تقارب روسي جزائري يعجل بزيارة ماكرون للجزائر

الرئيس الفرنسي يحل ضيفا على نظيره الجزائري الاسبوع المقبل في محاولة لترميم الشروخ في العلاقات بين البلدين بعد أشهر طويلة من التوتر وضمن مسعى لقطع الطريق على توسع النفوذ الروسي.

باريس - أعلن قصر الإليزيه السبت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور الجزائر من 25 حتى 27 اغسطس/اب بهدف إعادة إحياء الشراكة بين البلدين بعد شهور من التوتر وفي خطوة تأتي وسط توجس فرنسي من تقارب روسي جزائري لافت.

وجاء في بيان للرئاسة الفرنسية صدر بعد اتصال هاتفي بين ماكرون ونظيره الجزائري عبدالمجيد تبّون إن "هذه الزيارة ستساهم في تعميق العلاقات الثنائية مستقبلا.. وتعزيز التعاون الفرنسي-الجزائري في مواجهة التحديات الإقليمية ومواصلة العمل على ذاكرة" فترة الاستعمار.

وتدهورت العلاقات بين باريس والجزائر العام الماضي بعدما اتهم ماكرون النظام "السياسي-العسكري" الجزائري بتكريس سياسة "ريع الذاكرة" بشأن حرب الاستقلال وشكك في وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي.

واستدعت الجزائر سفيرها في فرنسا حينذاك، ليعود لاحقا بينما بدا أن البلدين أعادا ترميم العلاقات.

ونالت الجزائر استقلالها عن فرنسا عام 1962 بعد حرب استمرت ثماني سنوات بين الثوار الجزائريين والجيش الفرنسي انتهت بتوقيع اتفاقيات إيفيان التاريخية.

وفي الخامس من يوليو/تموز من العام ذاته وبعد أيام على تصويت 99.72 بالمئة من المشاركين في استفتاء لصالح الاستقلال، تحررت الجزائر أخيرا من الحكم الاستعماري، لكن ذكريات الاحتلال الذي استمر 132 عاما ما زالت تخيّم على علاقاتها مع فرنسا.

ويسعى الرئيس الفرنسي الذي واجه نكسات عسكرية في منطقة الساحل انتهت بسحب قواته من مالي بعد نحو تسع سنوات من عملية برخان ضد الجهاديين، إلى ترميم الشروخ في العلاقات مع الجزائر لاعتبارات منها الحاجة إلى شريك يدعم جهوده في الحرب التي يخوضها على أكثر من جبهة في دول الساحل والصحراء.

وسبق للجزائر في غمرة التوتر مع فرنسا أن أغلقت أجوائها في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية، ما وضع الرئيس الفرنسي في موقف صعب مع الصعوبات التي كانت تواجهها قواته في مالي.

وسحبت فرنسا مؤخرا آخر كتيبة لها من مالي لتنتقل إلى النيجر بعد توترات شديدة مع المجلس العسكري الذي اتهم باريس بارتكاب جرائم وانتهاكات واسعة.

وفتح المجلس العسكري الباب لنفوذ روسي واسع في المنطقة وبدأت قوات من مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية في ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الفرنسي والأوروبي من مالي.

وتحتدم المنافسة بين أكثر من طرف خارجي على النفوذ في غرب افريقيا وعلى مكامن ثروات ضخمة من الطاقة إلى الذهب وصولا إلى اليورانيوم فضلا عن كون القارة الافريقية سائرة للتحول إلى سوق ضخمة جاذبة.

وتتزاحم روسيا وفرنسا والولايات المتحدة على مواطئ قدم ثابتة في القارة من بوابات التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي، لكن تبدو موسكو الأوفر حظا لانتزاع موقع متقدم بعد أن استثمرت موجة العداء في افريقيا لفرنسا وتراجع دور الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي أعاد صياغة استراتيجية الانتشار العسكري الأميركي وتخفيف الأعباء الخارجية عن القوات الأميركية ضمن سياسة 'أميركا أولا'.

وفي خضم هذا المشهد المعقد، تتحرك فرنسا أيضا لعدم ترك الساحة الجزائرية لروسيا وسط تقارب روسي جزائري لافت.

ويريد ماكرون ترميم الشروخ في العلاقات مع الجزائر لحماية مصالح بلاده في المستعمرة الفرنسية السابقة وقطعا للطريق على نفوذ روسي واسع.

وتحولت الجزائر في ذرة التوتر مع فرنسا إلى أحد أكبر وجهات الدبلوماسية الروسية. وتبادل البلدان زيارات على أعلى مستوى شملت في جزء كبير منها زيارة وفود عسكرية من البلدين.

ويعتقد أن التقارب الروسي الجزائري مرده أيضا التقارب الأميركي المغربي فيما يتواجه البلدان الجاران حول قضية الصحراء المغربية.

وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو الانفصالية بينما نجح المغرب في سحب البساط من تحت أقدام الجزائريين بحصوله على دعم قوي لمقترح الحكم الذاتي تحت سيادته والذي يطرحه كحل واقعي للنزاع المستمر منذ عقود.

كما حصلت الرباط على اعترافات دولية متتالية بمغربية الصحراء وهو أمر دفع الجزائر والبوليساريو إلى عزلة أكبر.