توجه لتوسيع تعريف معاداة السامية في أميركا بعد الاحتجاجات في الجامعات

الشرطة تنفذ عمليات توقيف جديدة بحق طلبة مؤيدين لفلسطين بعد تدخلها في مؤسسات تعليمية في لوس أنجليس ونيويورك.
مؤرخة في جامعة هارفارد تؤكد أن ما تشهده الجامعات غير مسبوق منذ حرب فيتنام

واشنطن - صوّت مجلس النواب الأميركي الأربعاء لصالح توسيع التعريف المعتمد في وزارة التعليم لمصطلح معاداة السامية، في خطوة لا تزال بحاجة لأن يقرّها مجلس الشيوخ وتأتي ردّاً على الاحتجاجات المؤيّدة للفلسطينيين في جامعات البلاد.
ويتّهم جزء من الطبقة السياسية الأميركية المتظاهرين في الجامعات بـ"معاداة السامية"، ويستدلّون على ذلك، من بين أمور أخرى، برفع المحتجّين شعارات معادية لإسرائيل، الحليف الكبير للولايات المتّحدة في الشرق الأوسط.
وعصر الثلاثاء، أقرّ المجلس بأصوات نواب من الحزبين مشروع قانون يعتمد تعريف معاداة السامية كما اقترحه "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة". ووفقاً لهذا التعريف فإنّ "معاداة السامية هي تصوّر معيّن لليهود يمكن أن يتجلّى بكراهية تجاههم. تستهدف المظاهر الخطابية والمادية لمعاداة السامية أفراداً يهوداً أو غير يهود و/أو ممتلكاتهم ومؤسسات مجتمعية وأماكن عبادة".
بالمقابل، يقول منتقدو مشروع القانون إنّ هذا التعريف يحظر انتقادات معيّنة لدولة إسرائيل، وهو أمر يدافع عنه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
ويتّهم معارضو النصّ أعضاء الكونغرس بالسعي لإقرار هذا التشريع سريعاً من أجل استخدامه للحدّ من حرية التعبير في الجامعات الأميركية. وحذّر النائب الديمقراطي جيري نادلر الذي يعارض النصّ من أنّ "التعليقات التي تنتقد إسرائيل لا تشكّل في حدّ ذاتها تمييزاً مخالفاً للقانون".
ولكي يصبح هذا النصّ تشريعاً سارياً يتعيّن على مجلس الشيوخ أن يعتمده، وهو أمر لا يزال غير مؤكّد، قبل أن يحال إلى الرئيس جو بايدن لتوقيعه ونشره.
وانتشرت الشرطة الأربعاء في عدد من الجامعات الأميركية حيث نفذّت عمليات توقيف جديدة بعد تدخلها في مؤسسات تعليمية في لوس أنجليس ونيويورك فيما تشهد الولايات المتحدة تعبئة طالبية مناهضة للحرب في غزة.
وفي جامعة تكساس في دالاس، فكّكت الشرطة مخيما احتجاجيا وأوقفت 17 شخصا على الأقل بتهمة "التعدي الإجرامي" وفق ما ذكرت الجامعة.
كذلك، أوقفت سلطات إنفاذ القانون الكثير من الأشخاص في جامعة فوردهام في نيويورك وأخلت مخيّما نصب صباحا في الحرم الجامعي، بحسب مسؤولين. من جهتها، أفادت شرطة نيويورك خلال مؤتمر صحافي أن نحو 300 شخص أوقفوا في جامعتين في المدينة.
وليل الثلاثاء الأربعاء، أخرجت القوات الأمنية التي تدخّلت بصورة مكثفة الطلاب الذين كانوا يحتلّون مبنى في جامعة كولومبيا العريقة في مانهاتن احتجاجا على الحرب في غزة.
وقال مغناد بوس وهو طالب في جامعة كولومبيا شهد عملية تدخل الشرطة "تعاملت الشرطة معهم بشكل وحشي وعدائي".
بدوره، قال تحالف يضم مجموعات طالبية مؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا على إنستغرام "أوقفوا أشخاصا بشكل عشوائي أصيب عدد من الطلاب لدرجة أنهم احتاجوا لأن ينقلوا في المستشفى".
من جهتها، قالت رئيسة الجامعة نعمت شفيق المعروفة أيضا بمينوش شفيق الأربعاء "يؤسفني أننا وصلنا إلى هذه النقطة".
وأوضحت أن المتظاهرين يقاتلون "من أجل قضية مهمة" لكن "أعمال التدمير" الأخيرة التي أقدم عليها "طلاب وناشطون من خارج" الجامعة استدعت اللجوء إلى الشرطة، منددة ب"التصريحات المعادية للسامية" التي ألقيت خلال هذه التجمعات. وكذلك، فكّكت مخيمات أخرى الأربعاء في جامعتَي أريزونا في توسون (جنوب غرب) وويسكنسن ماديسون (شمال) وفق وسائل إعلام محلية.

