علاقات متشابكة بين سوق الطاقة ودول الخليج وإسرائيل والنووي الإيراني

الخليجيون ينظرون إلى آسيا، وتحديدا الصين والهند، على أنها أسواق آمنة وموثوق بها ويمكن الاعتماد عليها على عكس السوق الأوروبية.
دول الخليج ستستمر في توجسها من الالتزام الأمني الأميركي تجاه المنطقة
القطاع النفطي الكويتي غير قابل للإصلاح ولا يمكنها جني فوائد أكثر من الوضع الراهن
السعودية والإمارات لن تتمكنا من توسيع طاقتهما الإنتاجية قبل 2027
رفض أميركي شعبي للارتباط العسكري المباشر بالشرق الأوسط
عبدالعزيز محمد العنجري

أكد كولبي كونيلي كبير المحليين بشركة Energy Intelligence إنيرجي إنتلجنس الرائدة في أبحاث ومعلومات الطاقة منذ 1951 في الولايات المتحدة، أن الطاقة الإنتاجية لمنطقة الخليج في مجال النفط اقتربت من معدلاتها القصوى.
وإنيرجي إنتلجنس هي شركة معلومات الطاقة الرائدة في العالم لأكثر من 70 عاما، وتتمتع بخبرة كبيرة في مجالات نقل الطاقة وأسواق النفط والغاز الطبيعي المسال والمخاطر الجيوسياسية والذكاء التنافسي .
وقال كونيلي في مقابلة خاصة مع مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات إن عدم قدرة الكويت على إنجاز أهدافها النفطية يحرمها من الاستفادة من الوضع الراهن في أسواق النفط العالمية، متوقعا زيادات محتملة خلال شهور ذروة الشتاء قبل الانخفاض مجددا في النهاية.
ويتخصص كونيلي في الاقتصاد الكلي الإقليمي والاتجاهات السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيـا، بالإضافة إلى أبحاث الذكاء التنافسي من خلال دراسة استراتيجيات الشركات والتطورات في المنطقة.

كبير المحللين بشركة إنرجي أنتلجنس كولبي كونيلي

وفي علاقة بأسعار النفط على المديين القريب والبعيد، توقع كونيلي أن تكون الأسعار في نطاق منتصف الـ90 دولارا خلال الربع الأخير من العام الجاري، مع زيادات محتملة خلال شهور ذروة الشتاء قبل الانخفاض مجددا في النهاية. ولازالت هناك حالة من الغموض تكتنف الأمور المتعلقة بالعرض و الطلب حتى نهاية العام الجاري والعام المقبل.
وقال إن الطاقة الإنتاجية لمنطقة الخليج اقتربت من معدلاتها القصوى، فعلى سبيل المثال الكويت بلغت تقريبا حدود طاقتها الإنتاجية والتي انخفضت بأكثر من 500 ألف برميل يوميا على مدار الأعوام الخمسة أو الستة الماضية، فهي تبلغ الآن حوالي 2.6 مليون برميل يوميا. 
وأشار إلى أن شركات النفط الوطنية في الكويت فقدت أهدافها الرامية إلى زيادة قدرتها الإنتاجية، منوها إلى أن تركيزها المتنامي على مزيد من الموارد المعقدة وغير التقليدية بغية رفع طاقتها الإنتاجية، سوف يفضي إلى زيادة كبيرة في التكاليف، ناهيك عن كثافة الكربون في النفط الخام الكويتي، مما قد يؤثر على القدرة التنافسية لقطاع النفط الكويتي مقارنة بالدول الخليجية الأخرى.
وأضاف أن هذا لا يعني أن القطاع النفطي الكويتي غير قابل للإصلاح، بيد أن عدم القدرة على إنجاز الأهداف السابقة يمنع الكويت حقاً من جني فوائد أكثر من الوضع الراهن.
وقدّر أن السعودية والإمارات لديهما طاقة إنتاجية احتياطية مجتمعة تبلغ حوالي 2.6 مليون برميل يوميا، مضيفا أن إيران لديها طاقة إنتاجية احتياطية تبلغ 1.2 مليون برميل يوميا من الممكن أن تستغل في حال تم رفع العقوبات عنها. 
وأوضح مسؤولون تابعون لدول تحالف أوبك بلاس أنهم مترددون في رفع مستوى إنتاجهم بكامل طاقته، معللين ذلك بأن الاستخدام الكامل لباقي الطاقة الاحتياطية سيتسبب في ارتفاع أكبر في الأسعار في حالة حدوث انقطاع كبير وغير متوقع في الإمدادات. 
وبالنظر إلى الحالة المتقلبة في عالمنا الآن، فإن هذه النظرة المستقبلية غير مستبعدة. وقال إن ليبيا تعتبر نموذجا مثاليا لهذا التصور نظرا لاستمرار تأثير تقلباتها السياسية والأمنية على مستوى انتاجها النفطي بصورة اعتيادية.
وأفاد كونيلي أنه على الرغم من أن السعودية والإمارات تعملان على توسيع طاقتهما الإنتاجية بمقدار مليون برميل يوميا لكل منهما، إلا أن المملكة لن تتمكن من استكمال هذا التوسع حتى عام 2027، بينما تسعى الإمارات لإنجاز هذا الهدف بحلول عام 2030.

