مصارعة الديوك هواية تبيض ذهبا في جنوب العراق

العشرات من الهواة ينتشرون في عموم المحافظات وخصوصا في البصرة والموصل لمشاهدة المباريات أو المشاركة في اللعبة الممنوعة في الكثير من الدول.

البصرة (العراق) - تحت ضوء خافت، تجمّع عراقيون حول حلبة لمشاهدة ديكين يلوحان بأجنحتهما ويتضاربان في مدينة البصرة الجنوبية، حيث تمارس هواية مصارعة الديوك منذ عقود.

يجلس عشرات من الهواة في إحدى الليالي ليشاهدوا واحدة من مباريات مصارعة الديوك على مدرجات ضيقة في مقهى شعبي وهم يدخنون السجائر والنرجيلة ويشربون الشاي.

ويتناحر الديكان صاحبا العرف الأحمر ويدوران حول بعضهما البعض على سجادة متسخة، في رقصة دموية، يقفزان تارة ويضربان رقاب بعضهما بعنف طورا، ما يخلف بقع دم على الأرض.

تنتهي المواجهة التي قد تدوم ساعة أو ساعتين، إلى حين ينال التعب من الطائرين، أو يتدخل أحد أصحابهما ليعلن أن ديكه أرهق وهزم، كما يشرح رياض علي السبعيني الذي يمارس هذه الهواية منذ 20 عاما تقريبا.

وينص قانون اللعبة على أن يستمر الصراع بين الديكين لساعتين وتحديدا لثماني جولات مدة كل منها 13 دقيقة، على أن تلي كل جولة استراحة لدقيقتين.

ويعتبر خاسرا الديك الذي ينهزم في ثلاث جولات، أي الديك الذي يلتصق رأسه بالأرض أكثر من دقيقة، علما أن صاحب الديك يمكن أن يسحبه من النزال بموافقة الحكم إذا رأى أنه قد يُقتل مثلا ويعتبر حينها منسحبا ومنهزما.

ديوك
رقصة دموية

على مدى أكثر من ليلة، تتواصل تلك المصارعات التي تمارس منذ عقود في البصرة أكبر مدن جنوب العراق والمطلة على الخليج.

وينظر العديد من العراقيين بشغف إلى "صراع الديكة"، وخصوصا مربو الديوك الذين يتطلعون إلى الفوز بمبالغ مالية بآلاف الدولارات أحيانا جراء الرهانات التي تتخللها المباريات.

وفي بلد لا يزال المجتمع فيه محافظا ومتدينا إلى حد كبير توضع مراهنات على اللعبة على الرغم من أن المقامرة محرمة في الدين الإسلامي.

وعموما، يضع فقط أصحاب الديوك رهانات على حيواناتهم، وأحيانا قليلة ينضمّ الجمهور للرهان أيضا، فبعد كل مباراة من المباريات التي تقام ترمى الأوراق النقدية على المراهن الفائز، ويتراوح المكسب بين 25 ألفا و100 ألف دينار (20 إلى 75 دولارا).

وفي حين أن هذه اللعبة ممنوعة في الكثير من الدول، إلا أنها لا تزال رائجة في بعضها، فهي مشهورة في الهند والفلبين، كما يسمح بها في بعض مناطق شمال فرنسا ومقاطعات ما وراء البحار الفرنسية.

يقول رياض علي "هذه لعبة شعبية من قديم الزمان. أنا من مواليد العام 1949، ولدت وهذه اللعبة موجودة، تعود إلى عشرينات القرن العشرين وربما قبل".

وانخرط رياض في هذا الوسط منذ كان طفلا، بعدما ورث هذه الهواية عن أبيه، ويقول إن هذه اللعبة وصلت إلى البصرة عبر القوارب التي رست في مينائها.

ويشاهد ناجي حمزة السبعيني أيضا هذه المصارعات منذ سبعينات القرن الماضي، على الرغم من أنها كانت "ممنوعة وتمارس في البيوت البعيدة وليس في المقاهي"، حسب قوله.

ويشارك محمد بدوره منذ العام 1992 في هذه المصارعات وابتاع ديوكه الثلاثة من تركيا في مقابل 1100 إلى 900 دولار للرأس الواحد.

ويقول هذا الرجل الخمسيني إنها "هواية للترفيه خصوصا في الشتاء، نأتي هنا بعد العصر نمضي ساعتين أو ثلاثا ونرى الأصدقاء الذين تمتعهم هذه اللعبة أكثر من أي شيء آخر".

وينتشر في عموم المحافظات وخصوصا في البصرة والموصل العشرات من مربي الديوك التي تتميز بقوائمها الطويلة القوية والعنق الطويل.

ويتوزع أيضا في الأحياء البغدادية القديمة عدد كبير من المربين الذين يهتمون خصوصا بتربية الديوك المعروفة باسم "الهراتي" الهندية والتركية ذات اللون الأسود ويبلغ ثمنها الآلاف من الدولارات، وتعتبر الأقوى بين الأنواع الأخرى.

ويطلق المربّون على الديوك أسماء من يحبون ويدافعون عنها بشراسة حتى أنه قد ينجم عنها خسارة أصدقاء، كما أنهم لا يتوانون عن توبيخ من يتعرض لها بشدة. ويكرس هؤلاء معظم أوقاتهم لتربيتها وتدريبها بشكل مكثف والعناية بها وفق نظام غذائي يشمل اللحوم والبيض وقشور الفاكهة ومواد أخرى.