معالم المغرب التاريخية لم تسلم من الزلزال

تداعيات الزلزال لم تقتصر أضرارها على الناحية البشرية، بل شملت كذلك مجموعة من المآثر العمرانية والأثرية.
السلطات المغربية تطلق عمليات ترميم للمباني المتضررة بمراكش

الرباط - ألحق الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 سبتمبر/أيلول الحالي، أضرارا بمبانٍ ومساجد عمَّرت لقرون، مثل مسجد "تنمل" وجزء من السور التاريخي لمدينة مراكش (وسط) وحي الملاح.

وسقطت مئذنة في وسط ساحة جامع الفنا الشهيرة بمراكش، فضلا عن تضرر عدد من المآثر التاريخية في مدينتي أغادير وتارودانت (وسط).

ويوجد في مراكش مبانٍ تاريخية كثيرة، خاصة وأنها شُيدت في عام 1070، وكانت لقرون طويلة عاصمة الدولة المغربية، وصنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) تراثا إنسانيا.

وبحسب أحدث بيانات لوزارة الداخلية، فإن زلزال المغرب هو "الأعنف منذ قرن"، وأسفر عن مصرع 2946 شخصا وإصابة 6125 آخرين، بالإضافة إلى دمار مادي كبير.

وقال لحسن تاوشيخت الأستاذ في المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث (حكومي) إن "الزلزال يعتبر كارثة عظمى، لأن تداعياته لم تقتصر على الناحية البشرية والحيوانية والمنازل، بل كذلك مجموعة من المآثر العمرانية والتاريخية".

وأضاف أنه "يمكن تصنيف هذه المآثر إلى ثلاثة تصنيفات أساسية: التراث الإنساني والمقصود به المآثر المسجلة ضمن التراث العالمي لليونسكو، والصنف الثاني يتعلق بتراث العالم الإسلامي، والتراث الوطني هو الصنف الثالث".

وتابع أن "كل المعالم التي تأثرت ودُمرت جزئيا وكليا تعتبر من الخسائر التاريخية والأثرية التي في الحقيقة يعجز اللسان عن وصف الحالة التي أصبحت فيها".

وأطلقت السلطات المغربية عمليات ترميم لفائدة العديد من المباني المتضررة خصوصا بمراكش.

وفي 9 سبتمبر/أيلول استفاق سكان المدينة العتيقة في مراكش على وقع انهيارات كثيرة جراء الزلزال الذي ضرب البلاد مساء اليوم السابق.

وخلَّف الزلزال انهيارات كثيرة في المدينة العتيقة، وهي أبرز معالم مراكش، وتوجد على مشارف ساحة جامع الفنا.

واختار سكان المدينة العتيقة هربا من أضرار قد تحدثها هزات ارتدادية، أن يقضوا الليالي الأولى بعد الزلزال في الأزقة خارج بيوتهم.

ومن بين المعالم التي تضررت مسجد تينمل الذي بني عام 1148 ميلادي في حقبة الخليفة الموحدي عبدالمؤمن بن علي، وظل صامدا 9 قرون، وهو "منطلق الدولة الموحدية في السيطرة على مراكش والمغرب الأقصى ثم بلاد المغارب وكذلك الأندلس"، وفقا لتاوشيخت.

وتعرض المسجد لأضرار كثيرة بسبب الزلزال، ويؤكد تاوشيخت أن هذا المسجد "معلمة تاريخية عظيمة ليس لها مثيل في المغرب أو في الغرب الإسلامي بصفة عامة".

وتحد المدينة العتيقة في مراكش أسوارا ذات أبواب من جهات مختلفة، يعود تاريخ تشييدها إلى آلاف السنين.

وبعد باب الدباغ أحد المآثر التاريخية المهمة، إذ يعود تاريخ تشييده لعام 1147 ميلادي في عهد الموحدين، واستقر الدباغون بجوار هذا الباب لتصنيع منتجاتهم الجلدية التي تتميز بها مراكش.

وهذا الباب من أبرز أبواب مراكش، التي من خلالها يشق الزائر طريقه إلى دروب المدينة العتيقة وأزقتها الضيقة.

أما حي الملاح، أو درب اليهود كما يُطلق عليه بالدارجة المغربية، فإنه من أقدم الأحياء العتيقة في مراكش، ويرجع تأسيسه لعام 1557 في عهد السعديين.

وغطى ركام الزلزال أزقة الحي بعد انهيار أبنية قديمة وتضرر أسقف وبروز تشققات في منازل، مما دفع السكان إلى قضاء لياليهم الأولى بعد الزلزال خارج المنازل تحسبا لهزات ارتدادية.

ويعد سور مدينة تارودانت من الآثار البارزة في المغرب، وثالث أعظم سور في العالم من حيث الضخامة والارتفاع.
وهذا السور يحيط بالمدينة العتيقة في تارودانت، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1515، ويتراوح علوه بين 7 و10 أمتار، وسمكه بين 7 و8 أمتار، ويبلغ امتداده 8 كيلومترات.

ويتميز السور بكونه لم يبن من طرف دولة أو سلالة حاكمة واحدة، بل هو إنجاز معماري شاركت فيه العديد من السلالات الحاكمة التي تعاقبت على تارودانت، وتمثل دوره في حماية المدينة من الهجمات العسكرية.

وهذه القصبة (حصن) من المعالم التاريخية لمدينة أغادير (وسط)، وتعتبر النواة الأولى للمدينة.

وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي انهيار أجزاء من القصبة جراء الزلزال.

وهذا الزلزال ليس الأول الذي يلحق أضرارا بأغادير، فقصبة "أغادير أوفلا" شاهدة على زلزال في 1960 ألحق أضرارا كبيرة بالمدينة.

وتعني كلمة "أغادير" بالأمازيغية "الحصن" وكلمة "أوفلا" أعلى، ويقصد بهذه التسمية "الحصن الموجود في الأعلى"، إذ اشتهر الأمازيغ بتشييد مخازن جماعية في قمم جبلية تُستخدم لحفظ محاصيلهم الزراعية ومخطوطاتهم وممتلكاتهم.

وشدد لحسن تاوشيخت على ضرورة "إعادة الترميم والصيانة وتأهيل هذه المعالم لكي تبقى شاهدة على أمجاد الحضارة المغربية"، لافتا إلى أن "اليونسكو مسؤولة عن كل الآثار والمآثر المسجلة ضمن تراثها العالمي، يعني أي انتهاك أو حادثة وقعت على هذه المعالم، فهي مدعوة بكل مسؤولية أن تتدخل وترسل لجانا للوقوف على مدى خطورة ومدى الاندثار والأخطار التي وقعت على هذه المآثر".

وأضاف "في المقابل، ستتكفل الدولة بإعادة تهيئة تراثها الوطني والمسجل في أقاليم تارودانت وورزازات وشيشاوة"، قائلا إنه "من الصعب حصر هذه المآثر لأنها كثيرة جدا، سواء على مستوى إقليم تارودانت أو ورزازات أو إقليم الحوز وشيشاوة".

وتابع من بين ما رأيت، "دار القايد الغندافي المعروفة في منطقة تلوات بإقليم ورزازات، وهي معلمة تاريخية مهمة جدا من التراث الوطني، ومعالم أخرى في تارودانت تأثرت في هذا الزلزال، وبالتالي أصبح لزاما إعادة اعتبار هذه المعالم".