عادة ما تنتشر الأوبئة في فصل الشتاء وهذا قد يؤثر على الإمدادات الصينية من نهاية عام 2022 وحتى بداية عام 2023

وبالنظر إلى مستوى كفاءة تنفيذ المشاريع لديها، قال إنه من الممكن أن يحقق البلدان هدفهما هذا قبل الوقت المحدد، مستخلصا أنه لا يوجد "علاج سريع" لهذه المشكلة المتعلقة بالحاجة لتوفير مزيد من الإمدادات بدون قيام الإمارات والسعودية، أكبر الأعضاء في أوبك، برفع طاقتهما الاحتياطية القصوى بصورة كاملة.
وأضاف أن هناك درجة كبيرة من عدم اليقين تستمر حتى عام 2023، متوقعا زيادة الطلب خلال شهور الشتاء نظرا لتبديل الوقود في أوروبا والتداعيات المحتملة لإمدادات الغاز الطبيعي، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى تشير إلى جانب سلبي محتمل أيضا. 
وأفاد أن هناك حالة قوية من التقلبات السياسية في كثير من الدول النامية، كما أن دخول الأسواق الناشئة في حالة ركود يعد جانبا سلبيا محتملا، ناهيك عن العامل الرئيسي المتعلق بالإغلاقات الصينية نتيجة لتفشي كوفيد -19. 
وعادة ما تنتشر الأوبئة في فصل الشتاء وهذا قد يؤثر على الصين من نهاية عام 2022 وحتى بداية عام 2023.
وأوضح كونيلي أنه في ظل وجود هذه التقلبات المحتملة حول الطلب فإنه من البديهي أن نرى أن هناك طريقا طويلة أمام عودة ما يصل إلى مليون برميل يوميا من النفط الإيراني لتهدئة المخاوف بشأن تقلبات الأسعار خلال فصل الشتاء.
وعن مدى تكيف السوق الدولية مع التحول في أسواق الطاقة بين الإمدادات الروسية والإمدادات الخليجية، أفاد كونيلي أن الشهور القليلة الماضية شهدت ارتفاعا طفيفا في كميات النفط الخام المتجهة من الخليج إلى أوروبا، مشيرا إلى أن معظمها من العراق. وتحدث عن المنتجات المكررة من الخليج مثل الديزل ووقود الطائرات التي لاقت إقبالا أكبر بكثير في أوروبا عما كان عليه الوضع في الماضي.
وتوقع أنه على الرغم من ذلك، فسيكون أي تحول كبير من الاعتماد على الخام والمنتجات المكررة الروسية بمثابة عملية معقدة وتستغرق وقتا طويلا.
وبالنسبة للدول الأوروبية القادرة على استيراد النفط الخام والمنتجات المكررة عبر البحر، أفاد أن هذا التحول يعد أمر يسيرا. 
كما توقع أن تواجه دول وسط أوروبا التي تعتمد على التدفقات من خط أنابيب دروجبا أوقاتا صعبة في سبيل إيجاد بديل للإمدادات الروسية، مستدركا أن الحظر الأوروبي الذي سيدخل حيز التنفيذ في وقت لاحق من هذا العام وفي أوائل عام 2023 سيتيح استثناءات لبعض من هذه الدول. 
وأضاف أنه مع ذلك ربما تسهم قدرتها على تصدير المنتجات الروسية حينذاك في سوق أوروبية أكثر إحكاما.

