شريف شعبان يكشف هشاشة ارتباط بني اسرائيل بالمنجزات الفرعونية

الكاتب والروائي والخبير في الآثار المصرية والمؤرخ فني يتناول في حوار معه اشكاليات تاريخ اليهود في مصر وحجم الخرافات المتعلفة بالحظارة القديمة في البلاد.

في كتابك يهود مصر القديمة تناولت سرقة اليهود لحلي وملابس وأواني وأموال المصريين حيث استعاروها ولم يعيدوها، كما أوضحت أن مملكة النبي سليمان لم تتوسع للمدى الذي ذكروه، هل تقصد بذلك توضيح زيف إدعاءاتهم وربطهم الدائم لأنفسهم بالحضارة المصرية القديمة وإدعائهم أنهم بناة الأهرامات، وكيف رددت على هذا الإدعاء الأخير؟

لا توجد إشكالية في تاريخ البشرية مثل ما كانت وستظل إشكالية تاريخ بني اسرائيل عامة واليهود في مصر خاصة، فهي من الأوراق الشيقة التي لم يلق عليها الضوء بشكل كاف، ربما نظراً لطبيعتهم الغامضة ورغبتهم المستمرة على قلب الحقائق، وهو ما دعاني إلى تأليف كتاب كامل عن تاريخ اليهود وعلاقتهم بحضارة مصر القديمة كي أوضح للقارئ العربي جوانب خفية عن تاريخ اليهود في المنطقة والرد على الأكاذيب التي تطال التاريخ المصري القديم.

ويبدو أن وراء هذا الادعاء هو تعلق بني إسرائيل،الذي جعلهم ينسبون لأنفسهم بعض من مظاهر تلك الحضارة العريقة ومفرداتها، مثل عادة الختان التي كانت عادة مصرية قديمة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، حيث رأينا أول مشهد ختان على جدران مقبرة "عنخ ما حور" بسقارة من الأسرة السادسة، بينما ينسبها اليهود إلي أنفسهم وجعلوها عادة يتميزون بها عن أقرانهم. كما أثارت توسعات الإمبراطورية المصرية التي قام بها الملك العظيم تحتمس الثالث، والذي وصل بحدوده من النيل حتى نهر الفرات إعجاب ودهشة بني إسرائيل، حتى نسبوها لأنفسهم وادعوا تأسيس مملكتهم من النيل إلى الفرات بينما لم تتعد مساحة مملكة النبي داوود ما بين نهر الأردن والبحر الميت. 

ومن أهم الحيل التي تربط اليهود بالحضارة المصرية القديمة هو ادعاءهم الاشتراك في بناء الأهرامات، بل وأنهم أصحاب الفضل الحقيقي في قيام العمارة المصرية القديمة، بعد قرون عاشوها بين المصريين في ذل وسخرة، اعتمادًا على ما ذكر في سفر الخروج، بينما انبرى المؤرخ اليهودي القديم يوسيفوس في التأكيد على أن قومه قد تعرضوا للسخرة في بناء الهرم.

ولكن مع مقاربة التواريخ المختلفة لتواجد اليهود في مصر يتضح لنا أن موعد دخول بني إسرائيل مصر بصحبة النبي يوسف في عهد الهكسوس كان في1650 ق.م،في حين شيدت أهرام الجيزة خلال الدولة القديمة في 3200 ق.م، أي إن الفارق الزمني بينهما أكثر من 1500 سنة، وهذا يؤكد أن تشييد الأهرامات قد حدث قبل أن يظهر بني اسرائيل على أرض الشرق الأدنى. 

كما توضح آيات سفر التكوين أن بني إسرئيل تم تسخيرهم في بناء مدينتي "رعمسيس"، و"فيثوم" بالدلتا، واللتانشيدتا من الطين أو الطوب اللبن المخلوط بالتبن، وهي الصنعة التي احترف بنو إسرائيل البناء بها، ولم يعرفوا البناء بالأحجار، ولم يرد استخدامهمللحجارة في البناء، سواء في أهرامات أو مقابر ملكية أو أبنية حجرية أو غيرها، كما أن نقاط تجمعهم كانتفي منطقة الدلتا أو في أسوان والتي تبعد كيلومترات عن منطقة الجيزة وسقارة التي بنيت فيها الأهرامات.

