غياث المدهون يحضر لها يدا مقطوعة

الشاعر الفلسطيني غياث المدهون يقدم في مجموعته الشعرية نقدا شديدا للتصنيف العرقي الأوروبي، وللإسلاموفوبيا المنتشرة، وللعنصرية المهيمنة.

ستوكهولم - صدر حديثا عن منشورات المتوسط – إيطاليا مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني غياث المدهون بعنوان "لقد أحضرتُ لكِ يدا مقطوعة"، وهي مجموعة نصوص شعرية أكثر منها قصائد بالمعنى الشائع، تنطوي على سرد متماسك، رشيق وسلس، إنما أيضا غاضب، ذلك أن "تيمات" الشاعر هنا جميعها تثير الغضب، من مثل: فلسطين، وسوريا، والعلاقة الثنائية الحادة التي أنشأتها سياسات أوروبا بين المواطن (الأصلي) والمهاجر/اللاجئ... فهو يفتتح كتابه بمقولة ذات دلالة: "ليست البلاد الحرّة جميعها ستُحتلّ، لكن البلاد المحتلّة جميعها ستتحرّر".

يقدم نقدا شديدا للكيفية التي ينظر بها "الرجل الأبيض" لمن هو غير "أبيض" وفق التصنيف العرقي الأوروبي، وللإسلاموفوبيا المنتشرة، وللعنصرية المهيمنة في خطاب الغرب! لكن، مهلاً! هل يقدم ذلك في النصوص الشعرية؟ الحقيقة، نعم. إنها نصوص من نوع خاص، يقدم فيها رأيه بذلك كله بلا لبس ولا مجاز ولا دوران لغوي، ويقدم كذلك معلومات، وتواريخ، وأرقاما أيضا، إنما دون أن ينزع ذلك صفة الشعرية عن النصوص. وكمثال، يقول المدهون:

"ما أجملَ أن يكون لدى الإنسان أمل، حيثُ أعيشُ في ستوكهولم، وستوكهولم لمنْ لا يعرفها، مدينةٌ مُعَدَّةٌ للنياندرتال، ومن الصعبِ على هوموسيبيان مثلي أنْ يعتادَ عتمتها، ورغم أنِّي لا أُنكرُ أنَّني أُحبّها بشغفٍ، لكنَّه للأسفِ حبّ من طرفٍ واحدٍ، فستوكهولم لا تبادلني الحُبَّ، وإنْ كان أبريلُ أقسى الشهور كما يقول إليوت، فإن ستوكهولم أقسى المُدُن كما أقولُ أنا، ولكنْ، هناك شيء مهمٌّ يتعلَّق بالأمل، تستطيع ستوكهولم أن توفِّره لمهاجرٍ بلا أمل، ففي ستوكهولم تستطيع شراء ورقة لوتو بـ46 كرون سويدي، وفي يوم السبت، مثل كلّ سبت، تخسر الورقة، فتقوم بشراء ورقة جديدة، وهكذا، بـ46 كرون سويدي تشتري أملاً لمدّة أسبوع، وبما إن السنة تحوي 52 أسبوعا، فباستطاعتكَ أن تشتري أملاً لسنة كاملة بـ2392 كرون، وهو ما يعادل 273 دولارا حسب سعر الصرف بتاريخ كتابة هذا النصّ. يا إلهي ما أرخص الأمل"!

عندما يقرأ القارئ ديوانا، فإنه يغادره ويعود إليه لاحقا، مراتٍ، لإكمال القراءة، لكن، هنا، في "لقد أحضرتُ لكِ يداً مقطوعة"، فإن القارئ يقرأه دون توقف حتى الصفحة الأخيرة، مع كثير من التحفّز والتأمّل والحزن والغضب.

أخيرا، صدر الكتاب في 128 صفحة من القطع الوسط ضمن سلسلة "براءات"، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.

من الكتاب:

انتهتِ الحرب، وأصبحَ جميعُ مَنْ عرفتُهم ميتين، أو مجرمي حربٍ، أو مجرمي حربٍ ميتين.

لو كنَّا في عالمٍ افتراضيٍّ

لأطفأتُ الحرب كما تطفئين التلفزيون

ولكنَّنا وُلدنا في عالمٍ ابن عاهرة

وحين يُولدُ النَّاس في عالمٍ ابن عاهرة

يتحوَّل الزَّمن إلى آلةٍ كاتبة

والقتلى إلى قصائد.

وغياث المدهون شاعر فلسطيني من مواليد دمشق عام 1979، هاجر إلى السويد عام 2008، ويقيم حاليا بين برلين وستوكهولم. هذه مجموعته الشعرية الخامسة، بعد "أدرينالين" عن منشورات المتوسط التي صدرت في طبعتين 2017-2018. تُرجمت قصائد غياث إلى أكثر من عشرين لغة، وصدرت بعدة لغات في ثمانية كتب مترجمة. كان شِعره جزءا من العديد من أعمال الفنانين المعاصرين، مثل جيني هولزر، وبليكسا بارجيلد.

وصلت الترجمة الإنجليزية لمختارات من قصائده إلى القائمة الطويلة لـBTBA جائزة أفضل كتاب مترجم إلى الإنجليزية 2018. وتصدرت الترجمة الألمانية قائمة Litprom Bestenliste لأفضل كتاب مترجم إلى اللغة الألمانية صيف 2018. فاز المدهون بمنحة DAAD. (فنان مقيم في مدينة برلين) 2019 / 2020.