نظرة فاحصة على ضياع الدولة وتشويه الاسلام في 'الدين والسلطة'

السياسي والدبلوماسي اليمني د.عبدالوهاب هادي طواف يوضح في كتابه أن كل من الطائفية والمذهبية مثلت مرتكزات أساسية للساسة في إيران والعراق ولبنان للوصول إلى السلطة، وتسببتا بالمحاصصة الطائفية لوظائف الدولة وتحويل أراضي دول عدة في المنطقة إلى ساحات صراع من قِبل أطراف خارجية.

يرى السياسي والدبلوماسي اليمني د.عبدالوهاب هادي طواف أن سياسات الغرب ضد الإرهاب بعد أحداث نيويورك 2001، والتي أفضت إلى إسقاط سلطة حركة طالبان في أفغانستان واحتلال العراق، تسببت في خلق ردود فعل قوية من قِبل التيارات الإسلامية، انعكست على شحن الشارع العربي بأن الإسلام في خطر. فتخّلق جيل جديد من الشباب متسلحًا بأفكار متطرفة، ونظرة متعصبة للغرب، مما أسس لمرحلة جديدة من الصراعات والعنف، وبرزت منظمات سُنية متطرفة كالقاعدة وحركة داعش، وهذا خلق بيئة خصبة لنشأة منظمات مسلحة شيعية في العراق ولبنان واليمن.

ويوضح في كتابه "الدين والسلطة.. تسييس الإسلام وأسلمة الدولة" الصادر عن مؤسسة أروقة أن كل من الطائفية والمذهبية مثلت مرتكزات أساسية للساسة في إيران والعراق ولبنان للوصول إلى السلطة، وتسببتا بالمحاصصة الطائفية لوظائف الدولة في تلك الدول. ومثلت التدخلات الخارجية أهم مؤثر في تناميها واستمرارها، وتحويل أراضي العراق ولبنان وسوريا إلى ساحات صراع من قِبل أطراف خارجية. كما أدى ذلك إلى نشأة جماعات إسلامية متطرفة، وهو العامل الذي بررت إيران به قيامها بتسليح الطائفة الشيعية الهاشمية في ضاحية بيروت الجنوبية، عبر ذراعها المسلح حزب الله، وتحويله إلى أداة تهديد محلية وإقليمية، وكذلك دعم النظام السوري العلوي.

ويضيف طواف "أفرزت احتجاجات عام 2011 في بعض دول المنطقة العربية عن واقع سياسي جديد لصالح الإسلام السياسي، بشقيه السُني والشيعي على حساب الدساتير والأنظمة والقوانين، وسيادة مؤسسات الدول الرسمية. فخلقت حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وزادت من حدة الاصطفاف والصراعات السياسية والمذهبية والطائفية في المنطقة، وأفرزت عن جبهة شيعية منظمة وقوية، وجبهة سُنية مقابلة منقسمة وضعيفة؛ تعصف بها الخلافات السياسية الداخلية. ونشأت جماعات الإسلام السياسي ــ سنييها وشيعييها ـــ أجيالًا لا ترتبط بالإسلام من زاوية دينية تعبدية، بقدر ما هو ارتباط بمشروعها السياسي وتنظيمها المذهبي والطائفي، وصبغه بهوياتها المذهبية بديلًا عن هوياته الوطنية. فالشيعة يسعون إلى إقامة دولة شيعية بنظام الولاية؛ تجمع الأمة الإسلامية تحت قيادة ولي الفقيه، والسنة يسعون إلى إقامة دولة الخلافة بقيادة خليفة سُني. كما عملتا على تنشئة أجيال متسلحة بثقافات مذهبية، وبمحددات سياسية، فأنتجت أجيالًا ضعيفة الولاء للوطن، الأمر الذي تسبب في خلق حالة صراع مستمرة في المنطقة العربية.

ومثلت الديكتاتورية وحكم الفرد الواحد، والفقر وضعف الأداء الحكومي الضعيف، عوامل ساهمت في تزايد التطرف والعنف والغلو المذهبي، والتخندق الجهوي. وقد صبت نتائج احتجاجات 2011 لصالح القوى الإسلامية السُنية (الإخوان المسلمين) في الدول التي طالها التغيير، الأمر الذي دفع بالسعودية والإمارات للوقوف ضدها، فذهبت نتائج المعالجة لصالح إيران وحلفائه الشيعة في المنطقة العربية.