ولما خرج بنو إسرائيل من مصر رحلوا بكامل ثرواتهم وعلومهم وخبراتهم في البناء والتشييد واستقروا في بلاد الشام وأسسوا مملكة إسرائيل الموحدة على يد النبي داوود ومن بعدها مملكتي إسرائيل ويهوذا، فلماذا لم يبن بني إسرائيل مثل تلك الأهرام ولو بشكل مصغر في مملكتهم بعد خروجهم من مصر؟! حيث لم نعثر على أثرلأي هرم في منطقة الشام يدل على وجوده، على عكس ما رأينا من أهرام ترجع للحضارة الكوشية في مدن نبتة ومروى ونوري جنوبي مصر والتي وصل عددها إلى نحو 350 هرماً تأثراً بالعقائد المصرية القديمة رغم اختلافها في الحجم.

ويعد اكتشاف مقابر العمال بناة الأهرام عام 1991 هو أكبر دليل على بطلان جميع تلك الادعاءات، وهو العثور على مقابر العمال بناة الأهرام، حيث الكشف عن بقايا المدينة التي عاش بها الفنانين والمشرفين الدائمين والتجمع الملكي الذي ضم إقامة العمال المؤقتين، بالإضافة إلى الجبانة الواسعة والتي دفن بها بناة الأهرام، والتي لا تحتوي على أي اسم عبراني بينما كان كل العمال مصريين مما يؤكد أنها عملية مصرية 100%. 

يتداول البعض أكاذيب متعلقة بمصر القديمة بعضهم بجهل وبعضهم بعمد، هل كان ذلك الحافز وراء كتابك أشهر خرافات الفراعنة؟ وما أشهر الخرافات التي حرصت على تفنيدها والرد عليها لانتشارها الواسع حتى بين أوساط مستويات عليا في التعليم والثقافة؟

تعد الحضارة المصرية القديمة من أكثر حضارات البشرية التي أدهشت كل من مر عليها عبر جميع العصور، منذ أن أشرقت شمسها على وجه الأرض وحتى يومنا هذا، وهي الحضارة التيمن شدة إعجازها ونبوغ أفرادها نالت قدراً مهولاً من الخرافات والأساطير يصل إلى حد التطاول للأسف الشديد. وما يزيد الأسف هو اعتماد العديد من الباحثين على آراء المستشرقين المتعصبين، والتي بدورها مستقاة من مصادر الرحالة والمؤرخين القدامى، والذين جاءوا إلى مصر أثناء تدهور حضارتها القديمة، أمثال هيرودوت - الذي لُقب ظلماً بأبي التاريخ- ، قد تجنى على الحضارة المصرية القديمة بأفكار لا تمت لعظمة تلك الحضارة بصلة، خاصة وأنه زار مصر بعدما خفت بريقها وزال مجدها، إبان محنة من أشد المحن التى ابتليت بها، ألا وهو عصر الاحتلال الفارسي،والذي أثر تأثيرا سلبيا على أوضاع المصريين آنذاك، وكتب عنهم هذا الزائر الأجوف ما يشينهم ويحط من شأن حضارتهم، حتى زعم فيما كتبه عنهم أنهم قوم بدائيون يعبدون التماسيح والعجول والقطط، ويمكثون في بيتهم ليقوموا بأعمال النسيج، في نكران واضح لبراعة المصريين القدماء في بناء المعابد والأهرامات ونحت ضخام التماثيل، والتحقير من دور المرأة المصرية حين وصمها بأنها لا تعمل في الكهانة أو الطب تأثراً بتهميش دور المرأة في الحضارة الإغريقية، متناسياً أعظم الكاهنات المصريات كالكاهنة "حتبت" من الأسرة الخامسة،وأمهر الطبيبات المصريات مثل الطبيبة "بسشيت" من الأسرة الرابعة،واعتمد في كتابة موسوعته التي بلغت تسعة أجزاء - خصص لمصر الجزء الثاني-  على حواديت كهنة وأفراد عاديين انقطعت علاقتهم بتفاصيل مجد الحضارة بآلاف السنين، وأضاف عليه من انطباعاته الشخصية واعتبرها مرجعاً علميا. لذا جاء كتابي كمحاولة جادة وصادقة لكشف الزيف ودحض الخرافات التي طالت الحضارة المصرية القديمة ومفرداتها، والتي للأسف تحولت إلى معلومات وحقائق راسخة في وجدان العامة وبعض المتخصصين سواء داخل مصر وخارجها، وتصحيح بعض الأمور المغلوطة ووضعها في نصابها الصحيح معتمداً على أساليب البحث العلمي الحديثة والمصادر التاريخية والأثرية السليمة.

