منى عارف تعزف سيمفونية نقدية في 'إيقاعات متفردة'

الكاتبة المصرية تقدم نظرتها النقدية فيما تقرأه من ابداعات في القصة القصيرة والرواية والشعر في جزء ثالث من مشروع يحمل رؤاها في أكثر من ثلاثين عملا عربيا.

تواصل الكاتبة منى عارف كتابة رؤاها النقدية فيما تقرأه من أعمال إبداعية في القصة القصيرة والرواية والشعر، وذلك تحت عنوان "إيقاعات متفردة"، وبين أيدينا الجزء الثالث من مشروعها النقدي الذي حمل رؤاها في أكثر من ثلاثين عملا عربيا.

وفي مجال الرواية، ترى الكاتبة أن الفن الروائي ازدهر على الساحة العربية لوجود أدباء متنوعي الإبداع، على قدر كبير من العلم والموهبة منهم من اتخذ من التاريخ عتبة للولوج إلى الحاضر، ومنهم من اتخذ من العمل والأفكار الفلسفية منهجا للكتابة ولفتح مدارك الوعي لدى القراء، ومنهم من اتخذ من الفن التشكيلي مزجا جديدا للرواية وللصورة واللون والرموز، ومنهم من اتخذ من الأعمال البوليسية ومنهج البحث عن الحقيقة والخلود والقيم الإنسانية ركيزة أخرى.

وعلى ذلك تكتب عارف عن رواية "حصن الزيدي" للكاتب اليمني الغربي عمران، وترى أن هذه الرواية تعد بحق حصنا آخر، لا بد وأنت تستعد لقراءتها أن تتسلح بكم معرفي عن التاريخ اليمني القديم والتراث والتحليل السياسي مارًّا بروعة اللغة والوصف، وكيف تم استخدام الرموز والآيات القرآنية، ومعاني الأسماء.

أما رواية "البحث عن كانديد" للكاتب شريف مليكة، فترى الكاتبة أن شخصية كانديد جاءت شخصية واقعية ملموسة ولم تعد تلك الشخصية التي رسمها فولتير، تمتزج بالخيال الفني للكاتب ومخزونه الثقافي، واستطاع المؤلف أن يضيف إليها بعدا آخر.

كما تتوقف الناقدة عند رواية أخرى للكاتب مليكة وهي رواية "خاتم سليمان" حيث جاء المكان (كورنيش الإسكندرية، وتحديدا كورنيش ميامي وبئر مسعود) بطلا وليس مجرد فضاء تتحرك في رحابه الشخصيات المتعددة، ومنهم ثلاث نساء يتبادلن الأدوار المحورية وهن: إلين وقمر ونهار، في مقابل ثلاثة رجال يتصدرون المشهد وهم: الشيخ حسنين البصري واليوزباشي جمال عبدالناصر وبنيوتي باشا.

وعن رواية "لو لم أعشقها" للكاتب السيد حافظ توضح الكاتبة أنها رواية من ثلاثين فصلا، يحمل كل فصل اسم العلامة، ومقطعا من الروح، وعتبة من إحدى الروايات العالمية، مع إيقاع الحكي السريع النابض بالمشاعر والمادة التوثيقية والرؤية المبنية على اختيار الآيات القرآنية في كل فصل أو علامة والانتهاء بآية واحدة، تتكرر كلما أمعنا الدخول في تركيبة الأحداث والشخصيات.

وعن رواية "اللون العاشق" لأحمد فضل شبلول تقول الناقدة منى عارف إن هذا العمل أصبح قبسًا من روح مصر، والإسكندرية خاصة، يتشابك الروائي مع فنان قدير وهو محمود سعيد في ملحمة فنية جديدة ومبتكرة؛ الأول يرسم بالكلمات والثاني يرسم بالفرشاة، فجاءت رواية "اللون العاشق" عناق العمالقة. ثم تتوقف عند البناء الدرامي في الرواية، وتتحدث عن جماليات النص الروائي بأسلوب سردي ممتع متفرد، وعن أنسنة الأشياء والحيوان والجماد. وتختم بقولها: رواية باذخة الثراء الفني، بما استثمره فيها المبدع في بناء نصه السردي من توظيف لفنون المسرح والسينما والفن التشكيلي، فكانت ملتقى لكافة الألوان في لوحة فنية أخرى عنوانها "اللون العاشق".

كبسولات نقدية مفيدة للقارئ وللمبدع معًا

وتعود بنا الكاتبة إلى رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، وتعترف أنْ تقرأ لتوفيق الحكيم فأنت بحاجة إلى كل تركيزك الذهني، وأن تكتب عن الحكيم فأنت بحاجة إلى أن تعيد دراسة مناهج النقد مرة أخرى. وتؤكد عارف أن هذه الرواية تحمل الكثير من الخصائص الإنسانية لأن صاحبها أبدع في هذا الكتاب وكتبه بصفته إنسانا يحب ويتمنى لو صار محبوبا، بسيطا إلى حد السذاجة وعاقلا إلى حد الحكمة وغارقا في تأملات الله والقدر كأنه نبي.

وعن رواية "النجدي" للكاتب الكويتي طالب الرفاعي ترى الناقدة أن دقائق الساعة تلعب ألاعيبها في النص الذي جاء معنويا شعار بدايته الوقت إذ جاء كل فصل يؤرخ لساعة بعينها لدقة الحكي من ناحية وللفت نظر القارئ لأهمية الزمن الذي يرحل في استعلاء تاركا وراءه الأبطال. وتوضح عارف أن العلاقة الجدلية تتجلى في المزاوجة بين حاضر الشخصية وما فيها باتجاه الموت وبين حاضر الشخصية باتجاه المستقبل، وحركة الحاضر والموت. وهي تؤكد أن تقنية الاسترجاع من أكثر التقنيات السردية تجليا في الرواية.

