سليانة تجتذب الزوار بتراثها الغذائي وصناعاتها التقليدية

المحافظة التونسية تحاول فك عزلتها بتقديم تجارب وتظاهرات مختلفة على أمل أن تصبح وجهة سياحية.

سليانة (تونس) - اختارت قرية المجينين سيدي عرفة من ولاية سليانة شمال غربي تونس إقامة احتفالية بتراثها الغذائي وصناعاتها التقليدية على أمل أن تصبح وجهة سياحية، ما يفك عزلتها ويثبت هويتها المحلية الخاصة.

قبل الوصول إلى القرية تشق طرقا وسط غابات الصنوبر ومرتفعات الجبال لتبرز لك منازل بيضاء متناثرة على السفوح، وهي طريق تعَّبق برائحة النباتات الغابية، مثل الإكليل والخلنج والزعتر.

هذه التجربة تشرح نفوس الزائرين قبل مشاهدة معروضات الحرفيين البدويين والاستمتاع بعروض الفروسية لفرقة أولاد حنش المحلية، وهي مؤلفة من شباب وفتيات بارعين، ضمن فعاليات ثقافية لإحياء "نهار الڨرش".

وأكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية الحبيب النهدي اهتمام المعهد الوطني للتراث (حكومي) بهذه الخصوصيات المحلية المتميزة.

وقال النهدي وهو يتجول بين معروضات الصناعات التقليدية من فخار البرامة ومنسوجات جميلة من نبتة الحلفاء الجبلية وورشات طبخ الخبز البدوي مثل الفطائر والمبسس والطابونة، "هناك تثمين من المعهد للتراث الغذائي من خلال وضعه في المرتبة الرابعة في قائمة التراث اللامادي لتونس، فالغذاء هوية بدوية لها علاقة بالهوية والرمزية، وبالتالي نحن نسير في سياق الخصوصيات المحلية وكل ما هو تنموي محلي".

والغذاء يحتل المرتبة الرابعة في تصنيف سباعي للتراث الثقافي اللامادي، بحسب وثيقة نشرها المعهد الذي يهتم بالآثار والتراث اللامادي.

وأضاف أستاذ علم الاجتماع أن "هذه المجتمعات التي بدأت تتحرك داخليا على مستويات متعددة، روحانية وثقافية ودينية.. والغذاء، وخاصة تظاهرة 'نهار الڨرش' الذي هو استعداد لشهر رمضان، نفهم منه أن الطعام له خصوصية مرتبطة بالأعياد والأديان والطقوس".

وتابع "هناك آداب للطعام وخصوصية بالنسبة إلى الريف والمجتمعات المحلية تتمثل في محافظة الغذاء على طابعه البيولوجي الصحي الذي يغذي ويجعل الإنسان في سعادة ويحافظ على الروابط الاجتماعية، لأن هناك موروثا كاملا يتعلق بالغذاء".

وكشف أن "العولمة لا تقدر أن تخترق هذا التراث المحلي الخصوصي، والعائلات التونسية كان لها ما نسميه بالاقتصاد المنزلي الرمزي"، مبينا أن "المرأة والعائلة تتحكم في غذائها داخل الأسرة، وبالتالي ليست في تبعية للنمط الاستهلاكي، وكلما ضعُفت الروابط والاهتمام بالاحتفالات التقليدية الدينية، تفككت العلاقة بالغذاء التقليدي".

وأشاد بأهمية الموروث الغذائي في ظل ظروف اقتصادية صعبة، متابعا "اليوم الطعام هوية والطعام كلام ومحافظة على الروابط الاجتماعية، وهو ثورة ضد الاستهلاك المتوحش الذي يجعل العائلات في تبعية للسوق أمام تراجع الدخل السنوي للعائلات".

وأردف "يمكن استثمار الطعام البدوي وأصناف الخبز البدوي، مثل الطابونة والفطائر والمبسس والملاوي، في تدشين طرق سياحية"، موضحا أن "هناك ثلاثة مستويات للاستثمار السياحي للغذائي البدوي، أولها على المستوى المحلي وكيف نبني اقتصادا وفلاحة تعود إلى المجال البيولوجي لكي تتغذي بيولوجيا بالقمح... وثاني مستويات الاستفادة من الغذاء البدوي هو الإدماج في السياحة، ففي الغرب الآن ما يسمى العلاج بالغذاء.. وهذه الأماكن الجميلة في سليانة أو بوعرادة يمكن أن تتحول إلى مساحات استشفائية للعلاج بالغذاء والبيئة".

واستطرد "لأن هناك زيت الزيتونة والعطرشية والشيح والإكليل (نباتات جبلية عطرية) وهناك النباتات الطبية، أي هناك مخزون بيولوجي مهم مرتبط بالحاجيات السياحية.. فقط تكون لنا فكرة إبداعية".

