كيف تحرك سي أن أن الإدارة الاميركية؟

واشنطن - من فرانك تسيللر
صورة تعود للعام 1993 ويظهر فيها الجندي الأميركي المسحول

لا تزال الصور التلفزيونية التي دفعت واشنطن لسحب قواتها من الصومال والتي تظهر الجسد العاري للجندي الامريكي وهو يجر عبر شوارع مقديشو، تثير الرعب في النفوس بعد زمن من وقوع الحدث.
وقد عاودت تلك الصور الظهور على شاشات التلفزيون الامريكي منذ أصبح الصومال، ذلك البلد الواقع في القرن الافريقي، في بؤرة اهتمام الولايات المتحدة مجددا فيما يتعلق بحربها على الارهاب، وبعد أن أعاد عرض الفيلم السينمائي "سقوط الصقر الاسود" للاذهان ذكرى المعركة التي سقط فيها الجندي.
وفي منتدى عقد في واشنطن الاربعاء حول "أثر السي.إن.إن" قال وزير الخارجية الامريكي السابق لورنس إيجلبيرجر "أعتقد أنه لا شك في أن صور الجندي الامريكي القتيل كان لها أثر كبير على قرار انسحابنا"، في مؤشر على التأثير الذي تتركه التغطية الاخبارية التلفزيونية المتواصلة على مدار الساعة على السياسة الخارجية الامريكية.
وقال إيجلبيرجر أن بث "سلسلة متواصلة من الصور التلفزيونية لاطفال يتضورون جوعا" كان هو أيضا الذي حدا بالولايات المتحدة في المقام الاول لارسال قوات إلى الصومال عام 1992-1993 "على أساس أننا سندخل البلاد نطعم (أطفالها) ثم نخرج منها".
وتذكر جودي وودراف الاعلامية البارزة بسي.إن.إن والتي كانت قد انضمت حديثا إلى الشبكة في ذلك الوقت، كيف كان من الشاق على مدراء الشبكة الاخبارية في مقرها بأتلانتا، ومن بينهم مالك الشبكة تيد تيرنر، اتخاذ قرار حول المدة التي سيختارون عرضها من الشريط المروع الذي يحمل صور الجندي الامريكي والذي حصلت عليه الشبكة من مراسل محلي.
وقالت وودراف أن مديري سي.إن.إن قرروا بعد متابعة ما بين 20 إلى 30 دقيقة من المشاهد "البشعة"، تقليص مدة عرض الصور التي اختصت بها سي.إن.إن إلى 30 ثانية فقط من بينها ثانيتان ونصف فحسب للمشهد الذي يظهر جثة الجندي.
وتابعت وودراف القول أمام المنتدى الذي دعت إليه مؤسسة بروكينجز الليبرالية "لقد أدركوا أنه سيكون من الخطأ عرض التقرير بأكمله، وكان السؤال الصعب هو ما إذا ما كان يمكن عرض الصور الاكثر بشاعة".
وكان للصور التي عرضت أثرها القوي على الحكومة الامريكية، التي أدركت أن المشاهد البشعة من شأنها تحويل الرأي العام بسرعة ضد الانغماس في حرب. وقال إيجلبيرجر "في الخلفية هناك دائما فيتنام…لا تكاد تبرح ذاكرتك".
والدرس الآخر الذي قال إيجلبيرجر أنه تعلمه أثناء عمله في المنصب هو أن التكتم لا ينفع وأنه ينبغي أن تقاوم الحكومات ما يدفعها إلى فرض رقابة على التغطية الاعلامية أثناء الحروب "إذ ينتهي الامر إلى تسليط الضوء أكثر على الشيء ذاته الذي تريد إبعاد الاضواء عنه".
ويقول إيجلبيرجر "أكاد أقول أنه لا ينبغي البتة أن تطلب الادارة، وبالتأكيد البيت الابيض، من وسائل الاعلام الامتناع عن فعل شيء ما".
وتعليقا على الصراع الحالي الذي بدأ بهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، قال إيجلبيرجر أنه لا يفهم السبب في طلب حكومة الرئيس جورج دبليو. بوش من الشبكات التلفزيونية أن تحد من بث الرسائل التلفزيونية التي كان يطلقها المتهم بالارهاب أسامة بن لادن.
وتضيف وودراف "أعتقد أن هذا سؤال جيد للغاية، فلا أعلم ما قيمة الحد من تلك المعلومات".
وقال إيجلبيرجر أيضا "من الغباء عدم السماح بدخول (الاعلام)" إلى القاعدة البحرية الامريكية في جوانتانامو باي بكوبا، حيث يحتجز سجناء طالبان وتنظيم القاعدة في ظل ظروف مثيرة للجدل.
ويقول الخبير الاعلامي ستيفين ليفينجستون أن تطور التكنولوجيا، من قبيل الهواتف المرئية التي استخدمتها السي.إن.إن وغيرها من القنوات التلفزيونية في أفغانستان، قد مكن وسائل الاعلام من تغطية حتى الصراعات البعيدة بسرعة وبتكلفة أقل مما كان في الماضي.
غير أن الاستاذ المساعد لوسائل الاتصال السياسي والشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن قال أن تلك التكنولوجيا الجديدة تهدد بأن تقود إلى تغطية "أكثر تفككا" للبؤر الساخنة بشكل لا يوفر تفسيرا لاسباب تلك الصراعات وآثارها.
ويقول ليفينجستون أنه مع انخفاض الاهتمام الذي ينتج عن التنافس على تحقيق الارباح والحصول على مركز أفضل بين ترتيب القنوات الاكثر شعبية، تعمد الشبكات التلفزيونية إلى عرض تغطية لقضايا مثل محاكمة أو جي سيمسون أو فضيحة تشاندرا ليفي والحرب في أفغانستان في "فترات محدودة وبشكل مقتضب ومكثف".
ويقول ليفينجستون أن نتيجة لذلك تقدم شبكات الاخبار "تغطية أقل ثراء للانباء العالمية بشكل لا يعدنا جيدا لفهم العالم"، أو بعبارة أبسط، تقدم لنا الاخبار على شكل "حلقات مسلسل قصير".