عدوى الانقسام تصيب الأصوات المسيحية في العراق

أصوات متفرقة مثل الشيعة والسنة والأكراد

بغداد - الجمعة الماضية هزت العاصمة العراقية بغداد حادثة مقتل عائلة مسيحية مكونة من ثلاثة أفراد، شاب مع زوجته وكلاهما طبيبان إضافة الى ام الزوجة، وبرغم إعلان وزارة الداخلية أن الجريمة جنائية كان الهدف وراءها سرقة اموال، إلا ان الحادثة سلطت الضوء مجددا على ظاهرة استهداف المسيحيين في البلاد.

الأحزاب والكنائس المسيحية توحدت في إدانة الحادثة ومطالبة الحكومة العراقية بإجراءات لوقف استهداف المسيحيين الذي سيشاركون في انتخابات أيار/مايو المقبل في اجواء سياسية وأمنية مغايرة عما كان عليه الحال خلال العقد الماضي.

ولكن يبدو ان ظاهرة الانقسامات داخل الأحزاب الشيعية والسنية والكردية امتدت أيضا الى الأحزاب المسيحية التي فشلت في تشكيل تحالف انتخابي واحد، وقررت الدخول في ثمانية تحالفات انتخابية متصارعة على خمسة مقاعد مخصصة لهم وفق نظام الكوتا من مجموع أعضاء البرلمان العراقي البالغ (328 نائبا).

المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، اتحاد بيث نهرين الوطني، حركة تجمع السريان، ائتلاف الكلدان، ائتلاف الرافدين، حزب أبناء النهرين، حركة بابليون، والمرشح المستقل فراس كوركيس، هي القوى المسيحية التي ستشارك في الانتخابات وفقا لمفوضية الانتخابات العراقية.

وفشلت محاولات دولية وكنسية محلية في توحيد هذه القوى ضمن تحالف انتخابي واحد لمواجهة التحديات الجديدة التي تواجه المسيحيين بعد هجوم الدولة الاسلامية على البلاد وتهجير جميع المسيحيين من الموصل ودفعت الآلاف إلى مغادرة البلاد بشكل نهائي، فيما تعاني البلدات المسيحية في مناطق سهل نينوى من تناقص سكانها، وتناحر بين أحزابها السياسية وحتى فصائلها المسلحة.

الناشط المدني المسيحي سركون خوشابا الذي يقطن في سهل نينوى يقول ان \"محاولات عدة لتوحيد الأحزاب المسيحية في الانتخابات المقبلة فشلت وان وجود تحالفات مسيحية مختلفة لن ينفع المكون المسيحي، ولكن هذه الأحزاب أهملت المصلحة العامة، وسعت الى مصالحها الخاصة طمعا في الحصول على اكبر قدر من المقاعد النيابية الخمسة\".

ويضيف ان \"الانقسامات بين الأحزاب المسيحية تعود إلى القوى السياسية الكبرى التي تقف وراءها، فهناك احزاب قريبة من الكرد، وأخرى قريبة من الشيعة والسنة\".

الخلافات حول طريقة إدارة المناطق المسيحية وكيفية مواجهة الاستهداف المتواصل لسكانها احد اسباب الانقسام، ولكن السبب الأكبر هو الصراع بين قوى سياسية شيعية وكردية لاستقطاب المسيحيين الى جانبهم والاستفادة من المقاعد الخمسة المخصصة لهم.

وعلى مدى العقد الماضي التزمت الكنيسة المسيحية في البلاد الحياد ازاء القوى المسيحية المشاركة في العملية السياسية ولم تدعم اي حزب على آخر بشكل علني، ولكن الكنيسة قررت هذه المرة الوقوف الى جانب احدى التحالفات، وأعلن بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكو وهو ابرز رجال الدين المسيحيين في العراق دعمه لـ \"ائتلاف الكلدان\".

هذا القرار قوبل بامتعاض وانتقاد من الأوساط السياسية المسيحية، واعتبرته خطوة قد تزرع الطائفية داخل مكونات المجتمع المسيحي الثلاثة في العراق وهم السريان والآشوريين والكلدان، وجاء تشكيل \"ائتلاف الكلدان\" ليزيد الحواجز بين المكونات المسيحية، ولكن الخلاف الأبرز هو الصراع الخفي الدائر بين قوى شيعية وكردية على مقاعد المسيحيين.

\"ائتلاف الرافدين\" بزعامة السياسي المسيحي المخضرم يونادم كنا وهو احد اعضاء مجلس الحكم الانتقالي بعد الغزو الاميركي للبلاد عام 2003 كان قريباً من الأحزاب الشيعية على مدى العقد الماضي.

