ضبط الحدود يفرض التغيير السوري

الفشل الاقتصادي يطارد النظام السوري. بات النظام عاجزا عن تأمين الامن الغذائي، في حده الأدنى، لما بقي من مواطنين يعيشون على ارض سوريا.

مع مرور كلّ هذه السنوات على الثورة الشعبيّة في سوريا، لا بدّ من التساؤل هل في استطاعة النظام البقاء على قيد الحياة بعدما تبيّن أن سوريا تحولت إلى خطر إقليمي ومصدر قلق لكل جيرانها. اثبتت التجارب التي مرت فيها سوريا منذ انطلاق الثورة في ربيع العام 2011 ان نظام دمشق غير قادر على ضبط حدوده، هذا اذا اخذنا الامور بحسن النية.

صارت الحدود الشمالية السورية مع تركيا، منذ سنوات، في حال تفلّت شبه كاملة. أضحت كامل الحدود مساحات عبور مهمة لتهريب المواد، المسموح بها والممنوعة، فضلا عن الأسلحة بكل ّانواعها والمتفجرات. الأهم من ذلك كلّه الأشخاص. ثمة تهريب للإرهابيين ولأشخاص مسالمين وللاجئين الذين تستغلهم تركيا للضغط على اوروبا. قبل أسابيع قليلة، اكتوت تركيا نفسها بنار تسيّب حدودها مع سوريا بعد تفجير اسطنبول.

بالنسبة إلى الحدود الجنوبية مع الاردن أصبحت هذه الحدود أهم نقطة لتهريب حبوب الكبتاغون بالملايين الى الاردن ومنه الى دول الخليج. صارت تجارة تصدير الكبتاغون والمخدرات من اهم روافد الاموال التي يحتاج لها النظام السوري ويستخدمها جيّدا في لعبة صراع البقاء الذي تعيش دمشق في ظلّها في الوقت الحاضر. لم يعد ممكنا فصل تهريب الكبتاغون والمخدرات عن سياسة الضغط على دول الخليج وابتزازها عبر اغراق اسواقها وتدمير مجتمعاتها وشبابها بحبوب مخدّرة ومهيّجة تصنعها معامل النظام السوري وتهربها وتوزعها شبكات "حزب الله" اللبناني الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني.

ما بات لافتا في الأشهر القليلة الماضية ظاهرة تهريب السلاح الى الأردن. هذه الظاهرة قديمة، لكنّها أخذت حديثا بعدا جديدا على الرغم من محاولات الحكومة الاردنية التغطية على هذه المعضلة الجديدة بطريقة أو بأخرى. سيصبح تهريب السلاح مشكلة اكبر نظرا إلى أنّه يدخل ضمن الاجندة الايرانية لنشر عدم الاستقرار في الاردن. كذلك، يبدو أن هذه السياسة قد تستفحل، كونها تندرج في سياق محاولات ايران تصدير المشاكل الداخلية التي تواجهها حاليا الى الخارج، تحديدا نحو الاردن وبقية دول الخليج.

بالنسبة إلى الحدود الجنوبية مع اسرائيل، لا يوجد شكّ بأنّ اسرائيل تتابع وتراقب بحذر شديد الوضع في الجنوب السوري وتحديدا في محافظتي القنيطرة ودرعا واخيرا السويداء. تطرح اسرائيل علي نفسها السؤال الرئيسي: الى متى سيبقى نظام بشّار الاسد قادرا على التقيّد بالتزامه القديم القائم على تأمين حدودها الشمالية؟

تبدو عودة الفصائل الفلسطينية "المقاومة" التابعة لايران الى دمشق مؤشرا مقلقا لإسرائيل، خصوصا في ظلّ الارهاق الذي يواجهه نظام بشّار الأسد. هل يمكن ان تمارس إسرائيل لعبة الإنتظار قبل أن ينتشر السلاح الفلسطيني الممول ايرانيا في الجولان... وهل ستقبل ان تتحول الحدود السورية الى ما كانت عليه الحدود اللبنانية في السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي عندما كانت الفصائل الفلسطينية تطلق صواريخها وترسل الفدائيين لتنفيذ عمليات في العمق الاسرائيلي؟

يبدو مثل هذا النوع من الأسئلة مشروعا ومنطقيا في ضوء العجز الواضح للنظام السوري على ضبط انتشار "حزب الله" و"الحرس الثوري" الايراني في الجولان السوري وتغلغله ضمن الفرقة الرابعة التي اصبحت مثل "حزب الله" اللبناني، مجرّد تابع لـ"الحرس الثوري" من ضمن ما يسمّى "الجيش العربي السوري".