وزاد بأن "العالم الآن بدأ يبتعد عن السياحة الشكلية الثقيلة إلى السياحة البيولوجية النوعية التي لها علاقة بالروحانيات، وهناك غابات في الغرب تُزار ويجد الإنسان فيها راحته النفسية في علاقة بالغذاء، وهذا ممكن هنا في هذه الجبال الخضراء".

أما ثالث مستويات استثمار التراث والمخزون الطبيعي، بحسب النهدي، فهي أن "هناك في الجامعة التونسية معاهد للتراث والطالب أولى له أن يقوم بمشروع في مجتمعه المحلي ويخترع الفكرة ويجسدها من خلال دعم الجمعيات الناشطة في المجتمع المحلي".
وقال ياسين الوسلاتي رئيس جمعية جبل وسلات للتراث والتنمية، إحدى الجمعيات الأهلية الناشطة في الأرياف، إنه "من خلال إحياء 'نهار الڨرش' وفن الطبخ البدوي، وفق توجه إحياء الموروث والهوية الغذائية، نهدف إلى الدخول في المناطق الداخلية والتعريف بها". 

وأضاف أن "مناطق المجينين سيدي عرفة وبوعرادة والبرامة من ولاية سليانة معروفة بالفخار التقليدي، فقلنا لما لا نسعى لتدشين مسلك سياحي للطبخ البدوي، متابعا بحيث "يأتي السائح هنا ويرى كيف تُطبخ الأكلات التقليدية في أواني فخارية، والغاية هي أن نفك العزلة عن هذه المناطق الداخلية المهمة ونحدث مسلكا سياحيا لترويج هذه الصناعات".

ولفت "جمعيتنا مختصة في التراث المادي واللامادي، ونرى ما هي المنتوجات التي يمكن تثمينها، مثل فخار البرامة الذي نسعى لتسجيله كتراث وطني وعالمي"، مضيفا بأنه "مع هذه المعارض نقوم بفعاليات فنية تُدخل البهجة على الناس، مثل عروض الفروسية والموسيقى الشعبية البدوية التي تعتمد على فرق محلية ناشطة بين هذه الجبال".

وأكدت شريفة الوسلاتي، وهي أربعينية من منطقة البرامة بريف ولاية سليانة، "جميعنا في المنطقة يعمل في الفخار كصناعة تقليدية"، متابعة "نأتي بالطافون (حجارة بلورية) من الجبل ونفتته ثم نقوم برحيه بالرحى ثم نأتي بالطين ونعجنه بأرجلنا ثم نشكل أوان بأيدينا، مثل البرمة (قدر لطهي الكسكسي) والطاجين (قدر) والكانون والطابونة (فرن تقليدي لطهي الخبز البدوي)".

غير أنها أبدت أسفها قائلة "ليس هناك ترويج لصناعتنا ونبيعه بأبخس ثمن.. في البرامة نبيع الآنية بدينارين (0.66 دولار) أو ثلاثة دنانير (1 دولار)"، مضيفة "أشارك في معارض، مثل معرض الكرم في الصناعات التقليدية بتونس العاصمة، ويشجعنا ديوان الصناعات التقليدية (هيئة حكومية) على الترويج".

وأوضح المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بولاية سليانة (حكومي) عادل البديري "نقوم بتأطير الحرفيين وتنظيم مشاركاتهم في المعارض وتمويل مشاريعهم من خلال القروض"، متابعا "خصوصية سليانة تتمثل في النسيج التقليدي والفخار التقليدي الذي تتميز به منطقة البرامة، ولها برنامج خاص في إطار برنامج تعاون دولي، وتم القيام بدراسة تثمين هذا القطاع، مثل حصر مخزون الولاية من الطين وتوعية الحرفيين بضرورة الابتكار وتزيين منتوجاتهم وتشجيعهم على المشاركة في المعارض".

ويوجد في تونس أكثر من 70 اختصاصا في الصناعة التقليدية والحلفاء، وكل ولاية لها اختصاص، سليانة لها النسيج اليدوي مثل الزربية والمرقوم والكليم (مفروشات تقليدية) والفخار التقليدي وصنع منسوجات من الحلفاء والعنبر وصناعة الحايك (لحاف للنساء) واللباس التقليدي الرجالي (من الصوف) مثل البرنس والقشابية والجبة، وفق البديري.

وشدد على أن "المعارض تساهم في التعريف والترويج لمنتوجات الحرفيين، وخاصة الحرفيات منهم"، لافتا إلى أن "المناطق الريفية معزولة عن الأماكن السياحية التي تتوفر فيها فرص الترويج، ولذلك مثل هذه التظاهرات تساعد على ترويج منتوجاتهم".