التونسيون يطالبون بدولة قوية في الذكرى الـ62 للاستقلال

الشارع التونسي يشعر باحباط شديد

"تونس تحتاج إلى دولة قانون قوية مهابة من قبل الجميع ترعى الحريات وتوفر التنمية والشغل وتحارب الفساد والإرهاب وتفرض الأمن والاستقرار"، هكذا اختزل منجي الوسلاتي سائق سيارة أجرة، مطالب التونسيين عشية الاحتفال بذكرى الاستقلال.

وتحيي تونس الثلاثاء الذكرى 62 لاستقلالها عن الاستعمار الفرنسي في العام 1956 بعد مسارات طويلة من النضال قادته نخبة من السياسيين والمصلحين بقيادة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي تستحضر جرأته الأجيال الجديدة في تركيز دولة مدنية.

وطيلة أكثر من نصف قرن قادت دولة الاستقلال مشروعا وطنيا في التحديث الاجتماعي والسياسي مراهنة بالخصوص على حرية المرأة ومجانية التعليم والقضاء المدني.

واستمات رواد الاستقلال في بناء دولة مدنية بعد أن تم إلغاء النظام الملكي تتخذ من دستور جديد مرجعية لها وكانوا أكثر استماتة في التشبث بهيبة الدولة بعيدا عن الولاءات القبلية والجهوية لتتحول إلى الكيان الوحيد الذي لا يدين التونسيون بالولاء إلا إليه.

غير أن غالبية التونسيين اليوم يرون أن دولة الاستقلال فقدت الكثير من قوتها ومن هيبتها في ظل تدني أدائها خاصة في ما يتعلق بتوفير التنمية والشغل ومحاربة الفساد دون أن يخفوا أن ظاهرة الإرهاب مازالت تهدد أمن البلاد والاستقرار.

ويرى الوسلاتي وهو يتحدث لمراسل ميدل ايست أونلاين أن "الأزمة الهيكلية التي تشهدها تونس تستوجب استعادة الدولة لهيبتها المشروعة لتفرض سلطة القانون".

وأضاف "إن البلاد في أمسّ الحاجة إلى قيادة قوية وإرادة سياسية أقوى من قبل الحكومة حتى تتمكن من نيل ثقة التونسيين ومواجهة التحديات التنموية والسياسية".

ويعكس رأي سائق الأجرة الذي ساعدته مهنته على التحدث إلى فئات متعددة من المجتمع هواجس التونسيين منذ انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لتنزلق البلاد في أزمات سياسية ما انفكت تتعمق.

وخلال السنوات السبع الماضية فشلت الحكومات المتعاقبة في تسيير مؤسسات الدولة والحفاظ على أدائها على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتراجعت نسبة النمو من 5 بالمئة في العام 2010 إلى نحو 2.1 بالمئة حاليا.

واستفحلت ظاهرة الفقر بشكل لافت خاصة في الجهات الداخلية لتتراوح ما بين 45 و60 بالمئة في عدد من القرى والبلدات.

ولا تقل معضلة البطالة عن مشكلة الفقر إذ تصل إلى 56 بالمئة في بعض المناطق.

وألقت مثل تلك المؤشرات بتداعياتها على استقرار البلاد إذ واجهت الحكومات المتعاقبة موجات من الاحتجاجات الاجتماعية نتيجة الشعور بالحيف والتهميش.

وتحول الفساد إلى ظاهرة مؤرقة للتونسيين بعد أن تركزت شبكات متنفذة يديرها مهربون لهم علاقة بكوادر إدارية بيروقراطية متنفذة.

وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها وحدات الجيش والأجهزة الأمنية في الحد من خطورة الإرهاب فإن الظاهرة مازالت تهدد تونس دولة ومجتمعا.

وتقول الحكومة التونسية إنها عازمة على مباشرة إصلاحات هيكلية في مختلف المجالات بما يعيد للدولة دورها في التنموي والسياسي بناء على مطالب التونسيين.

غير أن بعض التونسيين يرون أن البرامج الحكومية من الصعب تنفيذها في ظل الأزمة السياسية الحالية ومطالبة المعارضة باستقالة الحكومة ورحيل يوسف الشاهد.

وترى مفيدة بن جعفر أستاذة تربية مدنية أن "الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس بما فيها حكومة الشاهد لم تفشل فقط اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وإنما فشلت في قيادة البلاد باتجاه تطلعات التونسيين إلى نظام مدني قوي".

ولا تخفي بن جعفر خشيتها من أن تقود الأزمات المتتالية الحكومة إلى اللجوء للحلول الأمنية، مشددة على أن "أخطر ما يتهدد التونسيات والتونسيين التراجع في مسألة الحريات العامة التي تكاد تكون المكسب الوحيد لانتفاضة يناير".

وتابعت أن الضامن الوحيد لمكاسب تونس وهي تحتفل بذكرى الاستقلال وفي مقدمتها حرية المرأة التي تواجه خطر الإسلاميين يبقى ممثلا في مدنية الدولة وهيبتها وانتصارها لمشروع التحديث الاجتماعي والسياسي الوطني.

ولا يتردد جزء من التونسيين في التعبير عن قلقهم من مشروع الإسلاميين في حال فوز حركة النهضة على حساب نداء تونس خلال الانتخابات البلدية القادمة.

ويقول منجي الوسلاتي إن "الانتخابات البلدية ستضع تونس على المحك، إما الانتصار لدولة الاستقلال ومشروعها المدني أو فوز الإسلاميين الذين يهددون مكاسبها".

وقالت "المرأة التونسية التي تستحضر جرأة بورقيبة بشأن تحريرها تبقى قوة مجتمعية مدنية ضد المساس من حريتها"، مطالبة السياسيين بـ"قيادة تونس على طريقة بورقيبة حين راهن على دولة مدنية قوية لقيادة مشروع وطني حديث".