في هجاء حماس ومديحها

احترمت حماس الدم الفلسطيني الذي كاد أن يُهدر عبثا. ذلك ليس بالقليل.
كل ما فعلته حماس عبر سنوات هيمنتها على السلطة في غزة انما يدخل في ما يُسمى بالوقت الضائع
ليس نافعا هجاء حماس أو مديحها إلا إذا تحول درسا يستفيد منه الفلسطينيون في صراعهم مع العدو الإسرائيلي

نأت حركة حماس بنفسها هذه المرة عن الحرب. تركت حركة الجهاد الإسلامي وحدها هدفا للغارات الإسرائيلية ولقرار إسرائيل في تصفية قياداتها العسكرية.

"هذه الحرب ليست حربنا". تلك هي خلاصة الموقف الذي اتخذته حماس من غير أن تستشير مرجعياتها على صعيدي التنظيم أو التمويل. وهي لا تريد أن تضيف حربا خاسرة جديدة إلى سلسلة حروبها التي بدأت عام 2014.

كانت حماس قد ارتكبت حماقات كثيرة دفعت غزة وأهلها ثمنها ولا تزال آثار دمار الحروب ماثلة أمام الأعين وليس في الإمكان إخفاؤها بعد أن عجزت أموال المانحين عن القيام بذلك. لذلك فإنها لم تنصت إلى أصوات اللائمين الذين اعتبروا امتناعها عن المشاركة في الحرب موقفا متخاذلا.

كما أنها لا تريد أن تُزيد من أعداد الشامتين. وفي ذلك سلوك سياسي لا علاقة له بالجانب الإنساني الذي مضت به حماس إلى الحضيض من خلال حروبها المتتالية التي لم تتقدم خطوة واحدة بالقضية الفلسطينية.

تعاملت حماس مع مبدأ "وحدة الجبهات" هذه المرة من منطلق شمولي. لذلك لم تعتبر ما تعرض له أحد قيادات الجهاد الإسلامي سببا لإعلان الحرب على إسرائيل وهي تعرف أن إسرائيل لا يعنيها في شيء الضرر الذي يمكن أن يُلحق بالطرف المقابل وهي حين ترد بعنف فلأنها تعودت ذلك ولن يقف أحد في وجهها، بل أن العالم كله سيقف معها في ما يُسمى بـ"الدفاع عن النفس" وهو تبرير جاهز للعدوان.

هل كان نافعا لمَن كان يبتهج بحروب حماس أن تنزلق الحركة إلى حرب، تعرف جيدا أنها لن تنتهي في ثلاثة أيام وهي تعرف أن البنية التحتية المتهالكة في غزة ستُدمر يشكل نهائي؟ عدم الاكتراث بالجانب الإنساني من أجل شعارات فارغة هو ما جعل حماس تتصدر المقاومة، ولكن حماس حين تدرك أنها قد تكون هدفا هذه المرة بقياداتها فإنها تعرف ما هو نافع.

لقد قيل الكثير في هجاء حماس من قبل فريق كان يعول على حروبها الخاسرة. إنهم يريدون أن يضيفوا إلى أجندتهم هزيمة جديدة في غزة من غير أن يفكروا في أن ما يسقط على رؤوس أهل غزة ليس حلوى.

ما لا يدركه ذلك الفريق أن الموقف السلبي الذي اتخذته حماس زاد من شعبيتها. لقد احترمت الدم الفلسطيني الذي كاد أن يُهدر عبثا. ذلك ليس بالقليل. غير أن حماس التي احتكرت الحرب منذ هروبها بالقطاع من السلطة الفلسطينية قد ترى أن أية جهة سواها غير مخولة بإعلان الحرب على إسرائيل. وفي ذلك يختلف الموقف منها ومن جنون قياداتها الذي تنامى مع الارتباط بالأجهزة الإيرانية وفي مقدمتها الحرس الثوري الإيراني. ربما رأت حماس في الحرب الأخيرة خروجا على طاعتها وهي التي تحكم غزة باعتبارها دولة مستقلة. في ذلك تكون حركة الجهاد قد ارتكبت خطأ تستحق أن تُعاقب بسببه.

في كل الأحوال كان هجاء حماس كثيرا ومديحها قليلا.

ينسى محبو حماس الذين تحولوا إلى الهجاء أنهم قد تسامحوا مع أخطاء جوهرية ارتكبتها الحركة حين شنت حروبها من غير أن تدخل تلك الحروب في الأجندة الوطنية الفلسطينية.

ليس نافعا هجاء حماس أو مديحها إلا إذا تحول درسا يستفيد منه الفلسطينيون في صراعهم مع العدو الإسرائيلي. ولكن الدرس الأهم الذي ربما لن يتعلمه أحد انما يكمن في أن الحروب العبثية يجب أن تتوقف من أجل أن يفرض جيل فلسطيني رؤيته العقلانية على أرض الواقع من خلال عودته إلى القانون الدولي.

الفلسطينيون في حاجة إلى أن يحسنوا أحوالهم من أجل أن يكون حوارهم مع العدو مقبولا بالنسبة للعالم. ما لم يصلوا إلى تلك النتيجة فإن إسرائيل ستظل هي الرابحة في كل شيء. فهي المستفيدة من العبث الفلسطيني. كلما أوغل الفلسطينيون في أخطائهم كلما زادت كفة إسرائيل ثقلا في الميزان العالمي. وفي النهاية فإن قضيتهم ليست محلية. إنها قضية تهم العالم ولكنهم أخطأوا التقدير.

حماس هي ظاهرة غير صحية في تاريخ النضال الفلسطيني. كل ما فعلته عبر سنوات هيمنها على السلطة في غزة انما يدخل في ما يُسمى بالوقت الضائع. وهي تشبه في ذلك سلطة رام الله التي لم تقدم شيئا من هبات أوسلو للفلسطينيين. ولكن هل يُعقل أن يظل الفلسطينيون رهيني ذلك الواقع المريح لإسرائيل؟