مخلص الصغير يرتحل بالشعر في 'الأرض الموبوءة'

الديوان يترحّل بنا ما بين تطوان ومرتيل والدار البيضاء وإشبيلية وقرطبة وغيرها، مثلما يقودنا إلى مرافقة الإنسان في ملحمته الكبرى على ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي سفره عبر التاريخ والجغرافيا، منذ فترة ما قبل الميلاد.

عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت صدر ديوان "الأرض الموبوءة" للشاعر المغربي مخلص الصغير. ويضم الديوان مجموعة من القصائد التي كتبت على مدى عشرين سنة، تتصدرها قصيدة "الأرض الموبوءة"، وهي عمل شعري مطول أبدعه الشاعر سنة 2022، في الذكرى المائوية لميلاد قصيدة "الأرض الخراب" للشاعر الإنكليزي ت. س. إليوت.

كتبت قصائد الديوان ما بين المغرب وإسبانيا، حيث تحضر الأندلس مرجعيةً شعرية وفضاءً حضاريا وثقافيا ملهِما، بينما تستحضر القصائد الأخيرة من الديوان حيرة الإنسان المعاصر وارتباكه الوجودي أمام الفجائع والأوبئة والحروب وتداعياتها على عالم اليوم.

والديوان احتفاء شعري بالمكان، أيضا، وهو يترحّل بنا ما بين تطوان ومرتيل والدار البيضاء وإشبيلية وقرطبة وغيرها، مثلما يقودنا إلى مرافقة الإنسان في ملحمته الكبرى على ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي سفره عبر التاريخ والجغرافيا، منذ فترة ما قبل الميلاد. من هنا يعرف الشاعر نفسه في قصائده بأنه مغربي متوسطي وأندلسي وأمازيغي أطلسي... كما يرد ذلك في قصيدة "المغربي"، التي استهل بها ديوانه: "لِي مِفْتَاحُ بَيْتٍ فِي الْأَنْدَلُسْ/ وَقُفْلٌ في طَوْقِ الْمُوَشَّحَاتْ/ أَنَا الْأَنْدَلُسِيُّ. لِي فِي الْعِشْقِ مَذْهَبٌ غَجَرِيُّ/ وَلِي فِي الشَّرْقِ أَسَاطِيرٌ/ وَمُعَلَّقَاتٌ وَشَهْرَزَادٌ/ وَنَبِيُّ...".

تجمع الممارسة الشعرية في هذا الديوان بين إيقاعات شعر التفعيلة وإيقاعات قصيدة النثر، إذ يستثمر الشاعر التراكم الموسيقي للقصيدة العربية، من خلال تجربة معاصرة في الكتابة، حيث نقرأ في القصيدة نفسها: "أَنَا خَاتَمُ الشُّعَرَاءْ/ وَقَافِيَةُ البَرِّ وَالْبَحْرِ/ أَنَا النَّثْرُ الشِّعْرِيُّ/ وَالشِّعْرُ النَّثْرِيُّ. وَأَنَا لَسْتُ أَنَا/ أَنَا غَيْرِي/ وَلَسْتُ سِوَى شِعْرِي، وَشِعريَ نَثْرِي/ أَنَا الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ... وَالْكِتَابِيُّ...".

كما تأتي قصائد هذا الديوان مأخوذة بمصير العالم على هذه "الأرض الموبوءة"، حيث نقرأ في قصيدة "إلى أين؟" بعضا من تلك الأسئلة الشعرية المؤرقة: "أُمَّةٌ أَمْ بِلَادٌ هُنَا تَحْتَرِقْ/ الْمَدَى غَامِضٌ/ وَخَيَالِي قَلِقْ. وَالْوَبَاءُ يُطَارِدُنَا/ إِنَّهَا الْبَشَرِيَّةُ/ تُوشِكُ أَنْ تَخْتَنِقْ. لَا مَلَاكَ يُحَلِّقُ فَوْقَ سُطُوحِ الْمَدِينَةِ/ لَا حَجَلٌ يَنْطَلِقْ. فَالسَّمَاءُ مُلَبَّدَةٌ بِالْحُرُوبِ/ وَأَحْلَامُنَا فَوْقَنَا/ تَحْتَرِقْ... إِنْ بَقِينَا/ بِلَا أَمَلٍ فِي الْأَمَلْ/ فَلْنَدَعْ هَذِهِ الْأَرْضَ/ وَلْنَفْتَرِقْ".

وتخوض قصائد هذا الديوان في حوار رمزي مع محكيات تاريخية وأسطورية، وسرديات وشعريات شتى، بلغة جديدة وبلاغة مبتكرة. حيث تغدو الكتابة ثورة جمالية على اللغة باللغة نفسها، وبحثا شعريا عن الشعر وحده. ومع ذلك، لا تكف تجربة مخلص الصغير عن استحضار اللحظات الشعرية الإنسانية الكبرى واستثمار جمالياتها الخاصة، من الشعرية الإغريقية إلى الشعرية العربية المشرقية والمغربية والأندلسية، مرورا بالمدونات الكبرى للشعر العالمي الحديث ووصولا إلى آخر تجارب الشعر المعاصر.