متحف الحرير يضيء على تاريخ صناعة اندثرت في لبنان

القطاع كان يشكل حركة اقتصادية هامة في البلاد وهناك آمال لإحيائه من جديد.

بيروت - رغم توقف صناعة الحرير في لبنان منذ أكثر من عقدين، إلا أن آخر معامل تلك الصناعة ما يزال شاهدا على حقبة ذهبية من تاريخ البلاد، حيث كان الحرير أساسا للاقتصاد والنسيج الاجتماعي اللبناني.

ويقع معمل الحرير الناجي من بين عشرات المعامل والذي تحول عام 2001 إلى متحف في بلدة بسوس بقضاء عاليه (وسط)، ليروي قصة الحرير في لبنان بكامل تفاصيلها، ابتداء من تربية دود القز مرورا بالإنتاج ووصولا إلى التصدير للخارج.

ووفقا لروايات مختلفة، يعود تاريخ الحرير في لبنان إلى أكثر من ألفي عام، عندما كان يأتيها من الصين عبر "طريق الحرير"، ليصنّع ويُصبغ في المدن الفينيقية.

ويعد العصر الذهبي للحرير في لبنان بين عامي 1840 و1912، خلال الحكم العثماني للبلاد الذي استمر خلال الفترة 1516 إلى 1918.

وفي تلك الفترة، كان موسم الحرير حدثا زراعيا وصناعيا هاما لآلاف اللبنانيين، حيث كان يشكل 50 في المئة من الدخل القومي للبلاد.

وتلقب شجرة التوت الأبيض بـ"شجرة الذهب"، حيث تعيش عليها دودة القز وتنسج منها الشرنقة التي يستخرج منها خيط الحرير بطول يتراوح بين 600 إلى 1500 متر.

ولصناعة ربطة عنق من الحرير يتطلب استخدام 110 شرانق تقريبا، بينما يتطلب استخدام 630 شرنقة لصنع قميص من الحرير.

وفي أوائل القرن العشرين، قُدر عدد معامل إنتاج الحرير (كرخانة) في لبنان والتي تتميز بتشابه هندستها المعمارية، بـ183 معملا، إلا أن عددها بدأ يتضاءل تدريجيا منذ عام 1945، إلى أن اندثرت كليا مطلع القرن 21.

وظل معمل الحرير في بسوس ينتج الحرير على مدى أكثر من 50 عاما (1901 – 1953) قبل أن يغلق أبوابه ويشتريه الزوجان جورج والكسندرا عسيلي في سبعينيات القرن الماضي.

واضطر الزوجان بسبب الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، للابتعاد عن مكان المعمل، قبل أن يعودا إليه في أواخر التسعينات، حيث قاما بترميمه وإعادة تأهيله، ومن ثم افتتاحه كمتحف عام 2001.

وقالت سعاد صافي التي تعمل مرشدة في المتحف إن "الحرير غيّر وجه لبنان الاقتصادي، وبسببه جرى شق الطرقات بين القرى لنقله إلى الأسواق الداخلية وتصديره خارجيا".

وبسبب الحرير، أصبحت المرأة اللبنانية من أولى العاملات في قطاع صناعة الحرير، فضلا عن استخدام العديد من العائلات اللبنانية ألقابا مستوحاة من هذه الصناعة مثل "الحريري والحايك والقزي"، بحسب صافي.

وأوضحت المرشدة السياحية أن صناعة الحرير تسببت في ظهور المصارف في لبنان، لتسهيل الأعمال التجارية المتعلقة بصناعته.

وتابعت أنه "بفضل صناعة الحرير، انفتح لبنان على العالم من خلال قوافل التجارة التي كانت تسلك طريق الحرير نحو الصين، ودخل إلى البلاد ألبسة وعادات وتقاليد جديدة، وأطعمة لم تكن تعرفها لبنان من قبل مثل الأرز والبهارات".

وعن توقف صناعة الحرير في لبنان، أشارت صافي إلى أن "الحروب والمنافسة الاقتصادية هي أبرز أسباب توقفها، إضافة إلى ابتكار أقمشة صناعية تشبه الحرير مثل النايلون، ما شكل ضربة قاضية للحرير اللبناني".

وعلى إثر ضعف القطاع، حاولت الدولة اللبنانية دعمه أواخر الخمسينات بإنشاء مكتب حكومي مخصص للحرير، كانت مهمته الأساسية توزيع بيوض دودة القز على المزارعين وتقديم الإرشادات المناسبة.

وكشفت مي مزهر المسؤولة بوزارة الزراعة اللبنانية أن "المكتب حاليا خال من الموظفين، بعدما أحيل آخر موظفيه منذ سنوات إلى التقاعد، فضلا عن تعطل البنية التحتية والمختبرات المخصصة لهذا القطاع".

وأضافت "كانت مهام مكتب الحرير هي استيراد بيوض مؤصلة من اليابان، والعمل على تفقيسها وتوزيعها على المزارعين مجانا، إضافة إلى توزيع شتلات التوت على المزارعين والحفاظ على جودة نوعيتها".

ولفتت المسؤولة الحكومية إلى أن "هذا القطاع كان يشكل حركة اقتصادية هامة، ونطمح لإحيائه من جديد، لأنه نشاط زراعي سهل ومربح، ويؤمن دخلا ماليا هاما للمرأة الريفية".

كانت الحكومة تشتري الإنتاج من المزارعين وتبيعه للمصدرين أو للمصانع المنتجة، إلا أن المنافسة الصناعية، وخصوصا الصينية منها، أدت إلى اندثار هذه الزراعة في لبنان تدريجيا، وفق مزهر

وأشارت إلى أن "وزارة الزراعة تدرس تقديم مشروع حكومي لإعادة هذه الزراعة والصناعة إلى الحياة من جديد، وتأمل من الجهات الدولية المانحة تأمين التمويل اللازم لذلك، في ظل الصعوبات الاقتصادية التي يوجهها لبنان منذ 2019".