يضاف إلى ذلك كلّه، فشل روسيا في التزام تعهداتها لإسرائيل. تتعلّق هذه التعهدات بوقف التمدد الايراني في الجنوب السوري. أجبر ذلك اسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكريّة الأخيرة بشكل مباشر وعلى مرأى من موسكو وسمعها. ليست الضربات الإسرائيلية الأخيرة في العمق السوري، أقلّه في جانب منها، سوى رسالة إلى موسكو الغارقة إلى ما فوق أذنيها في الوحول الأوكرانيّة.

في ظلّ هذه المعطيات، وفي ظلّ تردّي الوضع الداخلي السوري إلى أبعد حدود، عاد مطروحا دوليا ما يمكن تسميته الحل الاسرع والمستدام لضمان امن الحدود السورية للجميع. هذا يعني اعادة طرح فكرة المجلس العسكري السوري، المرشّح لأن يكون خليطا من مما بقي من الجيش السوري والضباط العلويين والمعارضة المسلحة المعتدلة. يضاف إلى هؤلاء الاف الضباط السوريين السنة المنشقين من الذين تحتجزهم تركيا ضمن معسكرات الضباط في اضنة اضافة الى الاكراد من "قسد" (قوات سوريا الديموقراطية).

لماذا بات تشكيل مثل هذا المجلس مطروحا الان؟ الجواب في الفشل الإقتصادي للنظام السوري. بات النظام عاجزا عن تأمين الامن الغذائي، في حده الأدنى، لما بقي من مواطنين يعيشون على ارض سوريا. سيسرع ذلك في تحويل سوريا الى دولة فاشلة. الجواب أيضا في التململ الواضح داخل البيئة الحاضنة للنظام، خصوصا في اوساط الطائفة العلوية التي اصبحت اليوم تمتلك ما يكفي من الجرأة لكيل السباب وتوجيه الإنتقادات لبشار الاسد وزوجته واتهامهما بالفساد والفشل وعدم الاكتراث بشعبهما الذي صمد ودفع الدم في سبيل الدفاع عن نظام الاسد وما يسمّى "سوريا الأسد".

فقد نظام الاسد ورقة التوت التي كانت يستتر بها تحت مسمى "حماية الاقليات". هاجر اكثر من ثمانين في المئة من مسيحيي سوريا. واليوم نرى الدروز في محافظة السويداء يطالبون باسقاط النظام ويقولون جهارا انّ بشّار الاسد ليس حاميا للأقلّيات ولا ضامنا لها، بما في ذلك الأقلّية العلويّة التي تسيطر على سوريا منذ العام 1970.

 قريبا، قد يضطر بشّار الأسد إلى استخدام القوة لقمع انتفاضة الدروز في السويداء كما فعل في المناطق السنّية في الماضي القريب.

في هذا الإطار، يبقى من اللافت عالميا، خصوصا على صعيد الدول المانحة التي ما زالت تساعد سوريا، أنّ هذه الدول باتت تعلن يوميا وفي كل محفل دولي، ان اي تقارب مع بشّار الأسد وأي واعادة قبول به شخصيا وبنظامه باتا من المستحيلات... خصوصا اذا تم تمرير القانون المقترح حاليا امام الكونغرس الاميركي الذي يعتبر بشار الاسد زعيما لمافيا دولية لتصنيع المخدرات وتهريبها.

هل آن أوان التغيير في سوريا بعد كلّ الذي يحدث في ايران وبعد خسارة فلاديمير بوتين حربه في أوكرانيا؟