توقعات بأن يتلكأ المنتجون الخليجيون في إعادة تخطيط هيكل تدفقاتهم النفطية إلى الأسواق الأوروبية

وتعرّض للتساؤلات المطروحة على المدى الأطول بشأن مدى قدرة روسيا على الحفاظ على معدلات إنتاجها الحالية، مشيرا إلى أن هذا قد يؤثر على قدرة منتجي النفط الروس على الحفاظ على مستويات إنتاجها في المستقبل. 
واستطرد قائلا ستكون معظم الدول الأوروبية قد أوقفت أو خفضت الواردات الروسية حينئذ فإن مستهلكين مثل الهند والصين، اللتين تشتريان كميات كبيرة من النفط الروسي بخصم كبير، ربما يضطرون لتغيير وجهتهم بحثا عن بديل وربما يساهم هذا الأمر في تشديد الإحكام على السوق.
وعن مدى قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على استيعاب حاجات الأسواق الآسيوية والأوروبية، قال كونيلي إنه على الرغم من وجود فرص جديدة في أوروبا الآن نظرا لاحتمالية تبني الدول الأوروبية سياسات طويلة الأجل تهدف إلى خفض طلبها على النفط الروسي، فان المنتجين الخليجيين سيتلكئون في إعادة تخطيط هيكل تدفقاتهم النفطية إلى الأسواق الأوروبية. 
وأضاف "إذا كنت جالسا في منطقة الخليج ووظيفتي هي وضع استراتيجيات طويلة الأجل لتسويق صادرات النفط، فمن الوارد ألا أرى أوروبا كمكون رئيسي في تخطيطي المستقبلي"، موضحا أن فالخليجيين ينظرون إلى آسيا، وتحديدا الصين والهند، على أنها أسواق آمنة وموثوق بها ويمكن الاعتماد عليها لدعم نمو طويل الأجل للحاجة للنفط.
وعن علاقة النفط بإحياء الاتفاق النووي الإيراني، جزم كونيلي بأن هناك استفادة كبيرة تتمثل في إمكانية حصول المستهلكين الأوروبيين على براميل النفط الإيراني في حال التوصل إلى اتفاق نووي جديد ورفع العقوبات. 
وأفاد أنه تحرص بينما الصين والهند على شراء النفط الروسي بخصم كبير، فإن لدى ايران قدرة على المنافسة في السوق الأوروبية بشكل أكبر وتعويض النقص المطلوب، خصوصا أن المستهلكين هناك ينصرفون عن النفط الروسي ويبحثون عن مصادر إمداد بديلة.
وتوقع نجاح إيران في تعزيز إنتاجها النفطي سريعا في حال التوصل إلى اتفاق على المدى القريب، مضيفا أنه من المهم جدا أن نتذكر أن إيران لديها مخزون بحري من النفط الخام ومكثفاته يبلغ 90 مليون برميل، والذي يمكن طرحه على السوق فور التوصل إلى اتفاق.

إحياء الاتفاق النووي سيفضي إلى خفض الأسعار وسيستفيد منه بايدن وأوروبا والإيرانيون أنفسهم

واستنتج أن هذا سيفضى إلى خفض الأسعار، وهو أمر سيفيد بلا شك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وأوروبا وبالطبع الإيرانيين أنفسهم.
واستبعد كونيلي أن تمثل أسواق النفط أولوية رئيسية لإدارة بايدن في إطار محاولتها التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، مؤكدا أن إدارة بايدن تسعى لإحياء الاتفاق النووي كأكثر طريق فعالة في الحد من النشاط النووي الإيراني ومراقبته.