ومن أشهر الخرافات التي كانت ومازالت تتردد على ألسنة البعض سر بناء الهرم الأكبر، وتفنيد نسبه سواء لكائنات فضائية، أو قوم عاد أو سكان قارة أطلانتس الوهمية،أو لبني إسرائيل، وسر فرعون موسى، وعلاقة اليهود بالهكسوس، وقضية السخرة في عمارةالمصريينالقدماء، والتضحية بالبشر، وخرافة عروس النيل والتضحية بالفتيات، وتكذيب تقديس المصريين القدماء للحيوانات، ونفي ارتباط الجنس المصري بالزنوج، وغيرها من الخرافات والأكاذيب.

تناولت روايتك بنت صهيون حالة الكره بين الإسرائيلين والفلسطينيين، ولكن لم تتوقف عند هذا الحد ولكنك سلطت الضوء حتى على الكراهية والبغض بين الأشكيناز والسفرديم، وحتى بين المتشددين والداعيين للسلام داخل المجتمع الإسرائيلي، لماذا حرصت على إبراز ذلك؟

جاءت رواية "بنت صهيون" صادمة وجديدة على الأدب العربي المتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة وأنها العمل العربي الوحيد الذي يتناول المجتمع الإسرائيلي من الداخل. ففي تلك الرواية أردت كشف حقيقة هذا المجتمع بكل جوانبه، وتشريح الشخصية الاسرائيلية على اختلاف طبقاتها وعرقها وثقافتها سواء كانوا اليمينيين المتعصبين الكارهين للعرب أو اليساريين ضد الحكومة الاسرائيلية أوالمتعاطفين مع القضية الفلسطينية والذين يريدون تحقيق السلام لهم ولغيرهم أو سكان المستوطنات القادمين من أقطار عدة غير متجانسة هاربين من فقر وظلم ليجدوا أنفسهم داخل فقر وظلم جديد.

في نفس الرواية لم تذكر مراجعك التي اعتمدت عليها مما حال بين القاريء المهتم وبين رجوعه لمزيد من المعلومات فهل كان هذا متعمدا وما كان الدافع وراء ذلك؟

رغم قيامي بقراءة العديد من المراجع والمصادر المتعلقة بالواقع الاسرائيلي وتاريخه في المنطقة، خاصة الموسوعة البديعة للراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري، إلا أنني لا أجد أنه من الواجب ذكرها في عمل أدبي؛ لأنها في النهاية رواية وليست بحث علمي أو كتاب يجب ذكر المصادر والمراجع في نهايته، وهو ما يحجب جانب الخيال عن عقلية القارئ. فمتعة الرواية هي أن تجعل القارئ لا يجد الخيط الرفيع بين الحقيقة والخيال على عكس الكتاب العلمي الذي يجب أن يكون محدداً مباشراً متبعاً أسس الكتابة العلمية مزوداً بالمصادر والمراجع السليمة. 

وهل أنت من المؤمنين أن الرواية التاريخية يجب أن تحتوي على التاريخ الصحيح دون وجود مجال للإبداع، أم ترى أن الإبداع جزء أساسي من كتابة الرواية؟

أرى أن هناك ثلاثة أنواع من الرواية التاريخية، أولهما:هي الرواية الكلاسيكية التي تعتمد على الأحداث التاريخية الحقيقية ولكن في قالب خيالي، والنوع الثاني: هي الفانتازيا التاريخية التي تعبر حدود المنطق أو التسلسل التاريخي لتتيح للخيال قدر أكبر من التواجد، أما النوع الثالث: فهو ما يعرف بالتاريخ البديل وهو وضع تصور لمرحلة تاريخية خيالية على عكس ما تمت في الحقيقة. وأجد أن تناول الرواية التاريخية مسئولية مشتركة بين الكاتب والقارئ، فعلى الكاتب تناول التاريخ بقدر محكم من الخيال دون المساس بتقدير الأحداث أو الشخصيات التاريخية ذات المكانة الحساسة في ذاكرة المجتمع، وعلى القارئ عدم الحصول على معلومات تاريخية من الرواية أو الاعتماد عليها كمصدر تاريخ بديل لكتاب التاريخ؛ لأنها في الأساس رواية قائمة على الخيال أكثر من الحقيقة. 

لوالدك د.شعبان خليفة رحمه الله دورا كبيرا في حياتك، حدثني عن هذا الدور، وعن تحقق حلم إصدار جائزة تحمل اسمه لأوائل خريجي المكتبات والمعلومات.