الشرطة تحاول تطويق الاحتجاجات الطلابية
الشرطة تحاول تطويق الاحتجاجات الطلابية

وتتصاعد موجة الاحتجاجات الطالبية منذ أسبوعين في كبرى الجامعات الأميركية من كاليفورنيا غربا إلى الولايات الشمالية الشرقية، مرورا بالولايات الوسطى والجنوبية مثل تكساس وأريزونا، ضد الحرب في غزة وللمطالبة بقطع إداراتها روابطها بمانحين لإسرائيل أو شركات على ارتباط بها.
وفي جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، وقعت صدامات ليل الثلاثاء الأربعاء عندما هاجمت مجموعة كبيرة من الأشخاص، العديد منهم ملثمون، مخيما مؤيدا للفلسطينيين.
وحاول المهاجمون اختراق حاجز وضع حول المخيم، ثم اشتبك المتظاهرون والمحتجون المناهضون لهم بالعصي وتراشقوا بالمقذوفات. وعاد الهدوء الأربعاء، لكن سيارات الشرطة كانت ما زالت موجودة في المكان.
وروى الطالب دانيال هاريس (23 عاما) "يجب على الجامعة أن تمنع المحتجين عن مهاجمة الأشخاص المسالمين" مضيفا أن المهاجمين "لا يبدو أنهم طلاب أو أشخاص لهم أي صلة بالجامعة".
وكان الرئيس التنفيذي لجامعة كاليفورنيا جين د. بلوك حذّر قبل اندلاع أعمال العنف من وجود أشخاص غير منتسبين إلى الجامعة.
من جهتها، أعلنت جامعة براون في بروفيدنس بولاية رود آيلاند (شمال شرق) التوصل إلى اتفاق مع الطلاب، يقضي بتفكيك مخيمهم الاحتجاجي في مقابل تنظيم الجامعة عملية تصويت حول "سحب استثمارات براون من شركات تسهّل وتستفيد من الإبادة الجماعية في غزة". وبحسب تعداد نفذت الشرطة منذ 17 نيسان/أبريل عمليات توقيف في 30 حرما جامعيا على الأقل.
وانتشرت صور عناصر مكافحة الشغب في الجامعات، الذين تدخّلوا بناء على طلب إداراتها، في كل أنحاء العالم، ما ذكّر بأحداث مماثلة وقعت في الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام، وذلك قبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر في بلد يشهد استقطابا سياسيا شديدا.
من جهته، أكد البيت الأبيض الأربعاء أنه يدعم حق الأميركيين في الاحتجاج مشددا على أن "نسبة صغيرة من الطلاب تتسبب بهذا التعطيل" في حرم الجامعات.
وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار لصحافيين "نرى أن عددا صغيرا من الطلاب يتسببون بهذا التعطيل وإذا أرادوا الاحتجاج فيحق للأميركيين القيام بذلك بطريقة سلمية وفي إطار القانون".
وشددت على أن البيت الأبيض "سيواصل التنديد بخطاب الكراهية كما يفعل" منددة بمعاداة السامية.
والى الآن، لزم الرئيس الأميركي جو بايدن الصمت بشكل كبير في هذا الشأن، الا أنه دان في نيسان/أبريل الماضي التحركات "المعادية للسامية" في الجامعات مع بداية الاحتجاجات في جامعة كولومبيا.
وخلال تجمع حاشد في ولاية ويسكنسن، اعتبر الرئيس السابق دونالد ترامب أن "نيويورك كانت تحت حصار الليلة الماضية". وقال إن الرئيس جو بايدن "يجب أن يتكلّم".