ويرى هذا الائتلاف الذي يتكون اليوم من الحركة الديمقراطية الآشورية والحزب الوطني الآشوري ان التحالف مع الطرف الأقوى في البلاد سيحقق مصلحة للمكون المسيحي أفضل مما لو بقي خارج التحالفات، اذ ان تمرير القوانين المهمة للمسيحيين يحتاج الى تحالف سياسي كبير.

في الجانب الآخر فان تحالف المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري معروف بقربه من اقليم كردستان ويؤيد مواقف وسياسات حكومة إقليم كردستان، وله علاقات طيبة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.

في حزيران/يونيو العام 2017 عقدت قوى مسيحية بدعم من دول أوربية مؤتمرا لبحث مستقبل المسيحيين في العراق بعد مرحلة داعش، ولكن في اللحظة الأخيرة انقسمت القوى المسيحية حوله، أعلن ائتلاف الرافدين والكنيسة السريانية بزعامة لويس ساكو الانسحاب بعدما علموا ان البيان الختامي للمؤتمر سيدعو الى تشكيل إقليم مسيحي في مناطق سهل نينوى.

وحضر المؤتمر تحالف المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الذي يضم المجلس القومي الكلداني وحركة تجمع السريان والمنبر القومي الكلداني وحزب بيت نهرين الديمقراطي واتحاد بيث نهرين الوطني. وبعد ثلاثة أشهر على انعقاد المؤتمر، أجرى إقليم كردستان استفتاء للاستقلال عن العراق، وأعلنت هذه الأحزاب المسيحية تأييدها له.

ويقول يعقوب كوركيس عضو الحركة الديمقراطية الآشورية ان \"خريطة التحالفات الانتخابية المسيحية تعكس الواقع الذي يعيشه المسيحيون والذي يعاني من الهجرة والطائفية وعدم عودة النازحين الى الموصل وسهل نينوى، وصراع بين القوات العسكرية التابعة الى الحكومة الاتحادية واخرى الى اقليم كردستان في هذه المناطق\".

واضاف ان \"حادثتين عززت التباين السياسي بين القوى المسيحية. الاولى مؤتمر بروكسل الذي قاطعته قوى مسيحية مهمة، والاخرى الموقف من استفتاء إقليم كردستان الذي شهد أيضاً انقساما بين الأحزاب المسيحية\".

المقاعد النيابية الخمسة المخصصة للمسيحيين موزعة اليوم بين ائتلاف الرافدين مقعدان عن بغداد وكركوك، والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري يملك مقعدين أيضا عن نينوى ودهوك، فيما حصلت قائمة الوركاء على مقعد في اربيل.

الدورة الانتخابية البرلمانية الحالية التي شارفت على الانتهاء شهدت صراعات بين النواب المسيحيين. ففي تشرين الاول/اكتوبر الماضي طالب البطريرك لويس ساكو برفع الحصانة عن النائب جوزيف صليوه عضو \"قائمة الوركاء\" واتهمه بإطلاق تهم وانتقادات باطلة ضد الكنيسة ونواب مسيحيين، بينما اتهم الاخير رئاسة البرلمان بالانحياز الى \"ائتلاف الرافدين\" كممثل عن المسيحيين واهمال باقي الأحزاب المسيحية.

ويصدر البطريرك لويس ساكو بين الحين والآخر انتقادات غير مباشرة الى \"ائتلاف الرافدين\" لانه لم يكن بمستوى طموح تمثيل المسحيين في العملية السياسية على مدى الأعوام العشرة الماضية، وهذا ما دفع ساكو في النهاية إلى دعم ائتلاف انتخابي.

ميليشيات مسيحية

الفوضى السياسية والانهيار الأمني الذي شهده العراق بعد العام 2014 اجبر المسيحيين على الانخراط في ظاهرة تشكيل الميليشيات المسلحة التي اجتاحت البلاد لمواجهة المتطرفين، وللمرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث أصبحت للمسيحيين تشكيلات مسلحة خاصة بهم، وهو امر وجد المسيحيون أنفسهم مجبرين عليه لحماية مدنهم ومناطقهم بعد انهيار القوات الرسمية التابعة الى بغداد واربيل.

حركة بابليون احد هذه التشكيلات المسلحة ويقوده ريان الكلداني من بغداد ومقاتلوه من المسيحيين، وتشكل هذا الفصيل المسلح بدعم من قبل الفصائل الشيعية القريبة من إيران لمنافسة القوى المسيحية المقربة من الكرد في مناطق سهل نينوى.

في المقابل هناك وحدات حماية سهل نينوى القريبة من ائتلاف الرافدين بزعامة يونادم كنا، ولكنها معادية لحركة بابليون، ووصلت العلاقة بين كلا الفصيلين الى الاشتباكات المسلحة في اكثر من مرة كان أبرزها في تموز /يوليو العام الماضي عندما اقتحمت قوات بابليون بلدة الحمدانية وردت وحدات حماية سهل نينوى بإطلاق النار واعتقال عدد من المهاجمين. (نقاش)