سوناك يتولى رئاسة الحكومة مثقلا باضطرابات مالية وسياسية

رئيس 'تيرا فيرما'، أحد أكبر الصناديق الاستثمارية وشركات الأسهم يشكك في قدرة المحافظين على إدارة البلاد واصفا بريطانيا بأنها أصبحت الآن 'رجل أوروبا المريض'، وأنها قد تحتاج لخطة إنقاذ ومساعدة من صندوق النقد الدولي.
سوناك يعد بإعادة الاستقرار المالي والسياسي لبريطانيا
سوناك في مهمة صعبة وسط وضع قاتم ماليا واقتصاديا وسياسيا
خبير يدعو المحافظين للاعتراف بما ارتكبوه من أخطاء في بريكست
سوناك أمام اختبار إنقاذ الاقتصاد البريطاني من الركود  

لندن - يتولى رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك بعد انتخابه اليوم الاثنين رئيسا جديدا لحزب المحافظين، مهامه مثقلا بأزمة اقتصادية حادة واضطرابات مالية وانقسامات سياسية داخل حزبه، بينما لم تتضح بعد خطته لإنقاذ بريطانيا التي وصفها غي هاندز، رئيس 'تيرا فيرما'، أحد أكبر الصناديق الاستثمارية وشركات الأسهم، بـ"رجل أوروبا المريض"، مشككا أصلا في قدرة المحافظين على حكم البلاد.

وتعهّد سوناك الذي شغل في السابق منصب وزير للمالية، بتحقيق "الاستقرار والوحدة" في المملكة المتحدة التي تواجه أزمة اقتصادية، لكن الأزمة تبدو أكبر من أن تعالجها وعود وردية في مواجهة وضع قاتم قد تلجأ معه الحكومة البريطانية المرتقبة، إلى صندوق النقد الدولي لمساعدتها على الخروج من المأزق.

وقال في أول تصريح بعد اختياره لمنصبه الجديد "نحتاج إلى الاستقرار والوحدة وجمع الحزب والبلاد سيكون أولويتي القصوى. إن المملكة المتحدة دولة عظيمة لكن لا شكّ في أننا نواجه تحديا اقتصاديا عميقا".

ولا تبدو مهمة سوناك سهلة إذ يتولى منصبه بينما يقف الاقتصاد البريطاني على حافة الركود وهو وضع بدأ حتى قبل الاضطرابات الأخيرة التي أثارتها مقترحات رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس.

واستقالت تراس بعدما أثارت ميزانية قدمتها حول تخفيضات ضريبية ممولة من ديون، اضطرابات في الأسواق ساهمت في تراجع قيمة الجنيه الاسترليني. وتسبب ذلك في تعديل الحكومة لمعظم أجزاء ميزانيتها، بما في ذلك تقليص سقف فواتير الطاقة المرتفعة التي ساهمت بشكل كبير في أزمة تكاليف المعيشة لعشرات الملايين من البريطانيين.

وأظهرت بيانات نُشرت الاثنين تفاقما في التباطؤ الاقتصادي في أكتوبر/تشرين الأول مع انخفاض إنتاج القطاع الخاص إلى أدنى مستوياته منذ 21 شهرا.

أضرّ الغموض السياسي والاقتصادي في الأشهر القليلة الماضية بشكل كبير بثقة الأعمال البريطانية ويجب أن ينتهي الآن. يجب أن يحكم رئيس الوزراء الجديد السيطرة على الاقتصاد في الظروف الصعبة المقبلة

وقال كبير الاقتصاديين التجاريين في 'اس بي غلوبال ماركت انتلجنس' كريس وليامسون "أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر أكتوبر أن وتيرة التراجع الاقتصادي تزداد بعد الاضطرابات السياسية والمالية الأخيرة في الأسواق".

وأضاف "تسبب ازدياد عدم اليقين السياسي والاقتصادي بتراجع النشاط الاقتصادي إلى مستوى غير مسبوق منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2009، مع استثناء أشهر جائحة كوفيد-19"، لافتا إلى أن البيانات المقبلة قد تُظهر أن بريطانيا في حالة ركود بالفعل.

واستقر مؤشر مديري المشتريات المركب في المملكة المتحدة عند 47.2 في أكتوبر، أي أقل من مستوى 49.1 الذي سُجّل في سبتمبر/أيلول. ويشير كلّ مستوى أدنى من 50 إلى انكماش.

غير أن المملكة المتحدة لا تعاني وحدها ركودا، فهناك أرقام منفصلة صادرة عن ستاندرد اند بورز تشير إلى "ركود وشيك" في ألمانيا التي تُعدّ الاقتصاد الأول في أوروبا.

واستقالت ليز تراس الخميس الماضي من منصب رئاسة الوزراء بعد 44 يوما فقط على توليها مهامها. وكانت قد خلفت بوريس جونسون في 6 سبتمبر/ايلول بعد حملة انتخابية لتسلم رئاسة حزب المحافظين استمرت أسابيع في مواجهة سوناك.

وسبق أن حذّر سوناك في الفترة التي تلت استقالة جونسون، من أن التخفيضات الضريبية التي وعدت بها تراس مع ارتفاع الدين الحكومي حين تدخلت الحكومة ماليا لكبح تفشي كوفيد-19، كانت سياسة خاطئة.

وثبت أنه كان على حق إذ أدت الميزانية التي طرحتها تراس إلى انهيار قيمة الجنيه الاسترليني إلى مستوى قياسي منخفض قريب من التكافؤ مع الدولار وتسببت بارتفاع عائدات السندات الحكومية.