واعتبرت المؤرخة في جامعة هارفرد جولي روبن التي عملت على النشاط الطالبي، أن المظاهرات الطلابية تتضمن أوجه شبه مع تحركات احتجاجية سابقة في البلاد.
وفي رأيها أن "الانقسامات العميقة المشحونة بالمشاعر" بشأن غزة فضلا عن استعانة بعض الجامعات بالشرطة للتدخل في حرمها، تذكر ببعض جوانب التظاهرات الطالبية احتجاجا على حرب فيتنام في الستينات والسبعينات.
وقالت إن الستينات شهدت أكبر حقبة من التظاهرات الطالبية في الولايات المتحدة ودول أخرى عدة. التحرك الأول الأوسع بدأ في 1964 وبين العامين 1968 و1972، كانت التظاهرات كثيرة جدا وشملت خصوصا الحقوق المدنية وحقوق الطلاب والحريات والنساء وكان ثمة موضوع رئيسي هو حرب فيتنام.
وأضافت " لم تشهد أي مرحلة أخرى، ست سنوات من التظاهرات الكثيفة حول مسائل مختلفة في الكثير من حرم جامعات الولايات المتحدة. كانت فترة فريدة من نوعها" متابعة " لكن منذ ذلك الحين، صارت التظاهرات أكثر انتظاما. أحيانا تكون محدودة وتتعلق بمشاكل محلية وأحيانا تصبح حركة تشمل البلاد برمتها مثل التظاهرات بوقف تمويل جنوب إفريقيا".
وتابعت " اصطدمت الدعوة بوقف التمويل بخصوص جنوب إفريقيا، بمقاومة كبيرة واحتجاج إلى سنوات من النضال لكي تفك الكثير من الجامعات ارتباطها. وكان كثيرون يظنون أن هذا الأمر ليس بالضرورة جيدا للجامعات. لكن لم تكن ثمة انقسامات كبيرة بهذا الشأن. لم يكن الموضوع مدفوعا بالمشاعر كثيرا ولم يكن الناس ينقسمون بشأنه بشكل عميق.".
وقالت "أرى أن تظاهرات الستينات شبيهة أكثر بما يحصل الآن. فحرب فيتنام كانت مسألة تثير جدلا كبيرا. وكان الكثير من الناس يعتبرون أنها حرب غير أخلاقية والكثير من الطلاب في بداية الاحتجاج كانوا يعتبرون أن مناهضة الحرب تعني الوقوف ضد مصالح الولايات المتحدة".
وأضافت " اعتبرُ أيضا أن الاهتمام بالتظاهرات من خارج الجامعات وحتى التنديد بالطلاب، كان أمرا قويا جدا خلال التظاهرات ضد حرب فيتنام حيث حصلت انتقادات خارجية كثيرة ومورست ضغوط سياسية كثيرة لاسكاتها. وهذا ما نلاحظه راهنا أيضا.

وقال أحمد رزق (44 عاما)، وهو أب لخمسة أطفال يتخذ من رفح بجنوب قطاع غزة ملاذا له، "إحنا بنتابع المظاهرات في الجامعات الأميركية على السوشيال ميديا. كل يوم بحزن، إحنا بنكون حزينين، أنه هاي المظاهرات ما بتحصل في الدول العربية والإسلامية".

ويلوذ برفح ما يزيد على مليون شخص التماسا للنجاة من الهجوم الإسرائيلي. وعلى إحدى الخيام ظهرت عبارة شكر لطلبة جامعة كولومبيا الأميركية المتضامنين مع غزة، جاء فيها "شكرا للطلبة المتضامين مع غزة. رسالتكم وصلت. شكرا طلبة (جامعة) كولومبيا".

وتتفاوت على الأرجح أسباب الهدوء النسبي في الجامعات والشوارع العربية بين الخوف من إثارة غضب الحكومات الاستبدادية والخلافات السياسية مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وحليفتها إيران والشكوك في قدرة الاحتجاجات على التأثير في سياسات أي دولة.

