اجتماع ثالث في قصر قرطاج لتطويق الأزمة السياسية

أزمة حكم أم أزمة حكومة في تونس؟

قالت أوساط مقربة من قصر الرئاسة التونسية في قرطاج إن الرئيس قائد السبسي سيعقد الثلاثاء اجتماعا مع الأطراف السياسية والمدنية الموقعة على وثيقة قرطاج في مسعى إلى تطويق الأزمة السياسية التي تشهدها حكومة يوسف الشاهد.

وأضافت إن الاجتماع سيفسح المجال أمام الأطراف لتقديم تقييم دقيق للوضع السياسي بصفة عامة ولأداء الحكومة بصفة خاصة.

ويأتي الاجتماع المرتقب في وقت أخذت فيه الانتقادات الموجهة للحكومة نسقا تصاعديا حادا سواء من قبل القوى السياسية المعارضة أو من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل.

ووثيقة قرطاج التي وقع عليها في 13 يوليو/تموز 2016 هي وثيقة سياسية تحدد أولويات الحكومة وفي مقدمتها توفير التنمية والشغل ومحاربة الفساد والإرهاب.

ووقع على الوثيقة كل من النداء والنهضة ومشروع تونس والوطني الحر وآفاق تونس وحركة الشعب وحزب المبادرة والحزب الجمهوري وحزب المسار، إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة (نقابة أرباب العمل) واتحاد المزارعين.

وتركزت حكومة الوحدة الوطنية بناء على بنود الاتفاقية غير أن تدني أدائها دفع بعدد من الأحزاب إلى الانسحاب والالتحاق بالائتلاف المدني المعارض المكون من 11 حزبا.

وقالت أوساط الرئاسة ان احتداد الأزمة السياسية في ظل الأزمة الهيكلية هو ما أملى الاجتماع المرتقب لا للتقييم فقط وإنما لمحاولة صياغة جديدة للوثيقة بناء على مطالب الأحزاب والمنظمات الوطنية بما يساعد على التخفيف من الاحتقان.

غير أن مراقبين يرون أن مساعي قائد السبسي لا تعدو أن تكون محاولة لاحتواء الأزمة من خلال الإصغاء لمختلف المقترحات وخاصة رؤية اتحاد الشغل.

ويقول وحيد براهم أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية إن \"الأزمة السياسية المرتبطة بالأزمة الهيكلية لا يمكن تطويقها من خلال تعديلات على وثيقة قرطاج\".

ويضيف براهم متحدثا لمراسل ميدل ايست أونلاين يقول \"إن الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج سواء منها التي انسحبت أو التي لم تنسحب بعد، لا تطالب فقط بالتعديلات وإنما تطالب بتركيز حكومة وحدة وطنية حقيقية منفتحة أكثر ما يكون على المشهد السياسي المتعدد فكريا وسياسيا ومدنيا\".

وخلال الفترة الماضية طالب عدد من القوى بإجراء تعديل وزاري على حكومة الشاهد التي يهيمن عليها النداء والنهضة ما جردها من هويتها كحكومة وحدة وطنية.

وبدت انتقادات اتحاد الشغل الأكثر جرأة حيث وجه نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد أكثر من رسالة لعل أهمها أن الحكومة الحالية \"فشلت\" في الوفاء بالتزاماتها.

وفي ظل انسحاب كل من حزب آفاق تونس ومشروع تونس وحركة الشعب والحزب الجمهوري، تضاءل الدعم لحكومة الشاهد في وقت يحتاج فيه إلى أكثر ما يمكن من الإسناد السياسي والشعبي للقيام بالإصلاحات الكبرى التي نالت ثقة البرلمان.

ومما عمق الأزمة السياسية موقف اتحاد الشغل الذي رفع من سقف مطالبه إلى ضرورة إشراكه في صنع القرارات بشأن الإصلاحات وفي مقدمتها خصخصة عدد من مؤسسات القطاع العام معتبرا ذلك \"خطا أحمر\".

واجتماع الثلاثاء هو الثالث من نوعه حيث عقد قائد السبسي اجتماعين إثنين مع من تبقى من الموقعين على وثيقة قرطاج، الأول في 6 يناير والثاني في 13 يناير وأقر خلالهما بـ\"وجود بطء\" في أداء الحكومة و\"في ما يجب إنجازه من الإصلاحات\".

وقالت الاوساط المقربة من قصر الرئاسة إن وثيقة قرطاج ليست وثيقة مقدسة وإنما هي نتيجة وفاق سياسي وهي قابلة للتقييم والمراجعة وفق تحولات الأوضاع في البلاد\".

وشددت على أن اجتماع الثلاثاء يراهن عليه رئيس الدولة في حلحلة الأزمة من خلال التوصل إلى صيغة توافقية بناء على التعامل الجدي مع مطالب جميع الأطراف\".

غير أن مراقبين يرون أن المراهنة على الاجتماع لا تعدو أن تكون مبالغة لجهة الاختلافات العميقة بين النداء والنهضة وبين القوى الديمقراطية من جهة، وبين اتحاد الشغل والحكومة من جهة أخرى الذي يتهم الحكومة بالمسؤولية عن أزمات تونس.

وقال عبد الرزاق الجلولي أستاذ علم الاستراتيجيات في الجامعة التونسية إن \"قائد السبسي نفسه يرى في الأزمة السياسية انها أزمة حكومة واختلافات بين الموقعين على وثيقة قرطاج والحال أن الأزمة هي أزمة حكم بنيوية ويجب التعاطي معها كذلك\".

ويضيف الجلولي لمراسل ميدل ايست اونلاين يقول \"من الصعب أن يتوصل الاجتماع لا إلى إنهاء الأزمة السياسية ولا إلى إجراءات للتخفيف منها\".

وقادت الأزمة السياسية إلى تفكك مفاصل الدولة وألقت بتداعياتها السلبية على أداء مؤسساتها حيث يواجه الشاهد صعوبات في تنفيذ برامج الحكومة التنموية والسياسية وفي مقدمتها محاربة لوبيات الفساد التي نخرت الإدارة وشبكات التهريب الخطيرة.

واوضحت اوساط الرئاسة ان اجتماع الثلاثاء سيخصص لتقييم أداء حكومة الشاهد والخروج بقرارات توافقية من شأنها أن تساعد على الرفع من أدائها.

ويرى مراقبون أنه مهما كانت أهمية تلك القرارات فإنها لن تكون حلا لأزمة سياسية تبقى مفتوحة على أكثر من احتمال في ظل تركيبة حكومية يستأثر بها النداء وتعارضها القوى السياسية الديمقراطية والقوى المدنية وتطالب بتشكيلة حكومية جديدة.

ويبدو ان قائد السبسي نفسه مطالب بأن يقف على نفس المسافة من الحكومة ومكوناتها ومن كل القوى السياسية المعارضة والقوى المدنية، في حين ان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والاستحقاقات القادمة تملي على رئيس الدولة اتخاذ مبادرة وطنية.