وارتفعت قيمة الجنيه الاسترليني وانخفضت عائدات السندات الاثنين مع اعتبار سوناك عنصرا يجلب الاستقرار إلى الأسواق.

وتقول المحللة المالية لدى شركة "اي جاي بل" البريطانية داني هيوسن "يأمل المستثمرون بشكل واضح أن يؤمن سوناك استقرارا للاقتصاد وللوضع السياسي رغم أنه من الصعب حاليا تحديد أيهما المهمة الأصعب".

وأضافت "سيسعد سوناك برؤية تراجع أسعار الغاز الأوروبي، بالإضافة إلى تعافي الجنيه الاسترليني وانخفاض تكلفة الاقتراض الحكومي (مع انخفاض العائدات)".

يأمل المستثمرون بشكل واضح أن يؤمن سوناك استقرارا للاقتصاد وللوضع السياسي رغم أنه من الصعب حاليا تحديد أيهما المهمة الأصعب

ورغم ذلك فمع ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوى له في 40 عاما إلى أكثر من 10 بالمئة، يتوقع أن يكشف بنك انكلترا عن زيادة كبيرة أخرى في أسعار الفائدة في اجتماع الأسبوع المقبل.

وستؤدي هذه الزيادة إلى زيادة الضغط على المقترضين، بمن فيهم أصحاب المنازل الذين شهدوا ارتفاعا في معدلات الرهن العقاري في أعقاب إعلان حكومة تراس ميزانيتها.

ودعت المديرة العامة لغرف التجارة البريطانية شيفون هافيلاند رئيس الوزراء البريطاني الجديد إلى تقديم مساعدة للشركات التي تعاني من فواتير الطاقة الضخمة.

وقالت في بيان صدر بعد تأكيد تسلّم سوناك منصب رئاسة الوزراء الاثنين "أضرّ الغموض السياسي والاقتصادي في الأشهر القليلة الماضية بشكل كبير بثقة الأعمال البريطانية، ويجب أن ينتهي الآن".

وأضافت "يجب أن يحكم رئيس الوزراء الجديد السيطرة على الاقتصاد في الظروف الصعبة المقبلة"، موضحة "هذا يعني وضع خطط واضحة وكاملة التكاليف للتعامل مع القضايا الكبيرة التي تواجه الشركات مثل فواتير الطاقة المرتفعة ونقص اليد العاملة والتضخم المتصاعد وارتفاع أسعار الفائدة".

وفي تشخيص للعلل التي أصابت بريطانيا بعد عدم الاستقرار المالي والسياسي وأدخلت البلاد في أسابيع من الفوضى، رأى الرئيس المؤسس لصندوق "تيرا فيرما" غي هاندز وهو من داعمي المحافظين ومن كبار خبراء الاقتصاد، أن "المملكة المتحدة قد تحتاج إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي".

ووصف في مقال نشر الاثنين في الموقع البريطاني 'سيتي. آي. أم' أن المملكة المتحدة هي الآن بمثابة "رجل أوروبا المريض بسبب الطريقة التي تمّ من خلالها التفاوض بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، في إشارة لبريكست.   

وفي تصريح آخر لـ 'بي بي سي4' وصف هاندز المشهد الاستثماري في بريطانيا بـ"القاتم"، مشككا في قدرة المحافظين على إدارة البلاد، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة أن تتخلص المملكة المتحدة من "حروبها الداخلية".

المشهد الاستثماري في بريطانيا قاتم والمحافظون غير ملائمين لإدارة البلاد. المملكة المتحدة يجب أن تتخلص من حروبها الداخلية

وانتقد بشدة المحافظين ودعاهم إلى الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبوه في مفاوضات بريكست، داعيا إلى تفويض شخص لديه القدرة الفكرية على إعادة التفاوض بشأن خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

 ويأتي فوز النائب الذي أدى اليمين أمام البرلمان على البهاغافاد غيتا وهو أحد النصوص الأساسية للهندوس، في الوقت الذي يحيي فيه الهندوس عيد الدويلي.

وبمجرد تسليم استقالة ليز تراس رسميا إلى الملك تشارلز الثالث، سيكلّف الملك سوناك بتشكيل حكومة جديدة الثلاثاء على الأرجح.

وستكون هذه المرة الأولى التي يقوم فيها الملك الجديد بتكليف رئيس حكومة، بعدما اعتلى العرش في الثامن من سبتمبر/ايلول بعد وفاة والدته الملكة إليزابيث الثانية.

وبمجرد توليه مهامه، يصبح سوناك خامس رئيس للحكومة منذ إجراء الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2016، والذي فتح الباب أمام فصل طويل من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية غير المسبوقة في المملكة المتحدة.

وهنّأ رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الاثنين سوناك، مشددا على ضرورة إعادة "الاستقرار" إلى المملكة المتحدة، قائلا "العمل معا هو الطريقة الوحيدة لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق الاستقرار هو مفتاح التغلب عليها".

كما هنأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الاثنين زعيم حزب المحافظين الجديد. وكتب على تويتر "أتطلّع للعمل معا عن كثب على القضايا العالمية وتنفيذ خارطة 2030. أمنيات خاصة بمناسبة عيد الديولي لـ+الجسر الحيّ+ لهنود المملكة المتحدة، حيث نقوم بتحويل روابطنا التاريخية إلى شراكة حديثة".

ويُعدّ وصول سوناك إلى السلطة "لحظة عظيمة" بالنسبة لقضية التنوع العرقي في المملكة المتحدة، حسبما قال الخبير السياسي أناند مينون لشبكة 'بي بي سي'، لافتا إلى "قلّة التعليقات" حول هذه المسألة، مضيفا "بطريقة ما، إنه أمر جعلناه طبيعيا".