سياسة أميركا الخارجية بعد إقالة تيلرسون

لم تكن إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوزير خارجيته ريكس تيلرسون عملا مفاجئا، فقد سبق لتراب أن أقال شخصيات فاعلة ووازنة في إدارته خلال الأشهر الماضية. إنما ما يسجل لهذه الإقالة إنها تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعبر عن دلالات قاسية لجهة تعامل ترامب مع خصومه أو من يعارضه في المسائل الإستراتيجية. وغريب المفارقات فيها، أنها أيضا تمت بعض سنة ونصف من التباين بين الرجلين والتي بدأت إبان حملة الانتخابات الرئاسية، واستمرت علانية بعد تعيينه، وبخاصة حول مسائل دولية حساسة، في وقت تتميز وزارة الخارجية الأميركية عادة بقربها الشديد من السياسات التي تنتهجها الرئاسة في البيت الأبيض.

ثمة صورة من عدم الاستقرار في سياسة الولايات المتحدة منذ سنة وثلاثة أشهر تقريبا، وهو ما عبر عنه ترامب "بخيبة الأمل"، اذ يعبر بشكل دائم أن سياسة بلاده الخارجية باتت فرعا للحزب الديموقراطي، ذلك نتيجة تراجع الحضور الأميركي في غير ملف اقليمي ودولي وبخاصة في الشرق الأوسط. كل ذلك مثل إشارات واضحة جدا عن حجم التباين والخلافات العميقة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، إضافة إلى تعرض الإدارة الأميركية للعرقلة من قبل الكونغرس، وهو ما تسبب عمليا في عدم قدرة ترامب على إنجاز عملية تشكيل إدارته بشكل فاعل، بعد مرور أكثر من سنة على وصوله للبيت الأبيض، وهو أمر غير مسبوق في الحياة السياسية الأميركية.

وإذا كانت الخلافات لم تكن يوما سرا، فهي أعمق من تباينات شخصية حول مواقف معينة، فعلى سبيل المثال، وصف تيلرسون دعوة رئيسه في تموز/يوليو الماضي لمواجهة التمدد الروسي بزيادة الترسانة النووية الأميركية بواقع عشرة أمثالها بأنها خطوة "حمقاء"، ما يدل على عمق الهوة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية وهو أمر غير مسبوق أيضا في التعبير عن السياسات الخارجية التي ينبغي أن تكون متطابقة.

ثمة عدة ملفات رئيسة وحساسة بالنسبة لسياسة واشنطن الخارجية، يأتي في مقدمتها إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة التي أعلنت قبل شهرين، ولم يكن تيلرسون آنذاك راضيا عنها بل وجه إليها انتقادات لافتة باعتبارها لا تعبر عن السياسات الدبلوماسية التي يتبناها. وثاني الخلافات ظهر بشكل واضح فيما يتعلق بالإستراتيجية تجاه كوريا الشمالية وملفها النووي، حيث ظهرت مواقف متشددة جدا لترامب فيما نحا تيلرسون إلى سياسات الاحتواء مع كوريا الشمالية. والمسألة الثالثة تعاطي تيلرسون المرن مع الاتفاق النووي الإيراني والرافض لانسحاب واشنطن من الاتفاق الدولي السداسي، الأمر الذي يتناقض مع موقف رئيسه تحديدا من هذا الملف الذي كان في طليعة برنامجه الانتخابي. والمسألة الرابعة بدت في تباين سياسات الطرفين تجاه الأزمة القطرية التي أنحاز تيلرسون إلى قطر ورسم سياسات غير متوازنة مع أطرافها الآخرين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وهو ملف مركزي في سياسات البيت الأبيض الخارجية. أما القضية الخامسة فتكمن في طريقة تعاطي وزارة الخارجية الأميركية مع قرار الرئيس بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، وهو ملف مركزي أيضا كان في طليعة برنامج الرئيس الانتخابي الذي لم يكن تيلرسون متحمسا له.

بالمحصلة ثمة قضايا مركزية افترق الطرفان في قراءتها، إضافة إلى التباين الشديد في وسائل تنفيذ بعضها، مما اجبر ترامب على اتخاذ قراره في الاتجاه الذي يصوب سياسة خارجيته مع مسارات تطلع إليها إبان حملته الانتخابية، ذلك بتعيين مايك بومبيو خلفا لتيلرسون، الذي شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والذي كان عضوًا في مجلس النواب الأميركي عن ولاية كانساس من العام 2011 وحتى 2017، والذي اشتهر أيضا بمواقفه المتطرفة ضد الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة وبينها المسلمون، كما عرف بموقفه الرافض للاتفاق النووي مع إيران، ويعد من أشد الرافضين لإغلاق معتقل غوانتانامو الذي أقامه الرئيس السابق جورج بوش الابن في كوبا عقب هجمات 11 أيلول 2001. كل ذلك يؤشر إلى سياسة خارجية مختلفة تماما ستظهر في الأشهر القادمة، ومن المحتمل والمفترض أن تبرز تباعا في الشرق الأوسط والذي سيكون الملف النووي الإيراني في طليعة القضايا المستهدفة، طبعا علاوة على الأطر التنفيذية لما سميَّ بصفقة العصر بما يتعلق بالقضية الفلسطينية.