مشاعر المرارة والغضب تتملّك الأتراك مع تضاؤل جهود الإنقاذ

فرق الإغاثة والانقاذ احتاجت إلى أيام عدة للوصول إلى مركز الكارثة مع ناجين تركوا لتدبر أمرهم وهم يحاولون انتشال أقارب لهم من تحت الأنقاض بأيديهم.
الغضب يتزايد وسط العائلات التي ما زالت تنتظر خروج ذويها المفقودين
تأثير الزلزال على الناس لن ينتهي في غضون ثلاثة أشهر
وكالات الإغاثة الدولية تكثف جهودها لمساعدة الملايين الذين تركوا بلا مأوى

أنقرة - بعد أكثر من عشرة أيام على وقوع الزلزال أخرج منقذون اليوم الخميس في تركيا فتاة على قيد الحياة من تحت الأنقاض وأظهرت لقطات المنقذين وهم يحملونها على محفة إلى سيارة إسعاف، لكن عمليات الإنقاذ باتت نادرة بما يفسح المجال لمشاعر الحزن والغضب مع تلاشي الأمل في العثور على المزيد من الناجين.

واكتشف الأتراك بمرارة أن فرق الإغاثة والانقاذ احتاجت إلى أيام عدة للوصول إلى مركز الكارثة مع ناجين تركوا لتدبر أمرهم وهم يحاولون انتشال أقارب لهم من تحت الأنقاض بأيديهم وسط البرد الصقيعي من دون مساعدات أو مؤن.

وانتشلت أكثر من 36 ألف جثة من بين الأنقاض مع مرور 11 يوما على الزلزال وهذه الحصيلة مرشحة للارتفاع لا بل أن تتضاعف بحسب الأمم المتحدة.

وقالت محطة "تي.آر.تي خبر" أن فتاة في السابعة عشرة من العمر تم إنقاذها في إقليم كهرمان مرعش في جنوب شرق تركيا بعد 248 ساعة من وقوع الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة ووقع في جنح الليل في السادس من فبراير/شباط وتجاوزت حصيلة ضحاياه في تركيا وسوريا 41 ألف وفق آخر إحصائيات.

وقالت السلطات إن عدد من قتلوا في أسوأ زلزال يضرب تركيا في تاريخها الحديث ارتفع إلى 36187 على الأقل، أما في سوريا التي أضاف الزلزال فيها للأزمة الإنسانية بسبب الحرب الدائرة منذ أكثر من 11 عاما فقد بلغ عدد القتلى المسجل حتى الآن 5800 وهو عدد لم يطرأ عليه تغير يذكر في الأيام الماضية.

وتكثف وكالات الإغاثة الدولية جهودها لمساعدة الملايين الذين تركوا بلا مأوى، فيما ينام الكثير منهم في الخيام أو المساجد أو المدارس أو في سياراتهم الخاصة.

وناشدت الأمم المتحدة اليوم الخميس العالم جمع أكثر من مليار دولار لمساعدة لعملية الإغاثة التركية وذلك بعد يومين فقط من مناشدتها لجمع 400 مليون دولار للسوريين.

وقال مارتن جريفيث منسق الأمم المتحدة للمساعدات الذي زار تركيا الأسبوع الماضي إن المواطنين "يعانون حزنا لا يوصف"، مضيفا "يجب أن نقف معهم في أحلك أوقاتهم ونضمن حصولهم على الدعم الذي يحتاجون إليه".

وعلى الرغم من العثور على عدد من الناجين في تركيا يوم الأربعاء إلا أن تقارير عمليات الإنقاذ المماثلة باتت متباعدة، بينما لم تعلن السلطات في تركيا وسوريا عدد من لا يزالون في عداد المفقودين، لكن الغضب يتزايد وسط العائلات التي ما زالت تنتظر خروج ذويها المفقودين بسبب ما ترى أنه ممارسات بناء فاسدة وتطويرا حضريا معيبا بشدة نتج عنه انهيار آلاف المنازل والشركات.

وبينما تهدم آلات الحفر ما تبقى من كتلة سكنية فاخرة في مدينة أنطاكية الجنوبية كانت تعيش فيها ابنتاها، قالت سيفيل كارابدل أوغلو "كان لدي طفلتان. ليس لدي غيرهما. هما تحت الأنقاض".

ويعتقد أن نحو 650 شخصا لقوا حتفهم حين انهار مبنى رينيسانس ريسيدنس في الزلزال وأضافت "استأجرنا هذا المكان باعتباره سكنا للنخبة ومكانا آمنا. كيف أعرف أن المقاول بناه بهذه الطريقة؟ الجميع يتطلع إلى تحقيق ربح. جميعهم مذنبون".

