ما هو اكتئاب ما بعد المونديال؟

بعد اسدال الستار على العرس الكروي، ابحث عن هواية بديلة ولا تنطوي على نفسك بل يُنصح بمقابلة الأصدقاء كما ينصح بتجنب تجاهل العمل أو الدراسة، فالعودة إلى المسار الصحيح للواجباتخيار أكثر حكمة.

الدوحة – شغل المونديال كثيرين والهب حماسهم لاربعة أسابيع متواصلة بلا انقطاع، حتى اصبحوا يتنفسون كرة قدم واصبحت الساحرة المستديرة وقودا لحماسهم ودافعا مهما لهم اثناء يومهم..لكن للاسف لا شيء يستمر وسيكون عليه الانتظار اربعة سنوات اخرى للعودة لهذا النسق المجنون، وينبه خبراء الصحة النفسي الى ما يسمونه "اكتئاب ما بعد المونديال" طارحين طرقا لتخطيه.

وانتشرت مقاطع فيديو ولقطات ساخرة على مواقع التواصل، تصوّر حال المقيمين في دولة قطر، وافدين وسكّاناً، وكذلك حال المتابعين حول العالم، كما لو أنّهم مصابون بما يمكن تسميته متلازمة ما بعد المونديال.

وهذا الحزن الذي يلي البطولة، أو الاكتئاب ربما، له اسمه وتفسيراته العلمية، إذ يشعر الشخص بأنه تائه بعد انتهاء حدث عالمي بهذه الأهمية. وتشمل الأعراض انطفاءً في العين، وشعوراً عاماً بالخمول، وفقداناً للشهية، وميلاً إلى كثرة مشاهدة التلفاز لتعويض نهاية كأس العالم.

إذ مع الدراما ومفاجآت الأهداف الخاطفة، والإخفاقات الصادمة، والانتصارات في اللحظة الأخيرة، يشعر لاعبو كرة القدم بالسحر والانخراط، ما يجعل المشجعين والمحترفين على حد سواء ينتظرون المونديال بفارغ الصبر.

وبعكس الحماس المفرط في اليوم الأول لكأس العالم لكرة قدم، ينتظر الجماهير تراجعاً تدريجياً حاداً في عدد المباريات اليومية والأسبوعية، وصولاً للمباراة النهائية وتتويج الفائز بالكأس من الفرق الدولية.

هذا التناقض العميق ليس محزناً على المستوى العام فحسب، بل كان أيضاً مسبباً للاكتئاب والشعور بالقلق في آنٍ واحد، فهو يشير إلى أن الحياة الطبيعية ستعود إلى مجراها السابق من الاعتيادية والرتابة، وهو ما بات يُعرف بـ"اكتئاب ما بعد كأس العالم".

توضح مؤسسة الصحة العقلية الأميركية علاقة كرة القدم بالصحة العقلية، خاصة خلال فترة انعقاد بطولة كأس العالم.

أول عوامل الشعور بالمتعة عند المشجعين والمتابعين للمباريات هو "التنفيس"، حيث يتمكن الناس خلال عدة أسابيع متوالية التنفيس عن المشاعر المكبوتة والعاطفة الشديدة مثل الإحباط أو الانزعاج أو الحزن بطريقة مقبولة اجتماعياً.

فرصة لتفريغ أسابيع وأشهر وسنوات من الإحباط المتراكم والضيق العام

ذا من المفترض أن تكون المدة الطويلة والمركزة لكأس العالم بمثابة فرصة جوهرية لهذا التنفيس، وفرصة لتفريغ أسابيع وأشهر وسنوات من الإحباط المتراكم والضيق العام.

حيث تكون المشاعر التي تنتاب الناس خلال كأس العالم حقيقية وغير مبالغ فيها تماماً، مهما بدا الأمر عكس ذلك لغير المهتمين بتشجيع فرق كرة القدم. وتكون الفرحة شديدة كما يمكن أن تكون خيبة الأمل ساحقة.

ولكن بدون مباريات تستقطب الاهتمام العالمي، يعود الشخص مجدداً لحالته العامة والمعتادة من الفتور والتحامل النفسي على مشاعره السلبية أو الإيجابية المكبوتة وغير المفرّغة، مع نهاية المونديال يبدأ الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي في استيعاب الحياة الواقعية والتساؤل: "بعد كل هذا، كيف نتوقع أن نعود إلى العمل وعيش حياتنا المملة؟".

إلى جانب الترفيه الكثيف والقيمة الدرامية لكرة القدم في البطولة العالمية لكأس العالم، هناك النشوة المشتركة والعذاب الجماعي للتجربة، والتي تساهم في إحساسنا بالمكافأة والرضا النفسي.

لذلك يمكن القول إن الكثير من الحزن ينبع من فقدان انتظام تجارب الصداقة والترابط تلك، ولكن يمكن بالتأكيد استحضارها خارج فكرة مباريات كأس العالم لكرة القدم.

علاوة على ذلك، لا حَرَج في تنظيم هواية بديلة بشكل استباقي، أو نشاط اجتماعي منتظم مع الأصدقاء والعائلة، أو حتى خطط استباقية لمتابعة مواسم كرة القدم الدولية والدوريات المفضلة، وذلك لإشباع الشعور بغياب كأس العالم والحفاظ على مساحة الطاقة الإيجابية والإحساس بالاهتمام بالهدف الأكبر الذي وفره للجماهير حول العالم.

كذلك، لا تنطوي على نفسك. فحبس النفس وتجنب المحادثات فجأة بسبب غياب "الموضوع المشترك" لن يساعد أبداً؛ بل يُنصح بمقابلة الأصدقاء الذين يشاركون نفس الشغف بالأمور المتنوعة.

تجنبوا تجاهل العمل أو الدراسة، فالعودة إلى المسار الصحيح للواجبات، سواء تعلق الأمر بالدراسة أو العمل، خيار أكثر حكمة. وتجنبوا إعادة مشاهدة المباريات، فلن يساعد هذا الهوس في الخروج من الحزن. والأهم، تذكروا أنه كانت لديكم حياة قبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، وما عليكم سوى العودة إليها.

وخلال بضع سنوات ستمر سريعاً قبل أن تنتبه، استعد مجدداً لمونديال حماسي بذهن أكثر وعياً بقيمته وتأثيراته الإيجابية على الصحة النفسية.