نساء المغرب يتفاعلن مع المبادرة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة

دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس لمراجعة مدونة الأسرة تعطي دفعة لتعزيز مكاسب المرأة والمساواة بين الجنسين وتأتي وسط جدل سياسي أخّر إلى حد ما علق هذا الملف.

الرباط - شهدت المبادرة الملكية المتعلقة بإعادة النظر في مدونة الأسرة والعمل على إصلاحها، تفاعلا كبيرا من قبل الجمعيات النسائية التابعة للأحزاب السياسية في المغرب، إذ اعتبرنها قفزة كبيرة لصالح الأسرة والمجتمع المغربي.
وينظر المغاربة ببالغ الامتنان إلى هذا التوجه الملكي للاهتمام في تفاصيل حياة المواطنين وهموم الأسرة في ظرف استثنائي تعاني منه البلاد، حيث تبذل السلطات جهودا جبارة لاحتواء تداعيات زلزال الحوز الذي ضرب البلاد في 8 سبتمبر أيلول الجاري.  

ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، الحكومة لإعادة النظر في مدونة الأسرة،  وذكر الديوان الملكي المغربي أن الملك أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية عبدالعزيز أخنوش تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ورفع التوصيات إليه خلال ستة أشهر.

وأكدت الرسالة على ضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة التي مكنت من إفراز دينامية تغيير إيجابي، من خلال منظورها للمساواة والتوازن الأسري وما أتاحته من تقدم اجتماعي كبير، وذلك بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي.

وتلقت منظمة "نساء الأصالة والمعاصرة" بارتياح كبير مضمون الرسالة الملكية، وأكدت اعتزازها بالتوجيهات الملكية في مجال تعزيز حقوق المرأة المغربية بهدف ضمان المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات كمدخل لبناء مجتمع قوي ومتماسك.

واعتبرت أن هذه اللحظة الوطنية المتميزة، مرحلة مواتية لمدونة أسرة المستقبل وانتصارا للمسار الإصلاحي الراسخ في مجال حقوق الإنسان والأسرة عموما وصيانة وتعزيز حقوق المرأة خصوصا، وهي بادرة نوعية تتجه بثبات نحو مستقبل صيانة الهوية المغربية في زمن اختلال القيم الكونية.

كما عبرت المنظمة عن اعتزازها بالتركيبة الفكرية والمؤسساتية المتنوعة للجهات التي ستشرف على هذا المشروع الإصلاحي المجتمعي الهام، وكذلك الحضور الهام للمجتمع المدني والمفكرين والمختصين وما تمثله هذه الفئات من قوة فكرية لنا اليقين التام أنها ستبدع مقترحات هامة تعكس روح التربية والأصالة والمغربية، وتتطلع لرسم أفق الإنصاف والتحديث للأسرة وللمجتمع المغربي برمته.

وأفاد بيان الديوان الملكي أنه "بموازاة تكليف جلالة الملك لرئيس الحكومة من خلال هذه الرسالة، فقد أسند الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع".

كما دعا الملك محمد السادس الوزارات والمؤسسات بأن "تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين".

وسجلت "نساء الأصالة والمعاصرة" بإيجابية كبيرة اعتماد مقاربة تجمع بين العملي والنظري، حيث إشراك المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة في الاقتراحات القضائية باعتبارها الجهات التي تتوفر على تجارب من واقع الممارسة، الذي سيكمل الدور التشريعي والقانوني للحكومة قبل عرض المقترحات على مصادقة البرلمان.

ودعت جميع الفعاليات والقوى الحية، إلى اعتبار هذه اللحظة مكسبا وطنيا ليس للمرأة المغربية، بل لجميع الشعب المغربي ولتطور البلاد، "الأمر الذي يتطلب الترفع عن السجال السياسي والإيديولوجي الضيق، والانتقال نحو رحب النقاش الهادئ والحوار الوطني المسؤول، لإنتاج اقتراحات تتجاوز اختلالات وسلبيات الماضي التي يقر الكل بوجودها، وتتطلع نحو مستقبل زاهر للمرأة والأسرة المغربية".

وأكد الديوان الملكي أن مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات سيتم رفعها للملك محمد السادس، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان".

وقالت منظمة "نساء الجرار" إنها رهن إشارة الجهة المعنية لتقديم اقتراحاتها المتنوعة والعميقة في الموضوع، ومن ثم عزمها الإسهام إلى جانب باقي مكونات المجتمع المغربي في هذا الورش الاجتماعية لإعداد مذكرة ترافعية ومقترحات لمدونة الأسرة.

وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد دفع في اتجاه إصدار قانون حمل اسم "مدونة الأسرة" سنة 2004، وكان هدف المدونة الأساسي تعزيز دور المرأة داخل الأسرة المغربية مع منحها حقوقا جديدة وتقييد تعدد الأزواج وتسهيل الطلاق.

بدورها أشارت منظمة "النساء الاتحاديات" إلى أنها تلقت بارتياح عميق وامتنان بالغ، المقاربة الملكية التي تندرج في صلب الاختيار الديمقراطي، والذي هو نفسه الذي حكم الانتقال من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة سنة 2004، بجعل المدونة تمتحن شرعيتها القانونية من خلال مسار التشريع عبر مشروع قانون، ثم المصادقة عليه من قبل السلطة التشريعية، في تأكيد عملي على أن المؤسسة الملكية تظل الضامن للحقوق والحريات.

وأوضحت منظمة "النساء الاتحاديات" إنها ومنذ خطاب العرش  2022 عقدت مجموعة من اللقاءات التي طبعها الإنصات لمطالب النساء في مدونة منصفة وعادلة لكل مكونات الأسرة، ومنسجمة مع التحولات الاجتماعية التي تعرف مشاركة أكبر للنساء في تحمل التكاليف الأسرية ماديا ومعنويا، وتميزت بالجمع بين الصيغتين الترافعية والاقتراحية.

وأعلنت انخراطها المبدئي بحس حقوقي ونفس وطني في المشاورات التي دعا الملك اإليها مؤكدة أن البلاد أمام لحظة حقوقية فارقة، في مسلسل مراكمة المكتسبات لصالح أفق التنمية البشرية والمساواة الشاملة والإنصاف.

وأكدت أن هذا المسلسل يقتضي من الجميع تحمل مسؤولياته الوطنية والحقوقية والمواطنة، عبر الانخراط الفاعل في هذا المشروع الوطني المستعجل، والابتعاد عن المزايدات وكل أشكال احتكار المشترك الوطني، والاحتكام إلى المصلحة الفضلى للنساء والأسرة عموما، باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء مجتمع قوي ومواطنات ومواطنين فاعلين.

من جهتها دعت منظمة "المرأة الاستقلالية"، إلى النأي عن المزايدات السياسية وعن محاولات احتكار قراءات معينة للنصوص الدينية في التعاطي مع هذا الإصلاح المجتمعي.

وعبرت المنظمة، بيان عن اعتزازها بالمقاربة الملكية في إصلاح مدونة الأسرة سواء من خلال ما تضمنه بيان الديوان الملكي، وبما تضمنه خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش المجيد. وأكدت المنظمة، أن هذا التوجيه السامي يشكل لبنة مركزية في مسار الإصلاحات الحقوقية التي عرفتها المملكة.

وشددت المنظمة التابعة لحزب الاستقلال على أن ما ينبغي أن يحكم على الدوام النقاش حول هذا الموضوع هو ما تضمنه خطاب الملك بمناسبة عيد العرش؛ حيث قال “وبصفتي أميرا للمؤمنين فإني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.

وثمنت دعوة الملك إلى إشراك الهيئات المعنية بصفة مباشرة بهذا الموضوع وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن وبالإدماج الاجتماعي وبالأسرة، وتؤكد أن هذا الطابع التعددي والتشاركي يشكل ضمانة أساس من أجل إغناء التوصيات التي سوف ترفع إلى الملك.

وعقد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الأربعاء اجتماعا خصص لمناقشة مضمون الرسالة الملكية المتعلقة بإعادة النظر في مدونة الأسرة، وقال في تصريح للصحافة، أن الرسالة الملكية حددت الجهة التي ستشرف على عملية الإصلاح، والمشكلة من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وكذلك منهجية العمل المبنية على الإنصات وفق مقاربة تشاركية، بالإضافة إلى تحديد ستة أشهر كسقف زمني لعملها.

وأشار أخنوش إلى أنه سيتم في إطار تفعيل مضامين الرسالة الملكية، عقد اجتماع بداية الأسبوع المقبل، يعقبه لقاءات للإنصات لجميع مكونات المجتمع المغربي المعنية بهذا الأمر.

وأوضح أن هذا الإصلاح يشكل لحظة إصلاحية لحظة كبرى بالنسبة للمغرب، معربا عن الأمل في أن يساهم فيها جميع المتدخلون بشكل إيجابي.