ويتابع الحركة الحوثية أو ما يسمى بأنصار الله - الجناح المسلح للتيار الهاشمي في اليمن- تُمثل تهديدًا دائمًا ومستمرًا لأمن اليمن، وللأمن القومي لمنطقة الخليج، نتيجة لكونه تيارًا يؤمن بحقه الإلهي بحكم اليمن، وبضرورة الخروج المسلح ضد أي حاكم من خارج مكونهم الهاشمي العلوي. فكان هذا الأمر سببًا لبقاء اليمن خلال القرون السابقة غارقًا في حروب وصراعات مستمرة مع هذا التيار. وما حدث في اليمن بعد سبتمبر/ايلول 2014 من جرائم على أيدي جماعة أنصار الله الحوثية، دفع بكل مناطق اليمن إلى ترك مسارات الحياة والسلام والتعليم والثقافة ليلتحقوا بجبهات القتال مع أو ضد الجماعة. ليتحول البلد إلى ساحة حرب، وخيمة عزاء كبيرة، لم تترك منزلًا فيه إلا وطاله الضرر والأذى. كما أوجدت تلك الأعمال التطرف والكراهية والغلو عند الجماعات الإسلامية الأخرى، وأيقظت العنصرية والفوارق الاجتماعية؛ التي نجحت حكومات اليمن السابقة إلى حد ما لطمرها. وبهذا نجح المشروع الشيعي في تحويل معظم مناطق الشرق الأوسط إلى مناطق ملتهبة وغير مستقرة، وبروز تضاريس مذهبية وطائفية، وهويات دينية متزمتة في المنطقة، على حساب الحكومات الوطنية، والقضايا القومية والهويات الوطنية الجامعة.

ويلفت طواف إلى أن ثورة الحوثيين الشيعة أدت إلى تحويل حزب الإصلاح السُني إلى حزب له إمكانات عسكرية، بسبب اضطراره للدفاع عن نفسه ولمواجهة المشروع الفارسي والشيعي في اليمن، كما أدى إلى تحويل التيار السُني السلفي هو الآخر إلى مكون له تواجد مسلح في المحافظات الجنوبية، وجزء من الشمالية، الأمر الذي دفع بحرب استعادة الدولة اليمنية إلى مواجهات مذهبية، أضعفت وجود الدولة وهياكلها لصالح تيارات الإسلام السياسي، وهذا يمثل تهديدًا مستقبليًا لليمن ولدول المنطقة. لقد تسببت التجاذبات السياسية والاختلافات المذهبية بين دول الخليج إلى تعقيد الأوضاع في اليمن، وقد صبت بالنهاية لصالح مشروع إيران الفارسي في المنطقة. إن أغلب الصراعات في المنطقة العربية سببها الديكتاتورية واستقواء الحاكم بالخارج، وغياب العدالة والمواطنة المتساوية، والفساد الإداري والتدهور المعيشي، مما أدى إلى نشأة معارضة، اتخذت من الإسلام مرتكزًا لمعارضتها، في محاولة لكسب عواطف الناس، وحيازة مشروعية مقبولة لمواجهة الحاكم، مما دفع بالحكام إلى استنهاض قوى مذهبية مضادة للفوز في الصراع، مما أدى إلى أسلمة الصراعات ومذهبتها، على حساب الدساتير والقوانين.

ويعتقد طوافأن الإسلام السُني هو الأكثر حضورًا في المنطقة العربية، ولكنه الأكثر ضعفًا، نظرًا لكثرة صراعات القائمين عليه، مقابل وحدة القيادة والهدف لدى أنصار الإسلام الشيعي.

ومن جانب آخر يرى أن أغلب الأنظمة العربية لا تثق بأي تحالفات وتقاربات مع الأحزاب والجماعات الإسلامية، لقناعتها أن الإسلاميين يهادنون السلطة فقط إن كانوا في موقف ضعيف، وينقلبون عليها إن شعروا بالقوة، وما حدث في إيران والعراق ومصر واليمن دلائل حية على ذلك. وتمتلك القوى الدينية قدرات هائلة على تهييج الناس وإسقاط الحكومات، ولكنها تفتقر لخطط وبرامج ومؤهلات للحكم، كما أن القوى الدينية تقود الدول والشعوب إلى اقتتال وتخلف وديكتاتورية أكثر من أي أنماط حكم أخرى.

ويقول "كانت نتائج رحلة البحث والتقصي أن الدول التي تُحكم بمحددات دينية أو معتقدات مذهبية أو دعاوى طائفية هي دول غير مستقرة، وهي الأكثر عُرضة للاقتتال الداخلي، ولضياع سيادتها، والأكثر تخلفًا وفقرًا وجهلًا وفسادًا، وتهديدًا لأمن واستقرار محيطها الجغرافي.وقد وجدت أثناء رحلته البحثية أن التوظيف السياسي للإسلام والمذهبية والطائفية كان المسبب الأبرز لتزايد تهديدات الأمن القومي لمنطقة شبه الجزيرة العربية. وأدى إلى تدمير الحياة السياسية وتبديد إمكانات الدول، والزج بها في صراعات داخلية وخارجية عدمية. كما أن تسييس الإسلام وأسلمة الدولة أدى إلى ضياع الدولة وتشويه الدين، ودفع بالشباب إلى الإلحاد، وإلى جحيم التشرد والضياع في أصقاع الأرض، وهو المتسبب الأول في خراب ودمار البلدان؛ التي أصيبت بهذه الآفة.