رواية "سفينة نوح" للكاتب خالد الخميسي، رواية مفعمة بالتناقضات منذ أول صفحة من صفحاتها تتمتع بسلاسة الحكي من بطل لآخر. الكل يركب السفينة وهو مرتبط كحبات العقد، مرتبط بخيط رفيع هو خيط الأمل. وترى الناقدة أن الكاتب تركنا أمام النهايات المفتوحة – لكل شخصية ما بين الاسترجاع والاستباق – فكانت الذكريات المفعمة بالحنين إلى وطن أحببناه.

رواية "أيام الخريف" لحسام العادلي، تظهر شخصياتها الأساسية تباعا، واحدة تلو الأخرى، لتبين كيف أصبحت كل شخصية منهم على ما هو عليه من قوة وبطش ونفوذ، بل ومركز من مراكز القوة في المجتمع. وتوضح الناقدة ان الرواية تفتح ملف فساد آخر، يتمثل في دور الإعلام في تقدير بعض الشخصيات وإلقاء الضوء عليها في مرحلة من تاريخ مصر، مما يشير إلى فساد المنظومة بأكملها.

رواية "المجد لسر الكون" للكاتب أحمد سوقي، تقع أحداثها أو بعض منها في مدينة النور بفرنسا، غير أن بطلها لم يستطع أن يتخلى عن معتقداته ونشأته التي حكى في أول فصل عنها في مدينة الإسكندرية تحديدا، وعند جامع أبوالعباس، حيث لم يستطع أن يتخلى عن روحانية حي بحري العريق بمآذنه وقبابه وأولياء الله الصالحين.

وكما عادت بناء الناقدة إلى "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، فإنها تعود إلى "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، ولكني أراها لم تتحدث عن "القنديل" بقدر ما تصنع إضاءة على أعمال حقي كلها في إشارات سريعة وموجزة.

أما رواية "هذيان" للكاتب سعيد سالم، فهي تحكي بكل جرأة عن واقع نعيش فيه، بل وتبين أسباب ما وصل إليه العنف المجتمعي الذي أصاب كيان المجتمع منذ أن هلت بواكير الزحف الوهابي أوائل الثمانينيات إلى مصر وإلى الجامعات، فتغلغل كيان المجتمع بنسيج جديد بين طوائف الشعب، وخاصة الفقيرة منه.

أما كتاب "أرواح على الهامش" لخيري حسن، فترى فيه الناقدة كتابة جديدة تشق طريقها في عالمنا الأدبي، كتابة لا تشبه كتابات الشعراء النثرية، ولا قصص الأدباء القصيرة، وإنما كتابة الموت فيها حاضر بقوة، تخبرك عن أشخاص فارقونا حقًّا، إلى غير رجعة أو لقاء، وأصبحت أخبارهم من أخبار الماضي، لم يبق منها إلا الذكريات. إنها كتابة تحمل الكثير من الشجن وحكايات فضفضات المقاهي وليالي الصحافة الطويلة وليالي السهد، وليالي الانتصارات القصيرة.

وتتوقف الكاتبة في فصلها الثاني عند إيقاعات القصة، فتتحدث عن مجموعتي "مصاصو الدماء"، و"تقف على رأسه بومة" لطارق جابر. ومجموعتي "ضل حيطة" و"كلاش باك" لرانية البشبيشي. ومجموعة "حدائق سيدي مفرح" لحسن اللمعي. ومجموعة "ضحك السحاب" لمنى حمزة، و"منتصف الطريق" لفريد بغدادي، و"تعاريج" لعبير درويش.

وعلى الرغم من أنها تناولت أقلاما نسائية وإبداعات أنثوية في فصليها السابقين عن الرواية والقصة، فإنها تخصص الفصل الثالث من كتابها الذي جاء في176  صفحة، وصدر عن دار "الأدهم للنشر والتوزيع" بالقاهرة، وذلك تحت عنوان "أديبات يغيرن مجرى القص" فتتحدث عن ريم أبوالفضل وإيمان السباعي ومنى الشيمي وآمال الشاذلي ومجموعتيها "اليوم السابع" و"شظايا" وروايتها "إيقاع الموج والزبد"، وسهير شكري ومجموعتيها "إلا الآن"، و"مازلت أنام جالسة" وروايتها "كفر السحلية"، ومنة الله سامي ومجموعتيها "مخدع" و"أنوما إليش"، ونور عبدالمجيد وروايتها "نساء ولكن"، وحنان سعيد ومجموعتها "ممرات سرية للفرح"، ودينا عبدالسلام وروايتها "نص هجره أبطاله"، وسهير المصادفة ورواياتها "ميس إيجبت"، وأخيرا الكاتبة التونسية حفيظة قارة بيبان وروايتها "العراء".

وعلى الرغم من قصر مقالات الكتاب النقدية، وكم الأعمال الإبداعية التي تناولتها منى عارف، فإنها استطاعت أن تصل إلى أعماق كل نص وتسبر أغواره، وتصنع كبسولة نقدية مفيدة للقارئ وللمبدع معًا.

غير أن المقال الوحيد الذي لا يتلاءم مع إيقاعات هذا الكتاب هو مقالها عن ديوان شعر بعنوان "أحرف من شظايا البوح" للشاعر حسن حامد، وأرى أن هذا المقال النقدي لو ضُمَّ لمقالات أخرى عن الشعر في كتاب آخر، لكان أفضل، فهو جاء نشازا في سيمفونية الإيقاعات التي قدمتها لنا منى عارف في مشروعها النقدي "إيقاعات متفردة".