وعلى بعد نحو 200 كيلومتر تجمع نحو 100 شخص في مقبرة صغيرة في بلدة بازارجيك لدفن أسرة شابة مكونة من الوالدين، إسماعيل وسيلين وابنتيهما الصغيرتين الذين لقوا حتفهم في مبنى رينيسانس ريسيدنس الذي هُدم في الزلزال.

ووعدت تركيا بالتحقيق مع أي شخص يشتبه في مسؤوليته عن انهيار المباني وأمرت باحتجاز أكثر من 100 مشتبه بهم، بينهم مطورون.

المحنة تتعمق مع تضاؤل آمال العثور على ناجين جدد
المحنة تتعمق مع تضاؤل آمال العثور على ناجين جدد

وعبر الحدود في سوريا ضرب الزلزال منطقة ممزقة دمرتها 12 عاما من الحرب الأهلية، فيما تقول الحكومة السورية إن عدد القتلى في الأراضي الخاضعة لسيطرتها بلغ 1414.

وقالت تقارير إن أكثر من أربعة آلاف شخص لقوا حتفهم في الشمال الغربي الخاضع لسيطرة متمردين، لكن رجال الإنقاذ يقولون إنه لم يتم العثور على أي شخص على قيد الحياة هناك منذ التاسع من فبراير/شباط.

وأعاق الصراع في سوريا جهود الإغاثة في شمال غرب البلاد ويشعر الكثيرون هناك بالتخلي عنهم بينما تتجه المساعدات إلى أجزاء أخرى من المنطقة المنكوبة المترامية الأطراف، فيما انقطعت شحنات المساعدات من تركيا بالكامل في أعقاب الزلزال مباشرة عندما تم إغلاق طريق تستخدمه الأمم المتحدة مؤقتا.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع وافق الرئيس السوري بشار الأسد على فتح معبرين إضافيين للمساعدة بعد أكثر من أسبوع من الزلزال، بينما طلبت منه منظمة الصحة العالمية الموافقة على فتح المزيد من نقاط العبور.

وقال متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لرويترز إنه حتى اليوم الخميس مرت 119 شاحنة تابعة للأمم المتحدة عبر معبري باب الهوى وباب السلام منذ الزلزال، كما وصلت قافلة مؤلفة من 15 شاحنة مساعدات من قطر إلى مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة المعارضة محملة بالأغذية والأدوية الأساسية والخيام المطلوبة بشدة.

وقال عبدالله رجب مسؤول الأمن الغذائي بجمعية قطر الخيرية إن كثيرين أصيبوا ويحتاجون إلى رعاية طبية، مضيفا أن هذه الشاحنات تحتوي على الأجهزة الطبية اللازمة لإقامة عيادات مؤقتة.

وقال جاجان شاباجين الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إن الأزمة سيطول أمدها وإن منظمته ستعزز مطالبتها للحصول على دعم أكثر بثلاثة أمثال لكلا البلدين، مضيفا أن تأثير الزلزال على الناس لن ينتهي في غضون ثلاثة أشهر، لذا لدينا أفق يمتد 24 شهرا.

وقال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في تقرير نُشر اليوم الخميس إن التأثير الاقتصادي المحتمل للزلزال في تركيا قد يؤدي إلى خسارة تصل إلى واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد هذا العام.

وقدر بنك جيه.بي. مورجان الأميركي أن الكلفة المباشرة للدمار الذي لحق بالأبنية في تركيا قد تعادل 2.5 في المئة من نمو الناتج المحلي أو 25 مليار دولار.

وكانت الآلات الثقيلة تحاول إزالة أكوام الحطام التي تملأ بلدات ومدنا كثيرة في جنوب شرق تركيا ولئن فر كثيرون من الناجين من مناطق الكوارث فإن بعضهم قرر البقاء على الرغم من الظروف المروعة.

وقال مصطفى أكان الذي ينام في العراء ويستدفئ بحرق الحطب في دلو "نقيم أودنا في هذه الأيام بالخبز والحساء ووجبات تأتي من مساعدات يرسلها الناس. لم تعد لدينا حياة. نحن خائفون".  

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده تهدف إلى تشييد مبان جديدة وآمنة خلال عام واحد مكان كل مبنى تهدم في الزلزال المزدوج"، مضيفا "شعبنا سيظهر كرمه مجددا بتحطيم رقم قياسي في التبرع للمتضررين من الزلزال"، قائلا "اعتبارا من بداية مارس/آذار المقبل سنضع حجر الأساس لـ30 ألف وحدة سكنية، وبذلك سنكون قد بدأنا إعادة إعمار المناطق المهدمة"، مشيرا إلى أن كافة المبالغ التي ستُجمع خلال الحملة، سيتم إنفاقها من أجل المتضررين من الزلزال.