وربما يشعر الطلبة الأمريكيون بدافع أكبر للاحتجاج إذ تدعم حكومتهم إسرائيل وتسلحها في حين أن الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل تنتقد بشدة حملتها العسكرية.

وعندما سُئلوا عن الصراع، عبر عرب من المحيط إلى الخليج عن غضبهم من تصرفات إسرائيل وتضامنهم مع أهل غزة المحاصرين. وكانت الحرب الدائرة سببا في هدوء الاحتفالات هذا العام بشهر رمضان في أنحاء الشرق الأوسط.

ونُظمت بعض التجمعات لدعم الفلسطينيين، لا سيما في اليمن حيث دخل مسلحو حركة الحوثي في الصراع بتوجيه ضربات لسفن تجارية في البحر الأحمر.

ورغم أنهم لم يخرجوا إلى الشوارع، عبر مواطنون عرب بأنحاء المنطقة عن الخوف الشديد من تداعيات الحرب ودعمهم لأهل قطاع غزة في تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولكن أيا كانت أسباب غياب الاحتجاجات العامة، فإن البعض من أهل غزة يعقدون الآن مقارنات بين الاحتجاجات في الولايات المتحدة وردود الفعل العامة في البلدان العربية.

وقالت سها الكفارنة، التي نزحت من شمال غزة بسبب الحرب، "والطلبة العرب أنا بطلب منهم أنهم يعملوا زي (الطلبة) الأمريكان. وهم كان المفروض أنهم يعملون أكتر من إللي عملوه الأمريكان معانا".

وفي مصر التي أبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل سنة 1979، والتي حظر رئيسها عبدالفتاح السيسي الاحتجاجات العامة إلى حد كبير، تخشى السلطات من أن تتحول المظاهرات ضد إسرائيل إلى مظاهرات ضد الحكومة.

وفي احتجاجات على الحرب بموافقة الدولة في أكتوبر/تشرين الأول، انحرف بعض المتظاهرين عن المسار المتفق عليه وبدأوا في ترديد الشعارات المناهضة للحكومة، مما أدى إلى تنفيذ اعتقالات.

وخرجت بعض الاحتجاجات في الجامعة الأميركية بالقاهرة، حيث من غير المرجح أن تتدخل قوات الأمن في الحرم الجامعي. لكن ناشطا طلابيا هناك، طلب عدم الكشف عن هويته، قال إنه لا يزال من المحتمل أن يواجهوا عواقب للتظاهر.

وأوضح "الاعتقال هنا لا يشبه الاعتقال في الولايات المتحدة. الأمر مختلف تماما"، مضيفا أن هناك ما أسماه "عامل الخوف" الذي يمنع كثيرين من النزول إلى الشوارع.

والحسابات أكثر صعوبة في لبنان حيث أصبح النجاح في الدراسة أكثر أهمية على المستوى الشخصي بالنسبة لكثيرين من الشباب بعد سنوات من الأزمات السياسية والاقتصادية أدت إلى تقليص فرصهم في تحقيق الرخاء مستقبلا.

وللتاريخ المعقد في لبنان والدول العربية الأخرى، مثل الأردن الذي يستضيف عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين، دور في مسألة الاحتجاجات العامة.

وفي لبنان، ينحي بعض الناس باللائمة على الفلسطينيين في إشعال فتيل الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. ويخشى آخرون أن تقفز جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران على أي مظهر علني لدعم الفلسطينيين. وتتبادل الجماعة إطلاق النار مع إسرائيل منذ بداية الصراع في غزة.

وقال مكرم رباح أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت "العالم العربي لا يتصرف مثل (الجامعتين الأميركيتين) كولومبيا أو براون لأنه لا يملك رفاهية فعل ذلك".

وأضاف أنه، علاوة على ذلك، فمن غير الواضح ما الذي ستثمر عنه الاحتجاجات في مجتمعات تحظى فيه القضية الفلسطينية بالفعل بدعم الرأي العام إلى حد كبير ومضى قائلا "آليات السلطة وطرق تغيير المفاهيم العامة مختلفة تماما بين العالم العربي والولايات المتحدة"