وفي ضوء رؤيته لما تمر الأمة الإسلامية عامة والعربية خاصة من محن، وإشكالات متعددة ومعقدة، بسبب التوظيف السياسي للإسلام والمذاهب، والزج بالطائفية في الصراعات السياسية على السلطة، بسبب الأبعاد الدينية والمذهبية والطائفية والجهوية الحاضرة وبقوة في المشهد السياسي غير المستقر في المنطقة، وعجز الأنظمة السياسية عن تقديم نظرية حكم مقبولة، تنضوي تحتها كل التيارات السياسية، وتذوب فيها الهويات الدينية والمذهبية والطائفية.

قدم طواف عدة مقترحات للخروج من متاهة التوظيف السياسي للإسلام، أهمها:

أولا ضرورة سن تشريعات وقوانين تُجرم نشأة أي حركات أو تنظيمات أو أحزاب أو جماعات، بمحددات ومرتكزات دينية أو مذهبية أو طائفية، أو جهوية.

ثانيا العمل على إيجاد حلول جذرية للقضية الفلسطينية، حتى وإن قُدمت تنازلات مؤلمة للإسرائيليين؛ لما في ذلك من أهمية بالغة لتوقيف جريان نهر الصراعات والأحقاد والحروب، وإنهاءً لحالة الاِحتراب الُمزمنة في المنطقة العربية، لما في ذلك من ضرورة لنزع مبررات القوى الدينية لعسكرة المنطقة، وبناء الجيوش الطائفية والمذهبية في المنطقة، والتي تسببت في فظائع وانتهاكات ومظالم أشد مما يحدث في فلسطين، وبهذا سُيغلق جُرح نازف، كلف الأمة العربية الكثير من الدماء والإمكانات المادية أكثر مما كلفها في فلسطين.

ثالثا المسارعة لإنشاء قوة عسكرية عربية تقوم بمهام حفظ الأمن القومي للمنطقة العربية، ومواجهة مشروع إيران الشيعي المسلح، التي تسعى إلى فرضه بالقوة المسلحة في المنطقة العربية.

رابعا ينصح الكاتب دول منطقة شبه الجزيرة العربية بتنظيم حوار شفاف مع الأحزاب والجماعات السُنية في اليمن ودول الخليج، لإيجاد معالجات وقوانين تؤدي إلى فصل العمل السياسي عن الدعوى، وتجنيب مؤسسات الدولة الصراعات بمحددات وأدوات دينية.

خامسا يوصي الكاتب حكومات دول منطقة شبه الجزيرة العربية إلى ضرورة إخضاع التعليم المدرسي والجامعي، والخطابة في المساجد لإشراف ورقابة مؤسسات دولهم، وتوحيد المناهج الدراسية، وتوقيف أي مدارس أو جامعات أُنشئت بمعايير مذهبية أو طائفية، وإدماج المقررات الدينية الوسطية في المناهج المدرسية والجامعية، لضمانة عدم تسييس الدين ومذهبة المجتمع وتطييف السياسة، وخلق أجيال متعددة الهوية والولاء والتعليم والثقافة.

سادسا فتح أقسام للتخصصات الإسلامية ضمن الكليات والجامعات الحكومية، وفقًا للاحتياج العام للبلاد، وعدم السماح بإنشاء جامعات دينية خاصة لأي تيارات إسلاميةـ، لعدم وجود حاجة لتلك الجامعات ولسنوات طويلة لتدريس الدين، لما في ذلك من أهمية في تجفيف منابع الغلو والتطرف والتشدد.

سابعا تنظيم مؤتمر لعلماء المسلمين الوسطيين والمعتدلين لغرض وضع سردية واقعية لأحداث قتل عثمان، وظروف تنصيب علي للخلافة، ودوافع ونتائج معارك الجمل وصفين والنهروان، على أن تكون بمنهج علمي، خال من التعصب والقداسة والعاطفة والحشو والتزيين والمواقف المسبقة، لتقديم تاريخ حقيقي للأجيال الحالية والقادمة، لمنع استثمار وتوظيف تلك الوقائع التاريخية المهمة من تاريخ الدولة الإسلامية من قِبل جماعات وطوائف وتيارات الإسلام السياسي.

ثامنا ضرورة تأريخ دوافع وملابسات وحقائق خروج الحسين بن علي على الدولة في دمشق، وتقديم تصور واضح المعالم لمشروعية خروجه من عدمه، لما في ذلك من فائدة عظيمة في منع انجراف الأجيال الحالية والقادمة خلف التفسيرات السياسية والطائفية المغلوطة، وانحرافهم إلى مستنقعات التطرف والغلو والتشدد؛ لما في ذلك من أهمية في وأد الفتن والصراعات في المنطقة العربية.

وأخيرا من الأهمية بمكان تأريخ جذور الخلافات والصراعات والتنافس الذي كان بين بني هاشم وبني أمية، وتوضيح خلفياته، وانعكاس ذلك على الدولة الإسلامية، وحروبها الداخلية أثناء حكم علي ومعاوية.