ضريبة أن تكون برشلونة

البارشا يتغير ويصنع جيلا جديد بطاقات شابة، ضغوطات مالية حرمته من الكثير من الصفقات المهمة بالمقابل خصومه ومنافسيه يتسابقون على شراء أغلى اللاعبين، كل هذا وّلد عليه ضغوطات إعلامية كبيرة جدًا وإشاعات كان على النادي مواجهتها وفوق ذلك كان مُطالبًا بالمضي قُدمًا والتتويج بكل الألقاب المحلية والقارية.
ريام الربيعي
بغداد

هناك الكثير من الأندية الكبيرة في العالم والتي تحظى باهتمام كبير ولها قواعد جماهيرية واسعة في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، لها فتراتها الجيدة والأخرى السيئة وهذا أمر طبيعي جدًا لاختلاف الأسباب والظروف وأيضًا من باب دوام الحال من المحال، هناك من يصفق لها ويهتف بإسمها حين تكون في أفضل أحوالها، تتوج بالألقاب وتقدم أفضل العروض والنتائج، وبالمقابل تتلقى اللوم والانتقادات حين تمر بفترة سيئة وصعبة تكون بعيدة فيها عما اعتاده الناس عليها.

لكن الأمر مع برشلونة يختلف وله ضريبة كبيرة جدًا، والسبب يعود للمكانة المتفردة التي صنعها برشلونة لنفسه خصوصا مطلع الألفية الثالثة وما حققه فيها من ألقاب وبطولات، حيث كانت للنادي متمثلًا بلاعبيه صولات وجولات في ملاعب إسبانيا وأوربا والعالم، حصد على إثرها الكثير والكثير من الإنجازات الكروية الجماعية والفردية التي حققت له قاعدة جماهيرية عالمية كبيرة جدًا، بالإضافة إلى ما صدّره لعالم الكرة المستديرة من أسماء أيقونية مثل رونالدينهو وتشافي وأنيستا مرورًا بكارلوس بويول وسامويل ايتو وهنري وداني الفيس وبيكيه وغيرهم وليس انتهاءً بميسي الإسم الأشهر والأهم، الذي تربع على عرش كرة القدم، محققًا كل شيء فيها، وحاصدًا أرقامًا قياسية صارت تخصه وحده ويصعب على أي متابع لكرة القدم حتى لو كان من جمهور ومشجعي الأندية الأخرى أن يتخيل أن هناك من سيكسرها يومًا ما.

وقلت ليس إنتهاءً بميسي، ذلك لأن اللاماسيا مازالت تنتج الجواهر كعادتها، وعليه فإن برشلونة يدفع ثمن تسيّده لعالم كرة القدم وسطوته عليها لسنوات طويلة وذلك لأسباب عديدة تمثلت بالتالي: 

1 -  ليس من حق برشلونة أن يفوز بفارق هدف في مبارياته، لأن برشلونة الذي عذب خصومه برباعيات وخماسيات وسداسيات، لم يعد أحد يتقبل منه أن يفوز بهدف يتيم أو بفارق هدف.

2 - ليس من حق برشلونة أن يفوز بآخر الدقائق، أو يقلب تأخره إلى فوز، لأن برشلونة الذي رسخ في ذاكرة متابعي كرة القدم هو برشلونة المخيف والمرعب للخصوم، برشلونة الذي تكون المباراة محسومة له قبل أن تبدأ. 

3- ليس من حق برشلونة أن يفوز دون أن يقدم أداء عالي المستوى، فالنادي الذي أمتع العالم بالتيكي تاكا والعروض الكروية فائقة الجمال والجودة، لم يعد يتقبل المتابع لمبارياته أن يشاهد أداءً متواضعًا أو متوسطًا، لأن ذلك يتعارض مع ما اعتادته أبصار متابعي مباريات البارسا. 

أن يُنهي الفريق الموسم بالمركز الثاني غير مقبول بتاتًا، حتى لو كان يمر بفترة عاصفة وظروف ضاغطة فهذا لا يُعد سببًا لعدم تحقيق الدوري وغيره من الألقاب، بالمقابل هناك:

1 - من يفوز بفارق هدف وعلى مدار مباريات كثيرة، ويحتفل جماهيره بشكل طبيعي وكأي فوز طبيعي وبالمقابل يُعيبون على البارسا وجماهيره ذلك.

 2 - هناك أيضا من يفوز بآخر الدقائق أو بعد قلب تأخره إلى تقدم وفوز ويصفقون ويطبلون له تحت شعار الريمونتادا التي تبرر ذلك.

