الورم. الغزيون اليوم لا يريدون الدخول في لعبة الانتخابات الإسرائيلية والتصعيد الذي سيضاعف فاتورة الإعمار، بل يبحثون عن المزيد من الإجراءات التي تخفف الحصار وتسمح باستمرار المشاريع المصرية للإسكان. غزة تحتاج استراحة محارب لتنفض الغبار وتلتفت إلى حقها في الحياة بعيدا عن الأجندات الداخلية أو الخارجية وبعيدا عن المساومة باسم المقاومة أو التخوين بسبب الحق في العيش الكريم. غزة سئمت رائحة الموت وصوت الصواريخ والطائرات، وتتطلع إلى مصالحة وطنية تسقط فيها الولاءات والمخاصمات وتمتد فيها الأيادي لتوحيد الصف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من القضية الفلسطينية.