ولم يتحمس كونيلي لفكرة أن يؤتي أي اتفاق جديد لأي ثمار سياسية من منظور شرق أوسطي وخليجي، موضحا أن الاتفاق النووي الحالي لم يلق قبولا لدى كثير من شركاء واشنطن في منطقة الخليج، والذين ظلوا لسنوات ينتقدون أي اتفاق نووي مع إيران.
واستبعد قدرة بايدن على تحقيق تقدم من خلال زيارته لمدينة جدة الشهر الماضي في حال توقيع اتفاق نووي جديد قريبا.
وعرّج على العلاقة الأميركية الوثيقة مع إسرائيل التي يرى أنها تحظى بدعم من كلا الحزبين السياسيين، ناهيك عن أن الناخبين الديمقراطيين في الولايات المتحدة يهتمون بالسياسة الداخلية أكثر من اهتمامهم بالسياسة الخارجية، مستبعدا أن يفضى هذا إلى تحسين صورة الرئيس أمام مناصريه.
وعن توقعاته لشكل تصرف إيران بالمبالغ المتحصل عليها من رفع العقوبات وتأثير ذلك على المنطقة، تحدث كونيلي عن إدراك البيت الأبيض لنية طهران في كيفية استخدام التدفق النقدي المحتمل، متوقعا أن تركز إدارة بايدن (وأي إدارة مستقبلية بغض النظر عن حزبها السياسي) على المزايا الأمنية المحتملة للتطبيع مع إسرائيل كسبيل لتشجيع مزيد من الدول على الانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمي، والتعاطي معها في إطار القضايا ذات المصلحة والاهتمام المشترك، والتي ستكون على سبيل المثال لا الحصر، التهديد الإيراني للمنطقة.

واستبعد أن يمثل ذلك الهدف الرئيسي لواشنطن، مستشهدا بدولة الإمارات التي أقامت علاقات مع إسرائيل، ومع ذلك أعربت عن مخاوفها الأمنية للولايات المتحدة عقب الهجمات الحوثية على أبو ظبي في بداية هذا العام. 
واستخلص أنه إذا شعرت دول المنطقة، بأنه يتم استغلال الاتفاق النووي من إدارة بايدن لتقريبها مرغمة من إسرائيل، فإنه لا يتوقع بأن هذه الدول ستكافئ إدارة بايدن بالانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمي، بل على العكس تماما.
وعبّر كونيلي عن عدم دعمه لفكرة أن الولايات المتحدة في طريقها للانسحاب من المنطقة، موضحا أنه لا بد من الفصل بين ما ترغب واشنطن في إنجازه وبين ما هو في مقدورها أن تنجزه على أرض الواقع في خضم المشهد السياسي الأميركي المتقلب. واستطرد أن الرؤساء الأمريكيين يواجهون رفضا شعبيا متزايدا بخصوص الارتباط العسكري المباشر في الشرق الأوسط، مرجحا أن يظل الوضع هكذا ما لم تتعرض الولايات المتحدة لهجوم مباشر. 
وقال "يبدو أن هذا كله إلى جانب تزايد الأصوات الأميركية الداعية إلى التحول من استخدام النفط والغاز، وفكرة الدفاع الأميركي عن الدول الغنية بالنفط في الخليج، لا تلقى استحسانا شعبيا داخل الولايات المتحدة، حتى لو كان هذا الأمر يصب في مصلحة واشنطن الاستراتيجية.
وختم كونيلي بالقول إنه عندما تكون الدولة ديمقراطية فإن إرادة الشعب تحمل وزنا كبيرا لا يمكن تجاهله ،مشددا على أن دول الخليج ستستمر في توجسها من الالتزام الأمني الأميركي تجاه المنطقة ريثما يخضع هذا الالتزام لاختبار جاد ويثبت صدقه على أرض الواقع.