فشل فلسطيني وإسرائيلي فضحته غزة

الحرب في غزة لن تنتهي كما أن الضفة ستظل بؤرة مشتعلة وستبقى سلطة أوسلو علامة على فشل إسرائيلي لا يمكن غض النظر عنه.
غزة تتحول في كل حرب إلى فرن يُحرق فيه الأبرياء تحت ذريعة مطاردة العدو المختبئ بين صفوفهم
إسرائيل ساهمت بتدمير سلطة رام الله بزعيمها محمود عباس وليس أمام الجميع سوى أن يبدأوا من جديد

ما من حرب هي آخر الحروب في غزة. تنهي غزة حربا لتكون في انتظار حرب أخرى. غزة هي واحد من أهم عناوين الفشل الفلسطيني المواجه بإرادة شر متمكنة من الجانب الإسرائيلي الذي يعرف أنه يقاتل بعنف عدوا ضعيفا. لا هدف للإسرائيليين من حروبهم سوى تلقين حركتي حماس والجهاد الإسلامي دروسا لا تُنسى. ومن أجل تلك الدروس تُزهق أرواح بريئة وتُهدم مدارس على رؤوس الأطفال وتُحرق مستشفيات. لا حدود أخلاقية للعنف الإسرائيلي. العالم كله يعرف ذلك غير أنه يركن ضميره جانبا ويعلن عن وقوفه مع إسرائيل وهي تدافع عن نفسها ضد التهديدات التي تنطوي عليها صواريخ الفلسطينيين التي نادرا ما تصل إلى الأرض بسبب القبة الحديدية التي تحول دون وصول الصواريخ إلى أهدافها.

المشكلة ليست فلسطينية خالصة. يتحمل الإسرائيليون الجزء الأكبر منها. غزة مدينة منبوذة، محرومة ومحاصرة. ولقد ابتليت بالشقاق الفلسطيني الذي لن يكون له حل إلا إذا قامت إسرائيل بخطوات تسهل من تقارب الطرفين الفلسطينيين المختلفين وهي مفارقة قد لا تقوم على منطق عقلاني غير أنها ممكنة. فإن تحسنت الأحوال في غزة وتخلص أهلها من الفقر بعد فك الحصار عنهم وتيسير سبل المساعدات وإعادة الاعمار فإنها لن تكون مدينة حرب. ستكون مدينة أخرى. ولقد أثبت الفلسطينيون عبر العقود الماضية أنهم حريصون على التعليم وهو الركن الأساس في بناء شعب ايجابي متحضر.

ستُلقى كل أسباب الفشل إن استمر على القيادات الفلسطينية سواء تلك التي في غزة أو في الضفة الغربية وسيكون في إمكان انتخابات نزيهة وبإشراف دولي أن تضع حدا للشقاق بعد أن تعود غزة إلى الحاضنة الفلسطينية وتكون المطالب الفلسطينية واضحة المعالم في أية مفاوضات مع إسرائيل حول الحل النهائي. سيستغرق ذلك زمنا طويلا، ولكن اللجوء إليه أفضل من الاستمرار في دورة العنف التي لن تستفيد منها إسرائيل وهي تسجل انتصارات بائسة على مدينة مغلوبة على أمرها. من الغباء أن تعتبر الحكومة الإسرائيلية الحرب في غزة انتصارا يمكن أن يزيد من رصيدها في الانتخابات المقبلة. تلك فكرة ساذجة.

أعمال القتل وهي أمر يسير بالنسبة للجانب الإسرائيلي ليست انجازات يُعتد بها ولا ينبغي أن تكون كذلك. هل تكون إسرائيل سعيدة وهي تمارس عملية إبادة عبثية لشعب غزة تذكر بالهولوكوست (المحرقة) اليهودي؟ غزة تتحول في كل حرب إلى فرن يُحرق فيه الأبرياء تحت ذريعة مطاردة العدو المختبئ بين صفوفهم. ومن المعيب أن يدخل مشروع الحرب على غزة في أجندة الحكومات الإسرائيلية الجاهزة لممارسة العنف في حق الفلسطينيين لا في غزة وحدها، بل وأيضا في كل مدن الضفة الغربية. كان على الحكومات الإسرائيلية أن تضع ضمن برامجها الوسائل التي تمكن الفلسطينيين من تطوير نظامهم السياسي ليكونوا مستعدين وبشكل منظم للانتقال إلى مرحلة الحل النهائي وهو ما يخدم إسرائيل أولا.

اما لو شئنا لوم الفلسطينيين لأنهم فشلوا في ايجاد صيغة يكونون من خلالها موحدين في مواجهة الخوف الإسرائيلي من السلام فإن ذلك اللوم لن يؤدي إلى نتيجة نافعة. ليست غزة وحدها، بل الضفة الغربية أيضا يمكن أن تنفجر في أية لحظة في وجه سلطة رام الله أو أوسلو لما هي عليه من فساد. ذلك فساد مبرمج. لقد محت تلك السلطة أي أثر للقضية وصار النضال الوطني الفلسطيني بالنسبة لها شيئا من الماضي، بل صار التذكير به جريمة. والحقيقة أن السلطة نفسها صارت جزءا من ماض ينبغي العمل على إزاحته من أجل أن يتعرف الفلسطينيون على ما تبقى من حقوقهم. ذلك لا يعني أبدا السماح لحركة حماس بقيادة المرحلة المقبلة التي تتطلب حزما سياسيا وطنيا لا تملكه حماس وهي مرتبطة بجهات عقائدية ودول عديدة.

ولكن اللوم يقع على إسرائيل وهي التي مارست مختلف الألعاب من أجل أن تبقي سلوكها القائم على العنف جاهزا لتعاقب عدوا تعرف أنه أضعف منها. كان عليها أن تدرك أن الموضوع يتخطى العقاب والدروس التي لا تُنسى إلى مستقبل يمكن أن يشكل شراكة بين طرفين ارتبطا مصيريا ولا يمكن أن يُفك ارتباطهما. فالحرب في غزة لن تنتهي كما أن الضفة ستظل بؤرة مشتعلة وستبقى سلطة أوسلو علامة على فشل إسرائيلي لا يمكن غض النظر عنه. لقد ساهمت إسرائيل في تدمير سلطة رام الله بزعيمها محمود عباس. وليس أمام الجميع سوى أن يبدأوا من جديد.