صندوق النقد يكشف التداعيات السلبية لحرب غزة على اقتصادات الشرق الأوسط

تقرير صندوق النقد يؤكد تضرر اقتصادات المنطقة بسبب ارتفاعات أسعار النفط وغياب الاستقرار السياسي فيما تشير معطيات لتراجع الشيكل الإسرائيلي لأدنى مستوياته منذ 2016.

الرباط - توقع صندوق النقد الدولي الثلاثاء وقوع تأثيرات سلبية على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وخارجها، بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه غورينشا، خلال أعمال اجتماعات الخريف للصندوق المنعقدة بمدينة مراكش المغربية.
وذكر غورينشا في المؤتمر،أن تأثير الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة سيكون واقعا على اقتصادات المنطقة وخارجها، بسبب ارتفاعات أسعار النفط وغياب الاستقرار السياسي.
وفجر السبت، أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية في غزة عملية "طوفان الأقصى" ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى"، فيما أطلقت إسرائيل عملية "السيوف الحديدية"، وتواصل شن غارات مكثفة على قطاع غزة المحاصر منذ 2006.
وقال مدير إدارة البحوث في صندوق النقد "نراقب تأثير هذه الحرب على الاقتصادات عن كثب، خاصة أنها وقعت بعد الانتهاء من التوقعات التي وضعناها بخصوص المنطقة وباقي دول العالم قبل اندلاع الحرب".
وصعدت أسعار النفط الخام بنسبة 4 بالمئة، الإثنين، وسط مخاوف من تأثيرات محتملة للحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وزيادة الطلب على السلع الأساسية.
وتابع المسؤول في الصندوق "يمكن أن يؤثر على الاقتصاد بالمنطقة وخارجه سلباً، ويجب أن نكون حذرين حيال التوقعات، خصوصا أننا أنهينا التوقعات قبل اندلاع الحرب".
وخفض صندوق النقد الدولي اليوم توقعاته لنمو اقتصادات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بمقدار 0.5 بالمئة إلى 2 بالمئة قبل حساب تبعات الحرب في إسرائيل، مقارنة مع التقديرات السابقة الصادرة في يوليو/تموز الماضي.
وقال غورينشا "إذا ارتفعت أسعار النفط بـ 10 بالمئة بسبب هذه الحرب، ستزيد نسبة التضخم بنقطة واحدة خلال العام المقبل".
ويعتقد ان اسرائيل ستكون اكبر الدول المتضررة من تداعيات الحرب على المستوى الاقتصادي حيث تراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي في بداية تعاملات الثلاثاء، إلى أدنى مستوياته أمام الدولار الأميركي منذ يناير/كانون ثاني 2016، متجاهلا محاولات "بنك إسرائيل" الحفاظ على استقرار العملة المحلية.

النظام المالي الاسرائيلي اكبر متضرر من حرب غزة
النظام المالي الاسرائيلي اكبر متضرر من حرب غزة