3 - هناك من يفوز بعد أداء هزيل ومتواضع، فوز يكتبه الحظ والجهود التحكيمية، لكن المهللين والمطبلين يخترعون لكل ذلك السوء شخصية جديدة هي "شخصية البطل" التي تخفي الإخفاق طوال وقت المباراة وتركز فقط على الفوز الذي رسمه الحظ والتحكيم لا غير.

أي نادٍ يمر بظروف صعبة على كل الصُعد نجده ليس بعيدًا عن الألقاب والمشاركات القارية فحسب، بل يقبع في مراكز متأخرة في سلم الترتيب الفرق الأولى، ومانشستر يونايتد وتشيلسي الأندية الإنكليزية الكبيرة ذات التاريخ العريق وغيرها خير مثال على ذلك رغم أنها لم تكن تمر بما مر به برشلونة. برشلونة الذي عانى ويعاني حتى الآن من الإرث الضخم الذي تركته الإدارات الفاسدة من ديون وصفقات فاشلة وغيرها، أثقل كاهل النادي وهدم ميزانيته وشل حركته في شراء صفقات مهمة وكبيرة يُدعّم بها تشكيلة الفريق، فضلًا عن خسارته لنجمه الأول والمساهم الأبرز في إنجازات النادي في السنوات الأخيرة البرغوث ليونيل ميسي، وشائعات قضية نغريرا التي استخدمها الخصوم كأداة ضعط يضغطون زر تفعيلها كلما احتاجوا لذلك، وهو ما شكل ضغطًا إعلاميًا مهولًا على النادي بإدارته ومدربيه ولاعبيه وصولًا إلى جماهيره، لدرجة أن حتى إعلام المقاطعة صار كأنه إعلام خصوم وأعداء ينهش النادي ويحط من عزيمة لاعبيه ويدق مسمارًا في نعشه كلما سنحت له الفرصة لذلك، في الوقت الذي كان من المفترض أن يجد إعلامًا داعمًا ومساندً!

نادي يتغير ويصنع جيلا جديدا بطاقات شابة، أفكار ورؤى جديدة، ضغوطات مالية حرمته من الكثير من الصفقات المهمة والضرورية، بالمقابل خصومه ومنافسيه يتسابقون على شراء أغلى اللاعبين، كل هذا وّلد ضغوطات إعلامية كبيرة جدًا، وأخبار وإشاعات هنا وهناك كل يوم وكل ساعة كان على النادي مواجهتها وفوق ذلك كان مُطالبًا بالمضي قُدمًا والتتويج بكل الألقاب المحلية والقارية، كل هذه الظروف إذا مر بها نادٍ آخر سيتم شكره لأنه مازال ضمن العشرة الأوائل في سلّم ترتيب الدوري، وسبق أن ذكرت مثالي مانشستر يونايتد وتشيلسي وهما ناديان لم يواجها هذا الكم الهائل من الضغوط، فضلًا عن تمتعهما بوضع مالي ممتاز جدًا يمكّنهم من التعاقد مع أي لاعب يريدونه، لكنهما رغم كل ذلك كانا يقدمان نتائج سيئة وترتيب لم يسمح لهما حتى بالتأهل للمشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا، في المقابل حصد برشلونة عدة ألقاب برغم ظروفه ومعاناته أقربها لقب الدوري الإسباني ولقب السوبر الإسباني الموسم الماضي، فضلًا عن تتويج عدد من لاعبيه بجوائز الفتى الذهبي لعامين متتاليين وجائزة كوبا لعامين متتاليين أيضًا حصدهما كل من بيدري وجافي، وجائزة هداف الدوري الإسباني "البتشيشي" التي حصدها ليفاندوفسكي، وجائزة الزامورا لأقل حارس تلقيًّا للأهداف التي كانت من نصيب الحارس مارك أندريه تبر شتيغن، وغيرها خلال هذه الفترة العاصفة التي ما تزال تحيط بالنادي، ولم يغب عن المراكز الأولى حتى في أسوأ ظروفه، فشكرًا لبرشلونة النادي الكبير والقوي الذي ظل شامخًا في ظل ظروف كانت ستجعل أي نادٍ غيره يهوي ويتداعى. ببساطة أن تكون برشلونة يعني أن تكون تحت الأضواء دائمًا وأن لا تغيب عنك الاضواء ولا حتى لثانية واحدة، فبرشلونة هو المادة الخام والأساس لمتعة كرة القدم وألقابها وإعلامها. برشلونة باختصار يدفع ثمن تاريخه الاستثنائي، فما بين شامت يروقه الحال، وما بين مُحب لم يعتد هذا الحال، بالإضافة إلى ظروف كثيرة جدًا تكالبت من هنا وهناك، أصبح النادي يقاتل تحت ضغوط أقل ما يقال عنها أنها هائلة.