لأبي الراحل الفضل عليّ بعد الله عز وجل،  فهو من حببني في العلم والقراءة خاصة وأنني نشأت على حب الكتب التي كانت تملأ كل أرجاء المنزل. وكان دائماً يرى في فكرة الجوائز كنوع من الدعم والتشجيع ولربط شباب المكتبيين بمجال المكتبات والمعلومات. ولعله قد قام بتطبيق نفس المبدأ معي عندما كنت صغيراً حيث كان يطلب مني تلخيص عدد من الكتب والأعمال الأدبية مقابل مكافأة ما، وهو ما وضع قدمي في طريق حب العلم والمعرفة حتى أصبحت أصغر حاصل على درجة الدكتوراه في مجال الآثار من جامعة القاهرة. وقد جاء الوقت كي يتحول حلم الدكتور شعبان  خليفة إلى حقيقة ملموسة، وتذكير الأجيال القادمة بالعالم الجليل الذي بلغ الغالي والنفيس من أجل مجال المكتبات والمعلومات، وظل يخدم هذا المجال حتى آخر رمق في عمره فأصبح أحد أعظم أعلام علم المكتبات والمعلومات في مصر والوطن العربي، وحصل على لقب شيخ المكتبيين. وقد تم إحياء هذا الحلم من جديد وإصدار جائزة تحمل إسمه، وتم إطلاق النسخة الأولى من الجائزة لأوائل خريجي المكتبات على مستوى الجمهورية، برعاية الجمعية المصرية للمكتبات والمعلومات في ضيافة مكتبة المعادي العامة في الثالث من سبتمبر 2022 ليوافق شهر ميلاده عام 1941.

ما الجديد في إصداراتك؟ وهل تحرص على أن تصدر أعمالك بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، هذه الاحتفالية الثقافية الكبيرة.

بمناسبة الاحتقال بمرور 100 سنة على اكتشاف مقبرته بوادي الملوك، أقوم حالياً بإعداد كتاب عن أسرار الملك توت عنخ آمون،بداية من حياته الغامضة والخيانة الزوجية التي تعرض لها بعد وفاته،ولغز مماته وكنوزه التي لا مثيل لها،والسرقات التي تعرضت لها مقبرته على يد المكتشف هيوارد كارتر، ومدى علاقة الملك توت ببني إسرائيل، وغيرها من الأسرار التي سيتم الكشف عنها لأول مرة في عمل باللغة العربية.

لا أحرص على ارتباط إصدار أعمالي بمعرض القاهرة للكتاب بشكل ثابت، حيث أجد أن إصدار كتاب أو رواية لي لا يجب أن يرتبط بمناسبة متكررة كل عام، ولكن يجب أن يكون إصداره حراً أو يرتبط بمناسبة عالمية لا تتكرر.

جدير بالذكر أن د. شريف شعبان، حاصل على درجة الدكتوراة في تاريخ الفنون المصرية القديمة من جامعة القاهرة 2013، كما قام بتقديم العديد من المحاضرات العامة والمتخصصة في عدد من الملتقيات الثقافية مثل بيت السناري ودار الأوبرا ومكتبة الإسكندرية ومكتبة مصر العامة وساقية الصاوي وغيرها، وله العديد من المقالات المتخصصة في عدة مجلات داخلية وخارجية، ويعمل محاضراً لمادة تاريخ الفنون بكلية الآثار جامعة القاهرة، ومسئول للنشر بمركز المعلومات ومسئول ملف النشاط الثقافي والوعي الأثري بوزارة السياحة والآثار، بالإضافة لتأسيسه الصالون الثقافي: "الآثار والأدب علاقة متبادلة" التابع لوزارة السياحة والآثار لمدة 4 مواسم حتى الآن. 

صدر له روايتان:

       (بنت صهيون: دار كيان 2015)

       (3 نبوءات سوداء: الدار المصرية اللبنانية 2017)

له العديد من المؤلفات في مجال الآثار منها:

     (الأسقف ومناظرها عبر العصور: تقديم زاهي حواس 2011 طباعة وزارة الآثار)

     (المآدب والولائم في مصر القديمة وحضارة الإغريق: 2016 طباعة وزارة الآثار)

     (أشهر خرافات الفراعنة: دار ن للنشر 2020)

     (يهود مصر القديمة: الرواق 2021)

     (النبي المفقود أخناتون: الرواق 2022)