وأبقى صندوق النقد الدولي على توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2023 رغم مؤشرات الضعف المسجلة في اقتصادات كبرى على ما أظهرت البيانات التي نشرها الثلاثاء.
فلا يزال الصندوق يتوقع نموا عالميا نسبته 3 % في 2023 وأقل بقليل في 2024 مع 2.9 % أي بتراجع طفيف (-0.1 %) مقارنة بتقديراته السابقة الصادرة في تموز/يوليو.
وقال غورينشا "لا يزال الاقتصاد العالمي يتعافى من الجائحة والحرب في أوكرانيا ويظهر مقاومة لافتة. لكن النمو يبقى ضعيفا ومتفاوتا" بالمقارنة مع مستوياته السابقة.
فالوضع متفاوت إن في صفوف الاقتصادات المتطورة أو بين الدول الناشئة إذ يرى البعض منها تحسنا في توقعاته فيما تعاني دول أخرى ولا سيما في اوروبا من البطء لا بل تشهد ركودا طفيفا.
والسبب في ذلك استمرار تداعيات بعض الأزمات ولا سيما الغزو الروسي لأوكرانيا فيما تباطؤ التضخم يستغرق وقتا ما يدفع البنوك المركزية إلى مواصلة سياسة نقدية متشددة مع أسعار فائدة مرتفعة.
ويتوقع الصندوق مستوى أعلى من التضخم مما كان يتوقعه قبل ثلاثة أشهر على صعيد السنة الراهنة مع 6,9 % على المستوى العالمي، والسنة المقبلة مع 5,8 % أي 0,6 % أكثر من توقعاته في تموز/يوليو.
وأضاف "بيانات التضخم مشجعة لكننا لم نحقق الهدف بعد ... فحتى الآن لن تعود غالبية الدول إلى تحقيق هدف التضخم المحدد (أي 2 %) قبل 2025".
وذكر الصندوق بأهمية عدم تليين السياسات النقدية بشكل متسرع.
وفي صفوف الاقتصادات المتقدمة، تسجل ألمانيا أكثر المؤشرات إثارة للقلق مع ركود يزداد واتضاحا خلال السنة الراهنة مع -0.5 % وأوسع مما كان متوقعا ومن ثم انتعاشا ضعيفا العام المقبل مع تسجيل 0.9 % في حين كان صندوق النقد الدولي توقع في تموز/يوليو أداء أفضل.
وبعدما كان أكبر اقتصاد أوروبي العام الماضي متخلفا بين دول مجموعة السبع ومقارنة بالاقتصادات الأوروبية الرئيسية الأخرى، ستكون ألمانيا البلد الوحيد الذي سيسجل ركودا هذه السنة لتؤكد بذلك وصفها بأنها "رجل أوروبا المريض".
وقال غورينشا "ثمة عاملان أساسيان (في وضع ألمانيا)، من جهة أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا في بلد يعتمد كثيرا على مصادر الطاقة الروسية ومن جهة أخرى التشدد في السياسة النقدية".
وتبدي الاقتصادات الأوروبية الأخرى مقاومة أفضل. فالتوقعات بشأن الاقتصاد الفرنسي تتحسن بشكل طفيف للسنة الراهنة مع نمو نسبته 1 % أي أفضل ب0.2 % من توقعات تموز/يوليو في حين أن الوضع الاقتصادي الإسباني يبقى متينا مع توقع نمو نسبته 2.5 % للعام 2023.
وسيعاني الاقتصاد الإيطالي تباطؤا إلا ان نموه يتوقع أن يبقى إيجابيا هذه السنة مع 0.7 % على غرار المملكة والمتحدة غير العضو في الاتحاد الأوروبي، التي يبقى نمو اقتصادها ضعيفا مع 0.5 %.
أما الاقتصاد الأميركي فيتوقع أن يحقق نموا نسبته 2.1 % في 2023 بعيدا عن الركود الذي كان يتوقعه الكثير من الخبراء الاقتصاديين لفترة طويلة. لكن يتوقع أن يسجل تباطؤا ملحوظا في 2024 إلى 1.5 %.
أما على صعيد الدول الناشئة الكبيرة، فقد تأكد تباطؤ الاقتصاد الصيني الذي سيسجل نموا نسبته 5 % خلال 2023 و4.2 % في 2024 في حين تعاني البلاد من أزمة في قطاع العقارات.
وقال كبير اقتصاديي صندوق النقد خلال المؤتمر الصحافي "من الممكن تليين السياسة النقدية واعتماد إجراءات دعم على صعيد الميزانية. نشجع السلطات على التحرك بهذا الاتجاه وأظن أنها تقوم بذلك".
وتسجل الدول الناشئة الكبرى الأخرى اتجاها أكثر إيجابية مع تحسن توقعات العام 2023 في الهند إلى 6.3 % في مقابل 6.1 % سابقا وأميركا اللاتينية حيث تستفيد البرازيل (3.1 %) من أداء جيد لسوق المواد الأولية في حين تعتبر المكسيك (3.2 %) من المستفيدين الرئيسيين من إعادة تنظيم سلاسل التوريد بين الصين والولايات المتحدة.
أما روسيا التي كانت التوقعات بشأنها قبل سنة تعول على ركود في العام 2023 فهي لا تزال تشهد تحسنا على هذا الصعيد ويتوقع أن تنهي السنة على نمو بنسبة 2.2 % بتأثير خصوصا من الارتفاع الكبير في النفقات العامة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا وازدياد العجز العام.